You are Unregistered, please register or login to gain Full access
Recover Password: via Email | via Question
Thread Options  Search this Thread  
Post: #1
13-04-2016 12:26
ahmeddodo


Joined: 07-10-2014
Posts: 2,360
Country: Egypt
Male ahmeddodo is Offline now
تفسير: (يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان)

تفسير: (يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان)


 


 



 



تفسير قوله تعالى


﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ﴾


محمد حسن نور الدين إسماعيل


 


 


﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ[1]الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [النور: 21].


 


بين يدي السورة الكريمة:


سورة النور مدنية بالإجماع، وآياتها 64 آية، اشتملَت هذه السورة الكريمة على أحكامٍ عامَّة تتعلقُ بالأسرة، التي هي النواة للمجتمع الأكبر، ووضَّحَت الآدابَ الاجتماعية التي يجب أن يتمسَّك بها المؤمنون؛ مِن الاستئذان عند الدخول، وغضِّ البصر، وحفظ الفروج، وحرمة الاختلاط، وذكر ما ينبغي أن تكون عليه الأسرةُ المسلمة من العفاف والستر، والطهارةِ والنزاهة؛ صيانةً للأسرة وحفاظًا عليها من عوامل التفكُّك والانهيار الخُلقي.


 


وقد ذُكرت في هذه السورة بعضُ الحدود الشرعية؛ كحدِّ الزنا، وحدِّ القذف، وأحكام اللِّعان، وكل هذه الحدود إنما شُرعت تطهيرًا للمجتمع من الفساد والفوضى، والتحلل الخلقي، وحفظًا للأمة من عوامل التردِّي في بُؤرة الإباحية والفجور، والدعارة والمجون؛ التي تسببُ ضياعَ الأنساب وذهاب العِرض والشرف.


 


وقد عالجَت هذه السورةُ ناحيةً من أخطر النواحي؛ هي: "ناحية الأسرة"، وما يحفُّها من مخاطر، وبخاصة في أمر العِرض والشرف، وما يَستتبع ذلك من إشاعةِ الفاحشة بين الناس، واتِّهام البريئين، إلى غير ذلك مما هنالك من علاجٍ للأمراض الاجتماعية، والمفاسدِ الخلقية، التي تكتنِف الأسرةَ والمجتمع، عدا ما فيها من آدابٍ سامية وحِكَم عالية، وإشارات دقيقة، إلى أُسس الحياة الفاضلة وآدابها السامية، وما يجب أن تكون عليه بيوتُ المؤمنين من النزاهة والعفَّة، والاستقامة والطُّهر.


 


قال القرطبي رحمه الله تعالى:


مقصود هذه السورة ذِكر أحكام العفاف والستر، وكتب عمرُ رضي الله عنه إلى أهل الكوفة: "علموا نساءكم سورةَ النور"، وقالت عائشة: "لا تُنزلوا النساءَ الغرفَ، وعلموهنَّ سورة النور".


 


ووجه تسمية سورة النور بهذا الاسم؛ لِما فيها من إشعاعات النور، بتشريع الأحكام والآداب الإسلامية العامة، التي تحافظُ على الأنساب والأعراض، وكل هذا من نور الله الذي نوَّر الكائنات، بإنزال الوحي على الأنبياء والمرسلين، قال تعالى في هذه السورة: ﴿ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ ﴾ [النور: 35]... الآية، فاللهُ جل ثناؤه هو الذي أفاضَ على الوجود من فيض جُوده، وأنار قلوبَ عباده المؤمنين بكتابه المبين؛ الذي هو النور والضياء، ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا ﴾ [النساء: 174][2].


 


﴿ الشَّيْطَان ﴾: النون فيه أصلية، وهو من شَطن؛ أي: تباعد، ومنه: بئر شطون، وشطَنَت الدار، وغربة شطون، وقيل: النون فيه زائدة؛ من شَاط يشيط: احترق غضبًا، فالشيطان مخلوقٌ من النار، كما دلَّ عليه: ﴿ وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ ﴾ [الرحمن: 15]، ولكونه من ذلك اختصَّ بفرط القوةِ الغضبية والحميَّة الذميمة، وامتنع من السجود لآدم.


