معنى الفضيلة:
الفضيلة مأخوذة من الفضل والزيادة، كالربا مأخوذ من الزيادة وليست كل زيادة ربا، لأن الربح زيادة، وما يدخل ضمن الربا المحرم هو ما كانت الزيادة فيه متضمنة معنى الاستغلال ومنافية لأصول التبادل القائم على التوازن بين إرادتَي المتعاقدين، بحيث يكون العقد ناتجاً عن إرادة حرة ومصلحة واضحة لكل من طرفَي العقد.
والفضيلة زيادة، وليست كل زيادة فضيلة، فبعض أنواع الزيادة يعتبر رذيلة، لأن مطلق الزيادة قد يكون منافياً لمعاني الفضيلة، وقد أشار الإمام الغزالي إلى معنى الفضيلة في معرض حديثه عن فضيلة العلم في كتابه "إحياء علوم الدين"، وأكد أن الزيادة التي تدخل ضمن الفضيلة هي تلك الزيادة المؤدية إلى الكمال، فإذا أدت الزيادة في الشيء إلى نقصان المنفعة فيه، أو نقصان في قيمته فهذه الزيادة لا تدخل ضمن الفضيلة لانتفاء صفة الكمال التي تعتبر معياراً دقيقاً للفضائل، ولا فضيلة مع انعدام الكمال، ولكل شيء فضيلته الخاصة به، فما أدّى إلى الكمال فهو فضيلة وما أدّى إلى النقص فليس فضيلة، فالجري بالنسبة للفرس فضيلة، لأنه يحقق كمالها، لأن الجري من خصائص الخيول، وليس الجري فضيلة في الأغنام والأبقار التي تُقتنى للاستفادة من لحومها، ولهذا لا يجري التفاضل بالنسبة للسوائم بسرعتها ما لم تكن مُعَدّة لذلك، وكذلك الأمر لا تعتبر زيادة اللحم في الخيول فضيلة، وقد تكون مما يعيبها وينقص من قيمتها، ومن فضائل السيوف القطع والبتر ولا فضيلة لسيف إذا لم يكن قاطعاً، ولا عبرة بحجمه وشكله، لأن الغاية الأساسية للسيوف أن تُقتنى للحروب، ويتمثل كمالها في أدائها الجيد لما أُعِدَّت له من غايات..
والفضيلة في رأي علماء الأخلاق وسط بين رذيلتين، وأكد "ابن مسكويه" هذه الحقيقة في كتابه "تهذيب الأخلاق"، فإن تجاوزت الصفة حدود الوسط ابتعدت عن الفضيلة، فالشجاعة وسط بين رذيلتين، التهور والجبن، فالتهور زيادة في الشجاعة والجبن زيادة في الحذر والاحتياط، ولا فضيلة في كل من التهور والجبن، لانتفاء صفة الكمال في ذلك الاختيار السلوكي، وكذلك الأمر بالنسبة للجود فهو فضيلة بين رذيلتين البخل والتبذير، والتبذير ليس من الجود الذي يدخل ضمن معاني الفضيلة، ولو اعتبر التبذير فضيلة لكانت الفضائل معبرة في بعض المواقف عن رذائل.
الدكتور محمد فاروق النبهان
................