Post: #1
|
|||
ahmeddodo Joined: 07-10-2014 Posts: 2,360 Country: |
تفسير قوله تعالى : ﴿ إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ ﴾. ﴿ إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ ﴾
الحمد لله، وأفضل الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد: فمن الآيات التي استوقفتنا في "مجلس العشر الأواخر" في الحرم المكي: قول الله تعالى في سورة النور: ﴿ إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ ﴾ [النور: 15]، وكانت الأسئلة التي تم النقاش حولها هي: لماذا كان التلقي بالألسن مع أن تلقي الأخبار يكون بالأسماع؟ ولماذا عدل عن الألسن إلى الأفواه في نقل الخبر؟ وما هي وجوه البلاغة التي حَوَتْها هذه الآيات؟ وما هي الآداب المستنبطة منها؟ هذا ما أردت أن أجيب عنه في هذه العجالة، موثقًا ذلك من كتب التفسير، سائلًا المولى التوفيق والسداد.
فأقول: التحمُّل والأداء أصل من أصول الرواية عند المحدثين؛ فالتحمل: هو نقل الحديث عن الغير بطريقة معتبرة من طرق التحمل، وهذا الغير يسمى عند أهل الحديث شيخًا، والأداء: هو رواية الحديث للغير، وهذا الغير يسمى عند أهل الصَّنعة بـ: طالب الحديث.
ومدَح رسول الله صلى الله عليه وسلم ودَعَا بالنضارة لمن وعى الخبر عند سماعه منه، وحفظه، ونقله كما سمعه لا كما وعاه، فلا ينقل السامع وعيه، فيضع الخبر على من سمعه منه؛ فرُبَّ مبلَّغ أوعى من سامع؛ فعن أنس بن مالكٍ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((نضَّر الله عبدًا سمع مقالتي فوعاها، ثم بلغها عني؛ فرُبَّ حامل فقهٍ غير فقيهٍ، ورُبَّ حامل فقهٍ إلى مَن هو أفقهُ منه))[1].
وعن جبير بن مطعِمٍ رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((نضَّر الله امرأً سمع مقالتي، فحفظها، فأدَّاها كما سمعها، فرُبَّ حامل فقهٍ إلى مَن هو أفقه منه، ورُبَّ حامل فقهٍ ليس بفقيهٍ))[2].
وعن عبدالله بن مسعود، قال: سمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((نضَّر الله امرأً سمع منا شيئًا، فبلَّغه كما سمع، فرُبَّ مُبلَّغٍ أوعى مِن سامعٍ))[3]، هذا ما أدَّب رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه أصحابه في نقل سنَّته إلى أمَّته؛ ليكون منارًا يقتدى به في تناقل أخبارهم العامة والخاصة، وما يشاع بينهم في أمور الحياة كلها.
فكم مِن حديث لا أصل له فاض واشتهر بين الناس وهو كذِبٌ محض وافتراء، ولقد عاتب الله أقوامًا فاض بينهم الخبر وانتشر، فلم يحكِّموا عقولهم وبواطن أسرارهم، فجعلوا آلة التلقي الألسن بدل الأسماع؛ فالحكاية والكلمة ينبغي أن تُسمَع أولًا، وتدخل إلى العقل ثانيًا ليحكُمَ على صحتها وكذبها وَفْق الحقائق والوقائع، ثم ينتقل الإيعاز من العقل إلى الجوارح فيعبر عنه باللسان، كل هذه المعادلة انقلبت في يوم ما، فكان التلقي بالألسن بدل الأسماع، وكان الكلام بالأفواه بدل الألسن، وخرج الكلام من صاحبه ولم يكن له به علمٌ، وما يترتب عليه من الإثم، وظنَّ قائله أنه أمرٌ هيِّن، وهو عند الله عظيم، وصدَق الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم إذ يقول: ((إن العبد ليتكلم بالكلمة، ما يتبيَّن ما فيها، يَهْوِي بها في النار أبعدَ ما بين المشرق والمغرب)) [4].