 


قال أبو عبيدة: الشيطان اسمٌ لكلِّ عارم من الجنِّ والإنس والحيوانات، وقال تعالى: ﴿ شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ ﴾ [الأنعام: 112]، وقال: ﴿ وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ ﴾ [البقرة: 14]؛ أي: أصحابهم من الجن والإنس، وسمِّي كلُّ خُلق ذميم للإنسان شيطانًا[3].


 


﴿ الفَحْشَاء ﴾: الفحشُ والفحشاءُ والفاحشة: ما عَظُم قُبحُه من الأفعال والأقوال؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ ﴾ [الأعراف: 28]، ﴿ وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ ﴾ [النحل: 90]، ﴿ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ ﴾ [الأعراف: 33]، ﴿ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ﴾ [النساء: 19]؛ كناية عن الزنى، وفَحُش فلانٌ: صار فاحشًا، والمتفحِّش: الذي يأتي بالفحش[4].


 


﴿ الْمُنْكَر ﴾: الإنكار ضدُّ العرفان، والمنكر كلُّ فِعل تحكُم العقول الصحيحةُ بقبحه، أو تتوقف في استقباحه واستحسانه العقولُ، فتحكم بقبحه الشريعة، وإلى ذلك قصد بقوله: ﴿ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ ﴾ [التوبة: 112]، ﴿ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ ﴾ [المائدة: 79][5].


 


قال الشيخ أبو بكر الجزائري في تفسير الآية:


أي: يا من صدقتم اللهَ ورسوله صلى الله عليه وسلم، ﴿ لَا تَتَّبِعُوا[6] ﴿ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ﴾؛ فإنه عدوكم، فكيف تمشون وراءَه وتتبعونه فيما يزيِّن لكم من قَبيح المعاصي وسيِّئ الأقوال والأعمال؛ فإن من يتَّبع خطوات الشيطان لا يَلبث أن يُصبحَ شيطانًا، يأمر بالفحشاء والمنكر، ففاصِلوا هذا العدوَّ، واتركوا الجريَ وراءه؛ فإنه لا يأمر بخير قط، فاحذروا وساوسَه، وقاوموا نزغاته بالاستعاذة بالله السميع العليم؛ فإنه لا ينجيكم منه إلا هو سبحانه وتعالى.


 


وقوله: ﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا ﴾، وهذه منَّة أخرى؛ وهي أنه لولا فضل[7] الله على المؤمنين ورحمتُه بحفظهم ودفع الشيطان عنهم ما كان ليطهِّر أحدًا؛ وذلك لضعفِهم واستعدادِهم الفطري للاستجابة لعدوِّهم، فعلى الذين شعروا بكمالهم؛ لأنهم نجَوا مما وقع فيه عُصبةُ الإفك من الإثم - أن يستغفروا لإخوانهم، وأن يقلِّلوا من لومهم وعتابهم؛ فإنه لولا فضله عليهم ورحمتُه بهم لوقعوا فيما وقع فيه إخوانهم، فليحمدوا اللهَ الذي نجاهم، وليتَطامنوا[8] تواضعًا لله وشكرًا له.


 


وقوله: ﴿ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾؛ أي: فمن شاء الله تزكيتَه زكَّاه، وعليه فليلجأ إليه وليطلب التزكيةَ منه، وهو تعالى يزكِّي من كان أهلاً للتزكية، ومَن لا فلا؛ لأنه السميعُ لأقوال عباده، والعليم بأعمالهم ونيَّاتهم وأحوالهم، وهي حال تقتضي التضرُّع إليه والتذلل[9].


 


وفي الآية الكريمة فوائد منها:


1- حرمة اتِّباع الشيطان فيما يزيِّنه من الباطل والسوء، والفحشاء والمنكر.


