بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
اللهم ارزقنا الصبر عند البلاء ، والرضا بالقضاء
اللهم لا عظيم الا انت ولا رحيم الا انت ولا كريم الا انت ولا معطي
الا انت ولا اله الا انت
أُمنيات فات وقتها
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فالتمني: طلب شيء محبوب لا يُرجى حُصوله, لكونه مستحيلاً أو بعيد الوقوع. كقول الشاعر:
ألا ليت الشباب يعود يوماً******فأُخبره ُ بِما فَعَلَ المشيــــــــــ ــــبُ
قال العلامة العثيمين رحمه الله: التمني أن يطلب الإنسان أمراً لا يرجي أو يترقب حصوله, إما لكونه مستحيلاً, أو لكونه بعيد المنال.
بعض الناس يتمنى عند موته الأمنيات التي فات وقتها قال الله عز وجل: {حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون*لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون} [المؤمنون:99_100] قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: يخبر تعالى عن حال المحتضر عند الموت من الكافرين, أو المفرطين في أمر الله تعالى, وقيلهم عند ذلك, وسؤالهم الرجعة إلى الدنيا ليصلح ما كان أفسده في مدة حياته....قال قتادة: والله ما تمنى أن يرجع إلى أهله ولا إلى عشيرته ولا بأن يجمع الدنيا ويقضي الشهوات, ولكن تمنى أن يرجع فيعمل بطاعة الله عز وجل, فرحم الله امرأ عمل فيما يتمناه الكافر إذا رأى العذاب إلى النار.
قال العلامة السعدي رحمه الله: يخبر تعالى عن حال من حضره الموت, من المفرطين الظالمين, أنه يندم في تلك الحال, إذا رأى مآله, وشاهد قبح أعماله. فيطلب الرجعة إلى الدنيا, لا للتمتع بلذاتها واقتطاف شهواتها وإنما ذلك ليقول: ﴿لعلي أعمل صالحا فيما تركت﴾ من العمل, وفرطت في جنب الله.
وقال الله جل وعلا: ﴿ { وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين * ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون } ﴾ [ المنافقون:10_11]
قال الإمام البغوي رحمه الله: روى الضحاك, وعطية, عن ابن عباس, أنه قال: ما من أحد يموت, وكان له مال لم يؤد زكاته, وأطاق الحج فلم يحج إلا سأل الله الرجعة عند الموت.
وفي الآخرة يتمنى بعض الناس الأمنيات التي فات وقتها فيندم ويتحسر, ويحصل له الهمّ والغمّ بسبب ذلك, ومن الأمنيات التي يتمناها:
أن يعود إلى الدنيا ليتوب ويكون من المؤمنين المطيعين:
قال الله عز وجل: ﴿ {وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} ﴾ [الأنعام:27] قال الإمام الطبري رحمه الله: قال هؤلاء المشركون بربهم, إذا حُبسوا في النار: ﴿ {يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ } ﴾ إلى الدنيا حتى نتوب ونراجع طاعة الله, ﴿ { وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا } ﴾ يقول: ولا نكذب بحجج ربنا ولا نجحدها ﴿ { وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } ﴾ يقول: ونكون مع المُصدقين بالله وحججه ورسله.
وقال جل وعلا: ﴿ {فلو أن لنا كرة فنكون من المؤمنين} ﴾ [الشعراء:102] قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: يتمنون أن يُردون إلى دار الدنيا ليعملوا بطاعة ربهم
وقال الله سبحانه وتعالى: ﴿ {وجيء يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى * يقول يا ليتني قدمت لحياتي} ﴾ [الفجر:23_24]
قال الإمام البغوي رحمه الله: أي: قدمت الخير والعمل الصالح لحياتي في الآخرة, أي لآخرتي التي لا موت فيها.