وينبغي للعاقل أن يتنبَّه إذا سمع خبرًا فيه منقصة أو تهمة للغير بغير حق، أن يتمهل ويتيقن من صحته، ويجعل نفسه مكان المتكلم عليه، ويظن به خيرًا، ويستشعر رقابة الله الرقيب، فإذا فعل ذلك كان لسان حاله ومقاله: (سبحانك)، فينزه نفسه وغيره عن النقص والعيب، كلُّ هذا الأدب في تلقي الأخبار ونقلها للغير علمنا إياه ربُّ العزة جل جلاله في سورة النور في حادثة الإفك؛ فقال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ * لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ * لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ * وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ * وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ * يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [النور: 11 - 17].
فقوله تعالى: ﴿ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا ﴾ [النور: 12]؛ أي: عندما سمعوا الخبَرَ جعلوا أنفسهم بدل المتكلم عنه.
وقوله تعالى: ﴿ فِي مَا أَفَضْتُمْ ﴾ [النور: 14]، والإفاضة في القول مستعارٌ من إفاضة الماء في الإناء؛ أي كثرته فيه، فالمعنى: ما أكثرتم القول فيه والتحدُّث به بينكم[5]؛ فالاستفاضة لا تَعني صحةَ الخبر دائمًا، فانظُرْ - رحمك الله - إلى الأدب عند السماع: التحقق، ومراجعة النفس، وطرد وساوس الشيطان، وإعمال القرآن والدلائل والشهود.
وقوله تعالى: ﴿ لَوْلَا ﴾ [النور: 12] هنا حرفٌ بمعنى: (هلا) للتوبيخ، كما هو شأنها إذا وليها الفعل الماضي، وهو هنا ﴿ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [النور: 12]، وأما ﴿ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ﴾ [النور: 12] فهو ظرفٌ متعلقٌ بفعل الظن، فقدم عليه، ومحل التوبيخ جملة: ﴿ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا ﴾ [النور: 12]، فأسند السماع إلى جميع المخاطَبين، وخصَّ بالتوبيخ مَن سمعوا ولم يكذِّبوا الخبر، وجرى الكلام على الإبهام في التوبيخ بطريقة التعبير بصيغة الجمع، وإن كان المقصود دون عدد الجمع، فإن مَن لم يظن خيرًا رجلانِ، فعبَّر عنهما بالمؤمنين، وامرأةٌ، فعبَّر عنها بالمؤمنات على حد قوله: ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ ﴾ [آل عمران: 173].
وقوله: ﴿ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا ﴾ [النور: 12] وقَع في مقابلة ﴿ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ ﴾ [النور: 12]، فيقتضي التوزيع؛ أي: ظنَّ كل واحدٍ منهم بالآخرين ممن رُمُوا بالإفك خيرًا؛ إذ لا يظن المرء بنفسه... وتقديم الظرف، وهو ﴿ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ﴾ [النور: 16]، على عامله، وهو ﴿ قُلْتُمْ ﴾ [النور: 16] -للاهتمام بمدلول ذلك الظرف، تنبيهًا على أنه كان مِن واجبهم أن يطرُقَ ظنُّ الخير قلوبهم بمجرد سماع الخير، وأن يتبرؤوا مِن الخوض فيه فور سماعه.
والعدول عن ضمير الخطاب في إسناد فِعل الظن إلى المؤمنين التفات؛ فمقتضى الظاهر أن يقال: ظننتم بأنفسكم خيرًا، فعدل عن الخطاب؛ للاهتمام بالتوبيخ؛ فإن الالتفات ضربٌ من الاهتمام بالخبر، وليصرح بلفظ الإيمان، دلالةً على أن الاشتراك في الإيمان يقتضي ألا يُصدِّق مؤمنٌ على أخيه وأخته في الدين ولا مؤمنةٌ على أخيها وأختها في الدين قولَ عائبٍ ولا طاعنٍ.