2- متابعة الشيطان والجري وراءه في كل ما يدعوا إليه يؤدِّي بالعبد أن يصبح شيطانًا؛ يأمر بالفحشاء والمنكر.


3- على مَن حفظهم الله من الوقوع في السوء أن يتَطامنوا ولا يشعروا بالكبر؛ فإن عِصمتهم من الله تعالى لا من أنفسهم[10].


 


وقد حذَّر الله تعالى في آياتٍ كثيرة من اتِّباع هذا الشيطان اللعين، الذي يدعو إلى الكفر وإلى كل مفسدة وضلال وبدعة، ولما كان خطره عظيمًا جاءت الآيات في النهي عن اتِّباعه بكلِّ ما يوسوس به للمؤمنين، وأنه سيتبرَّأ يوم القيامة ممن أطاعه؛ فإن الشيطان يدعو إلى أكل الحرام والخبيث من المآكل والمشارب، والأمر بكل ما هو سيِّئ وفاحش؛ حيث ربط اللهُ هذا باتباع خطوات الشيطان؛ فقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالاً طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 168، 169].


 


وربَط اللهُ عزَّ وجل اتباعَ خطوات الشيطان بعدم اتباع شرائع الإسلام كاملةً؛ إذ كلُّ مَن اتبع خطوات الشيطان يأخذ من الدِّين ما يوافق هواه ويدَعُ ما يخالفه؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ [البقرة: 208].


 


وربط الله عز وجل شُحَّ الناس وبُخلهم في النفقة في سبيل الله، والخوفَ من الفقر إن هم أنفقوا - باتِّباع الشيطان؛ إذ هو الذي يوسوس لهم بأنهم إن أنفقوا فسوف يفتقرون وينتقص مالهم، وغير ذلك مما يوسوس به لمن أراد أن يتصدَّق؛ فقال تعالى: ﴿ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً ﴾ [البقرة: 268].


 


وربط الله عز وجل الرياءَ في الإنفاق وحُبَّ السمعة باتباع الشيطان ونزغاته؛ حيث إنه يكون كالقرين والصاحب لهذا المرائي، فقال سبحانه: ﴿ وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا ﴾ [النساء: 38].


 


وربط الله تعالى الإيمانَ بالجِبت والطاغوت والتحاكم له دون شرع الله باتِّباع الشيطان؛ إذ أمرهم الله بالكفر بكل ما لم يشرعه الله من القوانين الطاغوتية التي تدعو إلى الانحراف والشِّرك بالله وتعطيل الحدود، وإشاعة الفواحش بين المؤمنين؛ فقال تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالاً بَعِيدًا ﴾ [النساء: 60].


 


وحذر الله عز وجل من إغواء الشيطان لبني آدم، مذكِّرًا إياهم بما صنَع مع أبوَيهما؛ من إخراجهما من الجنة، بعد نَزعِه لباسَهما عنهما، فانكشفت سوءاتُهما، الأمر الذي سبَّب إخراجَهما من دار السلام منبهًا على خطورة هذا العدو وجنوده؛ فقال تعالى: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف: 27].


 


وقد أخبر اللهُ عز وجل أن هذا العدوَّ اللعين الذي يجاهد أعظمَ مجاهدة ليُشرَك بالله عز وجل، ويوسوس بالمعاصي - أنه سيتبرَّأ يوم القيامة من أتباعه، ويجلس على منبرٍ من نار، ويخطب خطبة تدلُّ على نذالته وحقده الدفين للمؤمنين، ويخبرهم أنه لم يكن له عليهم سلطانٌ إلا أنه كان يوسوس لهم فقط في آذانهم، ويزين لهم المعصيةَ والباطل، ولا يستطيع دفع العذاب عن نفسه ولا عن أتباعه حينئذ؛ فقال تعالى: ﴿ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [إبراهيم: 22].


