بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
اللهم ارزقنا الصبر عند البلاء ، والرضا بالقضاء
اللهم لا عظيم الا انت ولا رحيم الا انت ولا كريم الا انت ولا معطي
الا انت ولا اله الا انت
الموت يسمى بالقيامة الصغرى ( وقفات وتنبيهات)
يقول الدكتور عمر سليمان الأشقر في كتابه (القيامة الصغرى) (ص 13 - 14): (القيامة الصغرى هي الموت، فكل مَن مات فقد قامت قيامته، وحان حَيْنُه)، ففي (صحيح البخاري ومسلم) عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: (كان رجالٌ من الأعراب جفاة يأتون النبي - صلى الله عليه وسلم - فيسألونه متى الساعة، فكان ينظر إلى أصغرهم، فيقول: إن يعش هذا، لا يدركه الهرم حتى تقوم عليكم ساعتكم).
قال ابن كثير - رحمه الله - كما في (البداية والنهاية) (1/24):
والمراد انخرام قَرْنِهم، ودخولهم في عالم الآخرة، فإن مَن مات، فقد دخل في حكم الآخرة، وبعض الناس يقول: (مَن مات فقد قامت قيامته)، وهذا الكلام بهذا المعنى صحيح؛ اهـ.
وقد أشار ابن كثير - رحمه الله - إلى أن هذا القول يقوله الفلاسفة، ويريدون به معنى فاسدًا، فإن الملاحدة يرون أن الموت هو القيامة، ولا قيامة بعدها.
قال ابن كثير - رحمه الله - كما في (البداية والنهاية) أيضًا:
(وقد يقول هذا بعض الملاحدة، ويشيرون به إلى شيء آخر من الباطل، فأما الساعة العظمى، وهي وقت اجتماع الأولين والآخرين في صعيد واحد، فهذا ما استأثر الله بعلم وقته).
وقفات:
الوقفة الأولى: إن الذين لا يؤمنون بالآخرة، وعندهم أنه لا حياة ولا نعيم إلا في الدنيا، حالهم كما قال رب العالمين: ﴿ وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ ﴾ [البقرة: 96].
وقال بعض الملاحدة:
خُذْ منَ الدنيا بحظٍّ
قبل أن تُنقَل عنها
فهي دارٌ ليس تلقى
بعدَها أطيبَ منها
الوقفة الثانية: هناك نوعٌ من أنواع الموت، وهو موت القلوب، وهو أشد وأعظم خطرًا من موت الأبدان؛ لأنه إذا مات البدن انقطع الإنسان عن الدنيا، أما موت القلب، فهو انقطاعٌ عن الدنيا والآخرة.
وكان بعض السلف يقول: "عجبًا للناس يبكون على مَن مات جسده، ولا يبكون على مَن مات قلبه، وهو أشد".
وانظر إلى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - الثابت في صحيح البخاري: ((مَثَل الذي يذكر ربَّه والذى لا يذكر ربَّه مثلُ الحي والميت)).
فهذا الإنسان جسده قبرٌ لقلبه، كما قال بعضهم:
فنسيانُ ذكرِ اللهِ موتُ قلوبِهم
وأجسامُهُم قبلَ القبورِ قبورُ
وأرواحُهُم في وحشة من جسومهم
وليسَ لهم حتى النشورِ نشورُ
ولما وصف الله - تعالى - الكافرين في كتابه الكريم وصفهم بالأموات؛ قال - تعالى -: ﴿ وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ ﴾ [فاطر: 22]، وقال - تعالى -: ﴿ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام: 122]؛ فالله - عز وجل - سمَّاهم أمواتًا؛ لأن الكفر انقطاع عن الحياة الحقيقية الأزلية الأبدية، والنعيم السرمدي في جنة الخلد، وانطماس في أجهزة الاستقبال والاستجابة الفطرية؛ لذا فهو موت.
أما الإيمان، فهو اتصال واستمداد واستجابة؛ لذا فهو حياة، ولذلك قدَّم الله في سورة الرحمن ذكر القرآن على خلق الإنسان؛ فقال - تعالى -: ﴿ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ ﴾ [الرحمن: 1 - 3]، وهذا له معنى، وهو أنه لا قيمة للإنسان بدون إيمان، فبه تحيا القلوب والأبدان، وقال صالح المري: دخلتُ على الحسن يومًا، فوجدته ينشد:
ليس مَن مات فاستراح بميتٍ
إنما الميتُ ميِّتُ الأحياءِ
إنما الميتُ مَن تراه كئيبًا
كاسفًا باله قليل الرجاءِ
هناك نوع من أنواع الموت يُسمَّى بالموتة الصغرى، وهو النَّوْم، فالنوم شبيه الموت؛ ولذلك يسميه العلماء بـ: (الموتة الصغرى)، فالنوم وفاة، والقيام من النوم بعثٌ ونشور، كما قال - تعالى -: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ ﴾ [الأنعام: 60]، وقال - تعالى -: ﴿ اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الزمر: 42].