وفيه تنبيهٌ على أن حق المؤمن إذا سمع قَالةً في مؤمنٍ أن يبني الأمر فيها على الظن، لا على الشك، ثم ينظر في قرائن الأحوال وصلاحية المقام، فإذا نُسب سوء إلى مَن عُرفٍ بالخير ظن أن ذلك إفكٌ وبهتانٌ، حتى يتضح البرهان.
وفيه تعريضٌ بأن ظن السوء الذي وقَع هو مِن خصال النفاق التي سَرَتْ لبعض المؤمنين عن غرورٍ وقلة بصارةٍ، فكفى بذلك تشنيعًا له. وهذا توبيخٌ على عدم إعمالهم النظر في تكذيب قولٍ ينادي حاله ببهتانه، وعلى سكوتهم عليه وعدم إنكاره.
وعطف: ﴿ وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ ﴾ [النور: 12] تشريعٌ لوجوب المبادرة بإنكار ما يسمَعه المسلم مِن الطعن في المسلم بالقول، كما ينكره بالظن، وكذلك تغيير المنكَر بالقلب واللسان. والباء في ﴿ بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [النور: 12] لتعدية فعل الظن إلى المفعول الثاني؛ لأنه متعدٍّ هنا إلى واحدٍ؛ إذ هو في معنى الاتهام. والمبين: البالغ الغاية في البيان؛ أي: الوضوح، كأنه لقوة بيانه قد صار يُبيِّن غيره[6]. والملاحَظ أن الله تبارك وتعالى جعل آلةَ التلقي اللسانَ، لا الآذانَ، وفي ذلك حكمةٌ عظيمة، وتوصيف دقيق؛ قال تعالى: ﴿ إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ ﴾ [النور: 15]. وقال البغوي: ﴿ تَلِقُونَهُ ﴾ بكسر اللام وتخفيف القاف: من الوَلْقِ، وهو الكذِب[7]. وقال أبو السعود: ﴿ تَلَقَّوْنَهُ ﴾ [النور: 15] بحذف إحدى التاءين: ظرفٌ للمسِّ؛ أي: لَمَسَّكم ذلك العذاب العظيم وقتَ تلقيكم إياه من المخترعين ﴿بِأَلْسِنَتِكُمْ ﴾ [النور: 15]، والتلقي والتلقُّف والتلقُّن معانٍ متقاربةٌ، خلا أن في الأول معنى الاستقبال، وفي الثاني معنى الخطف والأخذ بسرعةٍ، وفي الثالث معنى الحِذْقِ والمهارة [8]. قال السمعانيُّ: يُلْقيه بعضُكم ويرويه بعضُكم عن بعض [9]. وقال ابن عاشور: ففي قوله: ﴿ بِأَلْسِنَتِكُمْ ﴾ [النور: 15] تشبيهُ الخبرِ بشخصٍ، وتشبيه الراوي للخبر بمن يتهيَّأ ويستعد للقائه: استعارةٌ مكنيةٌ، فجعلت الألسن آلةً للتلقي على طريقةٍ تخييليةٍ بتشبيه الألسن في رواية الخبر بالأيدي في تناول الشيء، وإنما جعلت الألسن آلةً للتلقي مع أن تلقي الأخبار بالأسماع؛ لأنه لما كان هذا التلقي غايته التحدُّث بالخبر، جعلت الألسن مكان الأسماع مجازًا بعلاقة الأيلولة. وفيه تعريضٌ بحرصهم على تلقي هذا الخبر؛ فهم حين يتلقَّونه يبادرون بالإخبار به بلا تروٍّ ولا تريُّثٍ، وهذا تعريضٌ بالتوبيخ أيضًا[10].
والأصل فيمن يتكلم بلسانه لا بفيه، ﴿ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ ﴾ [النور: 15]فينبغي للخبر أن يدخل من السمع إلى العقل إلى الوجدان بعد التفكُّر فيه، فيفيض على الجوارح، ويعبر عنه باللسان، ولا يجوز النطق بكلمة واحدة لا علم لصاحبها بما ستؤول إليه مِن مَضَارَّ على النفسِ والمجتمَع.