 


ويبين الله عز وجل أن كل من يجادل في الله بغير علم فيَنسبون له الولدَ والصاحبة، ويزعمون أنه ما أرسل رسولاً، وأنه لا يُحيي الموتَى بعد فناء الأجسام، وجهلوا بجلال الله وكمالِه، وبشرائعه وأحكامِه وسننه في خَلقه - كلُّ ذلك كان بسبب اتِّباع كل شيطان متجرد من الحق، ويهديه إلى عذاب السعير في النار؛ فقال تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ * كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ ﴾ [الحج: 3، 4].


 


ويبين الله عز وجل أن اتباع الشياطين سببٌ في الصدِّ عن ذكر الله تعالى والقرآنِ الكريم، الذي جعله الله هدايةً للناس، وبعدما يفعل الإنسان ذلك يتخلى عنه الشيطان ويخذله؛ فقال تعالى: ﴿ لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً ﴾ [الفرقان: 29].


 


وقد أمر اللهُ سبحانه صراحةً في القرآن الكريم باتخاذ الشيطان عدوًّا، وأوجب محاربتَه؛ فقال سبحانه: ﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾ [فاطر: 6]، وقال سبحانه: ﴿ أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ [يس: 60].


 


وكذلك يستحوذ الشيطان على العبد الغافل العاصي، يُنسيه ذِكرَ الله وأوامِرَه؛ فقال سبحانه: ﴿ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [المجادلة: 19]، وقال تعالى: ﴿ كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الحشر: 16].


 


كما أنه لا يجوز أن يزكِّيَ الإنسانُ نفسه؛ لأن تزكية النفس تؤدي إلى العُجب، والله وحده هو الذي يزكِّي؛ لأنه وحده أعلم بما في قلوب العباد التي محلها التقوى، وقد وبَّخ الله هذا الموقف الذي ادَّعاه صاحب الجنة في قصة سورة الكهف حينما قال: ﴿ وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا ﴾ [الكهف: 36]، فزكَّى نفسَه وظنَّ أنه عندما يلقى اللهَ سوف يجد خيرَ منقلَب.


 


وكما أخبر تعالى عن موقف العاص بن وائل، في موقفه مع خبَّاب بن الأرتِّ رضي الله عنه؛ فقال تعالى: ﴿ أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا * أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا ﴾ [مريم: 77، 78]؛ أي: كذب العاص بن وائل السَّهمي، أبو عَمرِو بن العاص، وقال لخباب: ﴿ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا ﴾؛ أي: يوم القيامة حينما طالبه خبَّابُ بن الأرت بدَين له عليه، فأبى العاص أن يعطيَه استصغارًا له؛ لأنه حداد، وقال: لا أعطيكه حتى تَكفُرَ بمحمد، فقال له خباب: "والله ما أكفرُ بمحمد حتى تموتَ، ثم تُبعث"، فقال له العاص: إذا أنا متُّ ثم بعثتُ كما تقول ثم جئتني ولي مال وولد، قضيتُك دينَك فكذبه الله، وردَّ عليه بقوله سبحانه: ﴿ أَطَّلَعَ الْغَيْبَ ﴾ فعرَفَ أنَّ له يوم القيامة مالاً وولدًا، ﴿ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا ﴾ بذلك بأن سنعطيه مالاً وولدًا يوم القيامة، ﴿ كَلاَّ ﴾: لم يطَّلع على الغيب، ولم يكن له عند الرحمن عهدٌ.


 


ويبين الله عز وجل سَعة مغفرته لمن يَجتنب كبائر الإثم والفواحش، ويبين أنه سبحانه هو الذي خَلق الخلق وأنشأهم من الأرض، ثم بمراحل خلقِهم، فهو عليمٌ بهم قبل خَلقهم وما في قلوبهم، ونهاهم أن يزكُّوا أنفسَهم؛ فقال سبحانه: ﴿ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى ﴾ [النجم: 32].