ففي قوله - تعالى -: ﴿ اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا ﴾؛ أي: يقبضها عند حضور أجلها، ويخرجها من الأبدان.
﴿ وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ﴾؛ أي: ويتوفَّى الأنفسَ التي لم تَمُت؛ أي: لم يحضر أجلُها، يتوفَّاها في منامها؛ ﴿ فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ ﴾، ولا يردها إلى الجسد الذي كانت فيه، ﴿ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى ﴾، وهي النائمة بأن يُعِيد عليها إحساسها؛( (زبدة التفسير: ص 612).
وهذا يعني أنه في حالةِ إمساك الروح تكون الوفاة الكبرى، وفي حالة إرسالها، فهي الوفاة الصغرى.
ويدل على هذا أيضًا الحديثُ الذي أخرجه البخاري عن عبدالله بن أبي قتادة، عن أبيه قال: )سِرْنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلةً، فقال بعض القوم: لو عرَّست بنا يا رسول الله، قال: ((أخاف أن تناموا عن الصلاة))، قال بلال: أنا أوقظكم فاضطجعوا، وأسند بلال ظهره إلى راحلته، فغلبتْه عيناه فنام، فاستيقظ النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد طلع حاجب الشمس، فقال: ((يا بلال، أين ما قلت؟))، قال: ما أُلقيت عليَّ نومةٌ مثلها قط، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله قبض أرواحكم حين شاء، وردَّها عليكم حين شاء، يا بلال، قم فأَذِّن بالناس بالصلاة فتوضأ، فلما ارتفعت الشمس وابيضَّت، قام فصلَّى)).
ويدل على هذا أيضًا ما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا أوى أحدُكم إلى فراشِه، فلينفضه بداخلة إزاره، فإنه لا يدري ما خلفه عليه، ثم ليقل: باسمك ربي وضعتُ جنبي وبك أرفعه، إن أمسكتَ نفسي فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين)).
وجاء في (البخاري ومسلم) من حديث حذيفة - رضي الله عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أخذ مضجعَه من الليل، وضع يده تحت خده، ثم يقول: ((باسمك اللهم أحيا وأموت))، وإذا استيقظ قال: ((الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور)).
وأخرج البزار والطبراني في (الأوسط) والبيهقي عن جابر بن عبدالله - رضي الله عنهما - قال: (يا رسول الله، أينام أهل الجنَّة؟ قال: ((لا، النومُ أخو الموت، وأهل الجنَّة لا يموتون، ولا ينامون))، وهذا الكلام السابق يُفسِّر لنا قوله - تعالى -: ﴿ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ ﴾ [آل عمران: 55].
قال ابن كثير في (تفسيره) ما ملخصه:
(اختلف المفسِّرون في قوله - تعالى -: ﴿ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ ﴾:
1- فقال قتادة وغيره: هذا من المُقدَّم والمُؤخَّر؛ تقديره: (إني رافعك إليَّ ومتوفيك)؛ يعني: بعد ذلك.
2- وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: ﴿ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ ﴾؛ أي: مُمِيتك.
3- وقال الأكثرون: المراد بالوفاة هنا: النوم؛ كما قال - تعالى -: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ ﴾ [الأنعام:60]، وقال - تعالى -: ﴿ اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ﴾ [الزمر: 42]، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام من النوم قال: ((الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا))؛ (جزء من حديث حذيفة، رواه البخاري).
4- وقال الحسن في قوله - تعالى -: ﴿ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ ﴾؛ يعني: وفاة النوم، رفعه الله في منامه؛ اهـ
وذكر ابن جرير - رحمه الله - في تفسيره "جامع البيان" (6/161) في أن: المراد بالتوفِّي هو نفس الرفع، والمعنى: إني قابضُك من الأرض، ومستوفيك ببدنك وروحك، وينسب هذا التفسير إلى ابن زيد
والراجح:
هو قول الجمهور، والذي اختاره ابن كثير، ورواه الحسن وغيره من أهل العلم، والذي يفسِّر الوفاة بالنوم.
