السؤال :
أريد معرفة كل الأحاديث التي تنص على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقف عند كل آية وأنه لم يكن يجمع آيتين معاً أثناء التلاوة. فمن ضمن هذه الأحاديث حديث أم سلمة رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ "الحمد لله رب العالمين" ويقف، ثم "الرحمن الرحيم" ويقف، وهكذا. فأريد منكم مزيداً من الأحاديث والكتب التي عُنيت بهذه المسألة مع تبيين صحة تلك الأحاديث من ضعفها.
الجواب :
الحمد لله
أولا :
يسنّ الوقف على رؤوس الآيات ، وإن تعلقت بما بعدها ، في أصح قولي العلماء .
قال ابن القيم رحمه الله :
" كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْطَعُ قِرَاءَتَهُ، وَيَقِفُ عِنْدَ كُلِّ آيَةٍ فَيَقُولُ: ( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) وَيَقِفُ، ( الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ) وَيَقِفُ، ( مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ )
وَذَكَرَ الزُّهْرِيُّ " أَنَّ قِرَاءَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ آيَةً آيَةً " وَهَذَا هُوَ الْأَفْضَلُ، الْوُقُوفُ عَلَى رُءُوسِ الْآيَاتِ ، وَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِمَا بَعْدَهَا .
وَذَهَبَ بَعْضُ الْقُرَّاءِ إِلَى تَتَبُّعِ الْأَغْرَاضِ وَالْمَقَاصِدِ، وَالْوُقُوفِ عِنْدَ انْتِهَائِهَا، وَاتِّبَاعُ هَدْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسُنَّتِهِ أَوْلَى.
وَمِمَّنْ ذَكَرَ ذَلِكَ البيهقي فِي "شُعَبِ الْإِيمَانِ" وَغَيْرُهُ، وَرَجَّحَ الْوُقُوفَ عَلَى رُءُوسِ الْآيِ وَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِمَا بَعْدَهَا " انتهى من "زاد المعاد" (1/ 326)
وقال ابن الجزري رحمه الله :
" عَدَّ بَعْضُهُمُ الْوَقْفَ عَلَى رُءُوسِ الْآيِ فِي ذَلِكَ سُنَّةً، وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو: وَهُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ ، وَاخْتَارَهُ أَيْضًا الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ، وَغَيْرُهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ ، وَقَالُوا: الْأَفْضَلُ الْوُقُوفُ عَلَى رُءُوسِ الْآيَاتِ، وَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِمَا بَعْدَهَا. قَالُوا: وَاتِّبَاعُ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسُنَّتِهِ أَوْلَى " انتهى من "النشر في القراءات العشر" (1/ 226)
ثانيا :
يدل على ذلك ما ثبت في السنة من كون النبي صلى الله عليه وسلم كان يقف على رؤوس الآي .
- فروى أبو داود (4001) والترمذي (2927) - واللفظ له - عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَطِّعُ قِرَاءَتَهُ يَقْرَأُ: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) ، ثُمَّ يَقِفُ، (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) ، ثُمَّ يَقِفُ ".
قال ابن الجزري رحمه الله :
" حَدِيثٌ حَسَنٌ ، وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ " .
"النشر في القراءات العشر" (1/ 226)
وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" .
قال القاري رحمه الله :
" (يُقَطِّعُ قِرَاءَتَهُ) ، أَيْ: يَقْرَأُ بِالْوَقْفِ عَلَى رُؤُوسِ الْآيَاتِ " انتهى .
"مرقاة المفاتيح" (4/ 1503)
- وروى أحمد (26470) عَنْ نَافِعِ بْنِ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ نَافِعٌ: أُرَاهَا حَفْصَةَ - أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ قِرَاءَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَتْ: إِنَّكُمْ لَا تَسْتَطِيعُونَهَا . قَالَ: فَقِيلَ لَهَا : أَخْبِرِينَا بِهَا. قَالَ: فَقَرَأَتْ قِرَاءَةً تَرَسَّلَتْ فِيهَا . قَالَ نَافِعٌ: فَحَكَى لَنَا ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) . ثُمَّ قَطَّعَ ، (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) ثُمَّ قَطَّعَ ، (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)
قال محققو المسند : " رجاله ثقات رجال الشيخين " .
وصححه الألباني في "صفة الصلاة" - الأصل (1/295)
- روى الترمذي (2923) والنسائي (1022) والحاكم (1165) عَنْ يَعْلَى بْنِ مَمْلَكٍ، أَنَّهُ سَأَلَ أُمَّ سَلَمَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَلَاتِهِ، قَالَتْ: " مَا لَكُمْ وَصَلَاتَهُ " ثُمَّ نَعَتَتْ قِرَاءَتَهُ ، فَإِذَا هِيَ تَنْعَتُ قِرَاءَةً مُفَسَّرَةً حَرْفًا حَرْفًا "
صححه الترمذي والحاكم ، وحسنه البغوي في "شرح السنة" (4/482) وضعفه الألباني في "ضعيف الترمذي" .
قال السخاوي رحمه الله :
" قولها: " مفسرة حرفاً حرفاً " ما سبق في الحديث الأول من الوقف على رأس الآية " انتهى من "جمال القراء" (ص 668)
ثالثا :
ذهب بعض أهل العلم إلى عدم الوقف على أواخر الآي ، إذا كان شديد التعلق بما بعده ، كقوله تعالى : ( فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ) الماعون/ 4، 5
قال زكريا الأنصاري رحمه الله في "المقصد" (ص 5):
" يسن للقارئ أن يتعلم الوقوف، وأن يقف على أواخر الآي إلا ما كان شديد التعلق بما بعده، كقوله تعالى: (وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ) الحجر/ 14 ، وقوله : (لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) سورة ص/ 82 ؛ لأن اللام في الأول واللام في الثاني متعلقان بالآية قبلهما " انتهى .
والأرجح : الوقوف على رؤوس الآي مطلقا ، وإن كان شديد التعلق بما بعده ؛ لظاهر السنة ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" وُقُوفُ الْقَارِئِ عَلَى رُءُوسِ الْآيَاتِ سُنَّةٌ، وَإِنْ كَانَتْ الْآيَةُ الثَّانِيَةُ مُتَعَلِّقَةً بِالْأُولَى تَعَلُّقَ الصِّفَةِ بِالْمَوْصُوفِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ " انتهى من "الفتاوى الكبرى" (5/ 334)
وإنما يُمنع من القطع والتوقف عن القراءة تماما إذا أخل بالمعنى ، كمن يقرأ : ( فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ ) ثم ينهي القراءة ولا يقرأ الآية التي بعدها .
رابعا :
من الكتب التي عنيت بالكلام عن هذه المسألة - غير ما ذكرنا - :
- "الجامع لأحكام القرآن" (20/ 201) للقرطبي.
- "التحرير والتنوير" (1/ 76) لابن عاشور .
- "المكتفى في الوقف والابتدا" لأبي عمرو الداني (ص 244)
- "جمال القراء وكمال الإقراء" (ص 673) لعلم الدين السخاوي
- "البرهان في علوم القرآن" (1/ 350) لبدر الدين الزركشي .
- "الإتقان في علوم القرآن" (1/ 299) لجلال الدين السيوطي .
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم : (13340)
والله تعالى أعلم .
الإسلام سؤال وجواب