وقال الله جل وعلا: ﴿ { أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين * أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين * أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين} ﴾ [ الزمر:56_58]
وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله: أي يوم القيامة يتحسر المجرم المفرط في التوبة والإنابة ويود لو كان من المحسنين المخلصين لله المطيعين لله عز وجل. وقال العلامة العثيمين يتمنون الرجوع ليكونوا من المحسنين, لا للتلذذ بالدنيا والتمتع بها
يتمنى أنه لم يتخذ الذي أضله خليلاً له وأن بينهما بعد المشرقين:
قال الله جل وعلا :﴿ {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِين* وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُم ْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ* حَتَّىٰ إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ } ﴾ [الزخرف:36_38]
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: أي هذا الذي تغافل عن الهدى, نقيض له من الشياطين من يضله, ويهديه إلى صراط الجحيم, فإذا وافى الله عز وجل يوم القيامة يتبرم بالشيطان الذي وكّل به(
وهذا الشيطان ليس بالضرورة أن يكون شيطان جن, بل قد يكون شيطان إنس, قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: ) من فوائد الآيات الكريمة: الحذر من قرناء السوء, لأن الشياطين ليس اسماً خاصاً لشياطين الجنّ, بل حتى الإنس لهم شياطين, ففي هذا التحذير من قُرناء السُّوء...فما أكثر ما يمُرُّ علينا ممن يتصلون بنا يشكون من قوم كانوا مستقيمين وأئمة مساجد, أو مؤذني مساجد اتصل بهم أُناس من أصحاب السوء, فانحرفوا انحرافاً كاملاً....أقول هذا لتحذروا من الاستمرار مع قرناء السوء, ولتعلموا أنكم متى علمتم أنه قرين سوء فإنه يجب عليكم البعد عنه.
قال الله جل وعلا {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا* يَا وَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا* لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي ۗ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا}[الفرقان:27_29]قال العلامة البغوي رحمه الله ﴿ {وَكَانَ الشَّيْطَانُ } ﴾ وهو كل متمرد عات من الإنس والجن, وكل من صد عن سبيل الله فهو شيطان, ﴿ {لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا} ﴾ أي: تاركاً يتركه ويتبرأ منه عند نزول البلاء والعذاب. وحكم هذه الآيات عام في حق كل متحابين اجتمعا على معصية الله عز وجل.......
يتمنى أنه أطاع الله ورسوله في دنياه:
قال الله: ﴿ { إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيراً * خالدين فيها أبدا لا يجدون ولياً ولا نصيراً * يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا } ﴾ [الأحزاب:64_66] قال العلامة السعدي رحمه الله: ﴿ {يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا} ﴾ فسلمنا من هذا العذاب واستحققنا كالمطيعين جزيل الثواب ولكن أمنية فات موتها, فلم تفدهم إلا حسرة وندماً وغمّاً وألماً.
يتمنى الموت, وأنه لم يعط كتابه بشماله:
قال الله جل وعلا: ﴿ {وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه * ولم أدر ما حسابيه * يا ليتها كانت القاضية} ﴾ [الحاقة:25_27]
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: هذا إخبار عن حال الأشقياء إذا أعطى أحدهم كتابه في العرصات بشماله فحينئذ يندم غاية الندم ﴿ فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه* ولم أدر ما حسابيه * يا ليتها كانت القاضية ﴾
قال الضحاك: يعني موتة لا حياة بعدها.
وقال قتادة: تمنى الموت, ولم يكن شيء في الدنيا أكره إليه منه.
وقال العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: هؤلاء هم أهل الشقاء, يُعطون كتبهم المشتملة على أعمالهم السيئة بشمالهم تميزاً لهم وخزياً, وعاراً وفضيحة فيقول أحدهم من الهم والغم والحزن: ﴿ يا ليتني لم أوت كتابيه ﴾ لأنه يبشر بدخول النار, والخسارة الأبدية.
يتمنى أن يكون تراباً:
قال الله جل وعلا: ﴿ {إنا أنذرناكم عذابا قريبا يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر يا ليتني كنت تراباً } ﴾ [النبأ:40]
قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: قوله: ﴿ {كنت تراباً } ﴾ تحتمل ثلاثة معانٍ:
المعنى الأول: يا ليتني كنت تراباً فلم أُخلق, لأن الإنسان خُلق من تراب.
المعنى الثاني: يا ليتني كنت تراباً فلم أُبعث, يعني كنت تراباً في أجواف القبور.
المعنى الثالث: أنه إذا رأى البهائم التي قضى الله بينها, وقال لها كوني تراباً فكانت تراباً, أي كما كانت هذه البهائم _ والله أعلم فلنتعظ ولنعتبر بأحوالهم, قال الدكتور أحمد بن عبدالله الباتلي: هذا أماني الكفار في عرصات القيامة: ندم وحسرة على عدم اتباع المرسلين وهيهات أن تنفعهم الأماني آنذاك...فاتعظ أحي المسلم من هذه المواقف التي ذكرها الله تعالى في كتابه وبادر بالتوبة النصوح والحذر من التسويف فتندم على التفريط فباب التوبة مفتوح ما لم تبلغ الروح الحلقوم أو تقوم الساعة."فهد بن عبد العزيز الشويرخصيد الفوائد