وقال الحافظ ابن حجر - رحمه الله - في (التلخيص الحبير) (ص 319):
(وأما رفع عيسى - عليه السلام - فاتَّفق أصحاب الأخبار والتفسير على أنه رفع ببدنه حيًّا)، وقال في (الفتح) (6/267): (إن عيسى رُفِع وهو حي على الصحيح).
وقال الإمام أبو حيان في (تفسيره) المطبوع على (البحر المحيط) (2/473): (وأجمعت الأمة على أن عيسى - عليه السلام - حي في السماء).
وقال ابن عطية الغرناطي: (وأجمعتِ الأمةُ على ما تضمَّنه الحديث المتواتر من أن عيسى في السماء حي).
• عيسى - عليه السلام - رُفِعَ إلى السماء حيًّا ببدنه وروحه، كما في قول الله - تعالى -: ﴿ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴾ [النساء: 157، 158].
قال الشيخ الهرَّاس - رحمه الله -:
"وكيف يتوهَّم متوهِّم أن المراد بقوله - تعالى -: ﴿ بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ ﴾ هو رفع روحه؟ وهو إنما ذكر لإبطالِ ما زعموه من قتله وصَلْبه، ورفع الروح لا يبطل القتل والصلب، بل يجامعهما، فإنهم لو قتلوه فرضًا لرُفِعت روحه إلى الله، على أن في إخبارِه - عز وجل - بأنه رفعه إليه ما يشعر باختصاصه بذلك، والذي يمكن أن يختص به عيسى هو رفعه حيًّا بجسده وروحه؛ لأن أرواح جميع الأنبياء - بل المؤمنين - تُرفَع إلى الله بعد الموت، لا فرق بين عيسى وغيره، فلا تظهر فيه الخصوصية، ثم ختم الآية بقوله: ﴿ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴾، يدل على أنه مشهد تجلَّت فيه عزة الله وحكمته، ولا يتم ذلك إلا حيث يكون المشهد غريبًا مثيرًا، فأي غرابة أو إثارة في موته، ثم رفع روحه، وهو كما قلنا عام في جميع المؤمنين؛ (فصل المقال في رفع عيسى - عليه السلام - ونزوله وقتله الدَّجَّال، للشيخ محمد خليل هرَّاس: ص 13).
وقال الشوكاني - رحمه الله - في (فتح القدير) (1/344):
"إنما احتاج المفسِّرون إلى تأويل الوفاة بما ذكر؛ لأن الصحيح أن الله رفعه إلى السماء من غير وفاة، كما رجَّحه كثير من المفسرين، واختاره ابن جرير الطبري، ووجهُ ذلك أنه قد صحَّ في الأخبار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نزولُه وقتله الدَّجَّال.
وأخرج الإمام أحمد وأبو داود عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الأنبياء إخوة لعلاَّت[1]، أمهاتهم شتى ودينهم واحد، وإني أَوْلَى الناس بعيسى ابن مريم؛ لأنه لم يكن نبي بيني وبينه، وإنه نازل فاعرفوه: رجل مربوع[2] إلى الحمرة والبياض، عليه ثوبان ممصَّران[3]، كأن رأسه يقطر وإن لم يُصِبه بللٌ، فيدق الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجِزْيَة، ويدعو الناس إلى الإسلام، ويُهْلِك الله في زمانه الملل كلها إلا الإسلام، ويُهلِك الله في زمانه المسيح الدَّجَّال، ثم تقع الأمانة[4] على الأرض، حتى ترتع[5] الأُسُود مع الإبل، والنِّمَار مع البقر، والذئاب مع الغنم، ويلعب الصبيان بالحيَّات لا تضرُّهم، فيمكث أربعين سنة، ثم يُتوفَّى ويُصلِّي عليه المسلمون)).
قال ابن الأثير في النهاية: (3/291):
(أولاد العلاَّت: الذين أمهاتهم مختلفة وأبوهم واحد، وأراد أن إيمانهم واحد، وشرائعهم مختلفة)
وأحاديث نزول عيسى ابن مريم - عليه السلام - من السماء وقتله للدجال متواترة تواترًا معنويًّا، وممَّن صرَّح بتواترها: العلاَّمة الطبري، والنووي، والقاضي عِياض، وابن حجر، وابن تيمية، وابن القيم، والذهبي، وابن كثير، والعلاَّمة الأُبُّي، وابن عطية، وأبو حيان الأندلسي، والشوكاني، والألوسي، ومحمد صديق حسن خان، ومحمد حبيب الله الشنقيطي، والسفَّاريني، والكتاني، والكشميري، والألباني، والشيخ أحمد شاكر، والكوثري، والغماري.