قال أبو السعود: ﴿ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ ﴾ [النور: 15]؛ أي: تقولون قولًا مختصًّا بالأفواه مِن غير أن يكون له مصداقٌ ومنشأٌ في القلوب؛ لأنه ليس بتعبيرٍ عن علمٍ به في قلوبكم ... ﴿ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا ﴾[النور: 15] سهلًا لا تَبِعَةَ له، أو ليس له كثيرُ عقوبةٍ، ﴿ وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ ﴾[النور: 15] والحال أنه عنده عز وجل ﴿ عَظِيمٌ ﴾ [النور: 15] لا يقادر قدره في الوِزْر واستجرار العذاب[11].
قال الرازي: فإن قيل: ما معنى قوله: ﴿ بِأَفْوَاهِكُمْ ﴾ [النور: 15] والقول لا يكون إلا بالفم؟ قلنا: معناه أن الشيءَ المعلوم يكون علمُه في القلب، فيترجم عنه باللسان، وهذا الإفكُ ليس إلا قولًا يجري على ألسنتكم مِن غيرِ أن يحصُلَ في القلب علمٌ به؛ كقوله: ﴿ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ﴾ [آل عمران: 167][12].
قال ابن جُزَي: وفائدة قوله: {﴿ بِأَلْسِنَتِكُمْ ﴾ [النور: 15]، و ﴿ بِأَفْوَاهِكُمْ ﴾[النور: 15] الإشارة إلى أن ذلك الحديثَ كان باللسان دون القلبِ؛ إذ كانوا لم يعلَموا حقيقتَه بقلوبهم[13].
وفصَّل القولَ ابنُ عاشور في ذلك، فقال: فوجه ذِكر ﴿ بِأَفْوَاهِكُمْ ﴾ [النور: 15] مع أن القول لا يكون بغير الأفواه أنه أُريدَ التمهيدُ لقوله: ﴿ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ ﴾ [النور: 15]؛ أي: هو قولٌ غيرُ موافقٍ لِما في العِلم، ولكنه عن مجرَّد تصوُّرٍ؛ لأن أدلة العلم قائمةٌ بنقيض مدلول هذا القول، فصار الكلامُ مجرد ألفاظٍ تجري على الأفواه.
وفي هذا مِن الأدب الأخلاقي أن المرءَ لا يقول بلسانه إلا ما يعلَمه ويتحقَّقه، وإلا فهو... أفن الرأي، يقول الشيءَ قبل أن يتبين له الأمر، فيوشك أن يقول الكذب فيحسبه الناس كذَّابًا... وزاد في توبيخهم بقوله: ﴿وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ ﴾ [النور: 15]؛ أي: تحسبون الحديثَ بالقَذْف أمرًا هينًا، وإنما حسِبوه هينًا؛ لأنهم استخفوا الغِيبة والطعن في الناس؛ استصحابًا لِما كانوا عليه في مدَّةِ الجاهلية [14].
وينبغي للعاقل بعد تفكُّرِه في ذلك أن يصدَحَ بلسانِ الحقِّ فيقول: ﴿سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ﴾ [النور: 16]، فاللفظُ ها هنا بمعنى التعجُّب، ﴿هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ﴾ [النور: 16]، يعني: كذبٌ عظيمٌ يبهت ويتحيَّر مِن عظمته، وفي بعض الأخبار أن أمَّ أيوب قالت لأبي أيوب الأنصاري: أمَا بلَغك ما يقول الناسُ في عائشةَ؟ فقال أبو أيوب: ﴿ سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ﴾ [النور: 16]، فنزلت الآية على وَفْقِ قولِه[15].
قال ابن جزي: كان الواجب أن يبادروا إلى إنكار هذا الحديث أولَ سماعهم له، ﴿ وَلَوْلَا ﴾ [النور: 16] أيضًا في هذه الآية عرض، وكان حقها أن يليَها الفعل مِن غير فاصل بينهما، ولكنه فصَل بينهما بقوله: ﴿ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ﴾ [النور: 16]؛ لأن الظروفَ يجوز فيها ما لا يجوز في غيرها، والقصد بتقديم هذا الظرف الاعتناءُ به، وبيانُ أنه كان الواجب المبادرة إلى إنكار الكلام في أولِ وقتٍ سمعتموه، ومعنى ﴿ مَا يَكُونُ لَنَا ﴾ [النور: 16]: ما ينبغي لنا ولا يَحِلُّ لنا أن نتكلمَ بهذا[16].
