Recover Password: via Email | via Question
Post: #1
|
||
ahmeddodo Joined: 07-10-2014 Posts: 2,360 Country: |
شرح حديث: إن الحلال بين وإن الحرام بين (من الأربعين النووية) شرح حديث: إن الحلالَ بيِّن وإن الحرام بيِّن
(شرح الأربعين النووية) عن أبي عبدالله النعمان بن بشيرٍ رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الحلال بينٌ وإن الحرام بينٌ، وبينهما أمور مشتبهاتٌ لا يعلمهن كثيرٌ من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدِينه وعِرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملكٍ حمًى، ألا وإن حمى الله محارمُه، ألا وإن في الجسد مضغةً إذا صلَحت صلَح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب))؛ رواه البخاري ومسلمٌ. ترجمة الراوي: النعمان بن بشير بن سعد، الأمير العالم، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن صاحبه، أبو عبدالله الأنصاري الخزرجي، ابن أخت عبدالله بن رواحة، وهو أول مولود للأنصار بالمدينة المنورة بعد مقدَم النبي صلى الله عليه وسلم إليها، كما أن عبدالله بن الزبير أول مولود ولد للمهاجرين بعد الهجرة، فهما مولودان في عام واحد، له مائة وأربعة عشر حديثًا، مات الرسول صلى الله عليه وسلم وله من العمر آنذاك ثماني سنوات وسبعة أشهر، وهذا يقتضي صحة تحمل الصبي؛ فإنه تحمل الحديث وهو صغير، ورواه بعد بلوغه، ولي إمارة الكوفة وقضاء دمشق وحمص، وقيل: إن النعمان لما دعا أهل حمص إلى بيعة ابن الزبير ذبحوه، وقيل: قتل بقرية بيرين[1]، قتله خالد بن خلي بعد وقعة مرج راهط في آخر سنة أربع وستين رضي الله عنه[2]. منزلة الحديث: ◙ قال الكرماني رحمه الله: أجمع العلماء على عِظَمِ موقع هذا الحديث، وأنه أحد الأحاديث التي عليها مدار الإسلام، قال جماعة: هو ثلث الإسلام، وإن الإسلام يدور عليه وعلى حديث: "الأعمال بالنية"، وحديث: "مِن حُسن إسلام المرء: تركه ما لا يعنيه"، وقال أبو داود السجستاني: يدور على أربعة أحاديث؛ هذه الثلاثة، وحديث: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"[3]. ◙ قال ابن دقيق العيد رحمه الله: هذا الحديث أصل عظيم من أصول الشريعة[4]. ◙ قال الجرداني رحمه الله: هذا الحديث قد أجمع العلماء على كثرة فوائده، ومن أمعن فيه وجده حاويًا لعلوم الشريعة؛ إذ هو مشتمل على الحث على فعل الحلال، واجتناب الحرام، والإمساك عن الشبهات، والاحتياط للدِّين والعِرض، وعدم تعاطي الأمور الموجبة لسوء الظن والوقوع في المحذور، وتعظيم القلب والسعي فيما يصلحه، وغير ذلك[5]. ◙ هذا حديث عظيم جليل، وقاعدة من قواعد الإسلام، وأصل من أصول الشريعة، عليه لوائح أنوار النبوة ساطعة، ومشكاة الرسالة مضيئة؛ فهو من جوامع كلم النبي صلى الله عليه وسلم[6]. ◙ قال ابن العطار: قال العلماء: وسبب عظم موقعه: أنه صلى الله عليه وسلم نبه فيه على صلاح المطعم والمشرب والملبس وغيرها، وأنه ينبغي أن يكون حلالًا[7]. غريب الحديث: ◙ بيـنٌ: ظاهر. ◙ مشتبهاتٌ: المشكل؛ لما فيه من عدم الوضوح. ◙ لا يعلمهن: لا يعلم حكمها؛ لتنازع الأدلة. ◙ استبرأ لدينه وعرضه: طلب البراءة وحصل عليها. ◙ وقع في الشبهات: اجترأ على الوقوع فيها. ◙ الـحِمَى: المحمي المحظور على غير صاحبه. ◙ يوشك: يسرع أو يقترب. ◙ أن يرتع فيه: تأكل منه. ◙ محارمه: المعاصي التي حرمها الله. ◙ مضغة: قطعة لحم قدر ما يمضغ في الفم. شرح الحديث: ((إن الحلال بيـنٌ))؛ أي: واضح لا يخفى حله، ((وإن الحرام بيـنٌ))؛ أي: ظاهر غير خفي، ((وبينهما))؛ أي: بين الحلال والحرام الواضحين ((أمورٌ مشتبهاتٌ))؛ أي: غير واضحات الحِل والحرمة، والمراد أنها تشتبه على بعض الناس دون بعض، قال النووي رحمه الله: الأشياء ثلاثة أقسام: حلال بيِّن واضح لا يخفى حله، كالخبز والفواكه والزيت والعسل، وحرام بيِّن، كالخمر والخنزير والميتة والبول والدم المسفوح، والمشتبهات غير الواضحة الحل والحرمة؛ فلهذا قال: ((لا يعلمهن))؛ أي: لا يعلم حكمها ((كثيرٌ من الناس))، وأما العلماء فيعرفون حكمها بنص أو قياس أو استصحاب أو غير ذلك[8]. ((فمن اتقى الشبهات))؛ أي: تحرز عنها وتركها ((فقد استبرأ))؛ أي: حصل البراءة ((لدِينه)) مما يَشينه