وقال الطحاوي
(ونُؤمِن بخروج الدَّجَّال الأعور العين، ونزول عيسى ابن مريم - عليه السلام - من السماء)... إلى أن قال: (والإيمان بأن المسيح الدَّجَّال خارج مكتوب بين عينيه كافر، والأحاديث التي جاءت فيه، والإيمان بأن ذلك كائن، وأن عيسى ابن مريم - عليه السلام - ينزل فيقتله بباب لُدٍّ)؛ (شرح الطحاوية ص 499).
ويقول أبو الحسن الأشعري في (مقالات الإسلاميين) ص 345: (ويصدِّقون - أهل السُّنَّة - بخروج الدَّجَّال، وأن عيسى ابن مريم - عليه الصلاة والسلام - يقتله).
ويقول الآجري في كتابه (الشريعة):
(باب الإيمان بنزول عيسى ابن مريم - عليه السلام - حَكَمًا عدلاً، فيقيم الحق ويقتل الدَّجَّال)، قال: (والذين يقاتلون مع عيسى - عليه السلام - هم أمةُ محمد - صلى الله عليه وسلم - والذين يقاتلون عيسى هم اليهودُ مع الدَّجَّال، فيقتل عيسى الدَّجَّالَ، ويقتل المسلمون اليهودَ، ثم يموت عيسى ويصلِّي عليه المسلمون، ويدفن مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ومع أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما).
وقال السفاريني في (لوامع الأنوار البهية) (2/94):
(ومنها - أي من علامات الساعة العظمى - العلامة الثالثة: أن ينزل من السماء المسيح عيسى ابن مريم - عليه السلام - ونزوله ثابت بالكتاب والسُّنَّة وإجماع الأمة)، ثم قال: (وأما الإجماع، فقد أجمعت الأمة على نزوله، ولم يخالف فيه أحد من أهل الشريعة، وإنما أنكر ذلك الفلاسفة والملاحدة ممَّن لا يُعتدُّ بخلافه).
تنبيهان:
1- يلي قولَ الجمهور في الصحة قولُ قتادة - رحمه الله -: وهو أن في الكلام تقديمًا وتأخيرًا، والتقدير: (إني رافعك ومتوفيك)؛ أي: بعد النزول.
2- لا.. لابن حزم، ولمحمد عبده، ومحمد رشيد رضا، والشيخ شلتوت:
• ولا التفات إلى ما ذهب إليه ابن حزم - رحمه الله - في (المحلى) (1/28): (وقوله بموت عيسى ورفعه وقوفًا مع لفظ: ﴿ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ ﴾ [آل عمران:55])، فهو - رحمه الله - لم يخالف في الرفع، وإنما خالف في الحياة.
• ولا التفات إلى قول محمد عبده، وتلميذه محمد رشيد رضا، والشيخ شلتوت ﴿ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ ﴾؛ أي: مميتك حتف أنفك، ثم أرفعك إليَّ، ونسب محمد عبده هذا القول إلى جمهور المفسِّرين؛ حتى نشرت جريدة (البشرى القاديانية)، التي تصدر في بيروت في عدديها (5، 6) أن الأزهر يعترف بوفاةِ المسيح الناصري، بناءً على فتوى الشيخ شلتوت التي نشرتها (مجلة الرسالة) في العدد (462)، وقال فيها بموت عيسى - عليه السلام - وأنه ليس في القرآن الكريم ولا السُّنَّة المطهَّرة مستند يصلحُ لتكوينِ عقيدةٍ يطمئن إليها القلب بأن عيسى رُفِع بجسمه إلى السماء، وأنه حيٌّ إلى الآن فيها، وأنه سينزل منها آخر الزمان إلى الأرض.
• ولا التفات لقول "صاحب المنار": "إن الدَّجَّال رمزٌ للخرافات والدجل والقبائح التي تزول بتقرير الشريعة على وجهها، والأخذ بأسرارها وحكمها"؛ اهـ.
وهذا مخالف أشد المخالفة لكلام السلف من أئمة التفسير والمحدِّثين، ومنافٍ لعقيدة السلف
[1] علات؛ أي: ضرائر؛ (الفتح - 6/489).
[2] مربوع؛ أي: معتدل القامة بين الطويل والقصير.
[3] ممصَّران؛ أي: فيهما صُفْرة خفيفة.
[4] الأمانة؛ أي: الأمنة والسلام.
[5] ترتع؛ أي: تلعب.
تحيتي
والله الموفق
الشيخ ندا أبو أحمد
شبكة الالوكة