وتمحور الكلام حول المعاتبة والتوبيخ لمن نقل الخبر وكأنه لم يسمعه ولم يتفكر فيه، وهذا خلاصة ما ذكره علماء التفسير: قال ابن جزي: فعاتبهم على ثلاثة أشياء، وهي: تلقِّيه بالألسنة؛ أي: السؤال عنه وأَخْذه مِن المسؤول، والثاني: قولهم ذلك، والثالث: أنهم حسبوه هيِّنًا وهو عند الله عظيمٌ[17].
وقال ابن عطية: هذا عتاب مِن الله تعالى بليغ، ذكَر أن حالتهم التي وقع فيها جميعهم مِن تعاطيهم الحديث، وإن لم يكُنِ المخبِر ولا المخبَر مُصدِّقين، ولكنَّ نفسَ التعاطي والتلقي مِن لسان إلى لسان والإفاضة في الحديث هو الذي وقَع العتابُ فيه[18].
جعَلنا الله ممن يستمعون القولَ فيتبعون أحسَنَه، ويتأدَّبون بأدبِ القرآن وصاحبِ السنَّة الغراء، ونعوذ بالله مِن شرِّ تناقل الأخبار بلا أفكار.
وصلَّى الله وسلَّم على سيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين [1] ينظر سنن ابن ماجه (1 / 86): (236). [2] ينظر مسند البزار = البحر الزخار (8 / 342): (3416). [3] ينظر سنن الترمذي: (5 / 34)، باب ما جاء في الحث على تبليغ السماع، (2657)، وقال عنه: (هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ)، وصحيح ابن حبان (1 / 272): ذكر إثبات نضارة الوجه في القيامة مَن بلَّغ للمصطفى صلى الله عليه وسلم سنةً صحيحة كما سمعها ( 69)، ينظر مسند البزار = البحر الزخار (8 / 342): (3416). [4] ينظر صحيح مسلم (4/ 2290) (2988). [5] ينظر التحرير والتنوير (18 / 177). [6] ينظر التحرير والتنوير (18 / 174). [7] ينظر تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (6 / 162). [8] ينظر تفسير البغوي - إحياء التراث (3 / 394). [9] ينظر تفسير السمعاني (3 / 511). [10] ينظر التحرير والتنوير (18 / 178). [11] ينظر تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (6 / 162). [12] ينظر تفسير الرازي = مفاتيح الغيب، أو التفسير الكبير (23 / 343). [13] ينظر تفسير ابن جزي = التسهيل لعلوم التنزيل (2 / 64). [14] ينظر التحرير والتنوير (18 / 178). [15] ينظر تفسير البغوي - إحياء التراث (3 / 394). [16] ينظر تفسير ابن جزي = التسهيل لعلوم التنزيل (2 / 64). [17] ينظر تفسير ابن جزي = التسهيل لعلوم التنزيل (2 / 64). [18] ينظر تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (4 / 170).
|
||
|
|||
|
Post: #2
|
|
aboalftooh Joined: 27-02-2015 Posts: 3,758 Country: |
تفسير قوله تعالى : ﴿ إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ ﴾. بارك الله فيك
|
|
|
Post: #3
|
|
hamozza Joined: 06-03-2010 Posts: 46 Country: |
تفسير قوله تعالى : ﴿ إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ ﴾. بارك الله فيك وجزاك خيرا
|
|
|
Post: #4
|
|
Hybird GenralModrator Joined: 03-05-2014 Posts: 55 Country: |
تفسير قوله تعالى : ﴿ إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ ﴾. جزاك الله خير
|
|
|
Bookmarks | ||||
|
|