من النقص ((وعِرضه)) من الطعن فيه. فائدة: واعلم - أخي وفقك الله - أنه من أتى شيئًا يظنه الناس شبهة وهو يعلم أنه حلال، فلا حرج عليه من الله في ذلك، ولكن إذا خشي من طعن الناس فيه بسبب ذلك كان تركه حينئذٍ حسنًا؛ استبراءً لعرضه، وقال بعض السلف: من عرض نفسه للتهم، فلا يلومن من أساء به الظن؛ اهـ. ((ومن وقع في الشبهات)) بأن لم يترك فعلها ((وقع في الحرام)) المحض، أو قارَبَ أن يقع فيه، ((كالراعي))؛ أي: حاله كحال الراعي الذي يحفظ الحيوان، ((يرعى)) مواشيه ((حول))؛ أي: جانب ((الحِمَى)) المحظور على غير مالكه، ((يوشك)) يسرع، ((أن يرتع فيه))؛ أي: تدخله الماشية وتأكل منه. ((ألا)) هي للتنبيه على أن ما بعدها أمر ينبغي التنبه له، والمعنى: أن الملوك والعظماء في الأرض اعتادوا - إظهارًا لعظمتهم - أن يتخذوا لأنفسهم أمكنة يحمونها، ويتوعدون من يرعى فيها. والله عز وجل له المثل الأعلى - ملك الملوك - له حِمًى يحميه، وحماه هو محارمه التي حرمها على الناس، وقد توعد من وقع فيها بالعذاب الشديد؛ فالأجدر بالناس ألا يقاربوها خوف الوقوع فيها، فينزل بهم عذاب الله، وأن يتأدبوا مع الله، كما تتأدب الرعاة مع ملوكهم [9]. ((ألا وإن في الجسد مضغةً)) سميت بذلك لأنها قدر ما يمضغ، ((إذا صلَحت)) بالإيمان والعلم، ((صلَح الجسد كله))؛ أي: بالإخلاص في الأعمال، ((وإذا فسدت فسد الجسد كله))؛ أي: بالجحود والكفر والعصيان ((ألا وهي القلب))؛ فإنه محل النية التي بها صلاحُ الأعمال وفسادها، وأيضًا هو الأمير والملك بالنسبة إلى تمام الجسد، والرعيَّةُ تابعة للملك. قال ابن تيمية رحمه الله: فإن الإيمان أصله الإيمان الذي في القلب، ولا بد فيه من شيئين: تصديق بالقلب، وإقراره ومعرفته، ويقال لهذا: قول القلب، قال الجنيد بن محمد: التوحيد: قول القلب، والتوكل: عمل القلب، فلا بد فيه من قول القلب، وعمله، ثم قول البدن وعمله، ولا بد فيه من عمل القلب، مثل حب الله ورسوله، وخشية الله، وحب ما يحبه الله ورسوله، وبغض ما يبغضه الله ورسوله، وإخلاص العمل لله وحده، وتوكل القلب على الله وحده، وغير ذلك من أعمال القلوب التي أوجبها الله ورسوله، وجعلها من الإيمان. ثم القلب هو الأصل، فإذا كان فيه معرفة وإرادة سَرَى ذلك إلى البدن بالضرورة، لا يمكن أن يتخلف البدن عما يريده القلب؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ألا وإن في الجسد مضغةً إذا صلَحت صلَح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب))[10]. فائدة: ذكر العلماء صلاح القلوب في تسعة أشياء: أحدها: قراءة القرآن بتدبر. ثانيها: خلاء البطن بتقليل الأكل. ثالثها: قيام الليل بالعبادة. رابعها: التضرع عند السَّحَر. خامسها: مجالسة الصالحين. سادسها: الصمت عما لا يعني. سابعها: العزلة عن أهل الجهل. ثامنها: ترك الخوض في الناس. تاسعها: أكل الحلال. الفوائد من الحديث: 1- الشريعة الإسلامية حلالها بيِّـن، وحرامها بيِّن، وفيها المشتبه الذي لا يعلمه إلا العلماء. 2- على المسلم أن يبتعد عن مواطن الشبهات؛ سلامة لدِينه من الإثم، وعِرضه من الذم. 3- إن الإنسان إذا وقع في الأمور المشتبهة هان عليه أن يقع في الأمور الواضحة. 4- في الحديث دلالة لمن قال بقاعدة سد الذرائع إلى المحرمات، وتحريم الوسائل إليها. 5- جواز ضرب الأمثال من أجل تبيين الأمر ليقرب فهمه. 6- أكل الحلال ينور القلب، فتصلح الجوارح، والعكس صحيح. 7- التنبيه على عظم قدر القلب، والحث على إصلاحه؛ فإنه أمير البدن، بصلاحه يصلح البدن، وبفساده يفسد. [1] من قرى حمص. [2] السير (3/ 411)، الإصابة (3/ 559)، تهذيب التهذيب (10/ 447)، أسد الغابة (5/ 326 رقم 5230). [3] شرح الكرماني على صحيح البخاري (1/ 203)، شرح مسلم للنووي (11/ 23 ح 1599). [4] شرح الأربعين النووية لابن دقيق العيد (24). [5] الجواهر اللؤلؤية شرح الأربعين النووية (64). [6] تيسير العلام شرح عمدة الأحكام (3/ 238). [7] شرح الأربعين النووية لابن العطار (74). [8] شرح مسلم للنووي (11/ 23 ح 1599). [9] شرح الأربعين النووية، للدكتور محمد بكار زكريا (29). [10] مجموع الفتاوى (7/ 186). |
|
|
||
Bookmarks | ||||
|
«
Previous Thread
|
Next Thread
»
|