 


فصل في مداخل الشيطان إلى القلب:


اعلم أن مثال القلب مثال الحِصن، والشيطان يريد أن يدخل الحصنَ فيملكه ويستولي عليه، ولا يقدر على حفظ الحصن من العدوِّ إلا بحراسةِ أبواب الحصن ومداخله ومواضع ثُلَمِه، ولا يَقدر على حراسة أبوابه مَن لا يَدري أبوابَه، فحماية القلب من وساوس الشيطان واجبٌ، ولا يتوصل إلى دفع الشيطان إلا بمعرفة مداخلِه، فصارت معرفةُ مداخله واجبةً، ومداخلُ الشيطان وأبوابه صفاتُ العبد، وهي كثيرة؛ فمن أبوابه العظيمة:


1- الغضب والشهوة: فإن الغضبَ هو غُول العقل، وإذا ضعف جندُ العقل هجم جند الشيطان.


 


2- الحسد والحرص: فمهما كان العبد حريصًا أعماه حِرصه وأصمَّه، ونورُ البصيرة هو الذي يعرف مدخلَ الشيطان، فإذا غطَّاه الحسد والحرص لم يُبصر؛ فحينئذٍ يجد الشيطانُ فرصة؛ فيُحسِّن عند الحريص كلَّ ما يوصله إلى شهوته وإن كان منكرًا فاحشًا، وأما الحرص فقد قال صلى الله عليه وسلم: ((ما ذِئبان جائعان أُرسلا في غنَم بأفسدَ لها، مِن حِرص المرء على المال والشرف لدينه))[11].


 


3- الشِّبَع من الطعام: وإن كان حَلالاً؛ فإن الشِّبَع يُقوِّي الشهوات، والشهوات أسلحة الشيطان.


 


4- العجَلَة، وترك التثبت في الأمور: قال صلى الله عليه وسلم: ((العجَلة من الشيطان، والتأنِّي من الله تعالى))[12].


 


5- سوء الظن بالمسلمين: قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ﴾ [الحجرات: 12]، والمؤمن يطلب المعَاذير، والمنافق يطلب العيوبَ.


 


فإن قلتَ: فما العلاج في دفع الشيطان؟ وهل يكفي في ذلك ذكرُ الله تعالى، وقولُ الإنسان: "لا حول ولا قوة إلا بالله"؟


 


فاعلم أن علاج القلبِ في ذلك سدُّ هذه المداخل؛ بتطهير القلب من هذه الصفات المذمومة.


 


قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((في القلب لَمَّتان؛ لَمَّة من الملَك: إيعادٌ بالخير وتصديق بالحق، فمَن وجد ذلك، فلْيَعلم أنه من الله سُبحانه وليحمد الله، ولَمَّة من العدوِّ: إيعادٌ بالشر وتكذيب بالحق ونهيٌ عن الخير، فمن وجد ذلك فليستعِذ بالله من الشيطان الرجيم))[13]، ثم تلا قولَه تعالى: ﴿ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ ﴾ [البقرة: 268][14]، قال الحسن: "إنما هما هَمَّان يجولان في القلب: همٌّ من الله تعالى، وهمٌّ من العدوِّ، فرحِم اللهُ عبدًا وقَف عند همِّه فما كان من الله تعالى أمضاه، وما كان من عدوِّه جاهده".


 


والقلبُ بأصلِ فطرتِه صالحٌ لقَبول آثارِ الملَك، ولقبول آثار الشيطان - صلاحًا متساويًا، ليس يترجَّح أحدُهما على الآخر، وإنما يترجح أحدُ الجانبين باتِّباع الهوى والانكباب على الشهوات، أو الإعراض عنها ومخالفتها، فإنِ اتَّبع الإنسانُ مقتَضى الغضب والشهوة ظهرَ تسلُّط الشيطان بواسطة الهوى، وصار القلبُ عُشَّ الشيطان ومَرتعَه، وإن جاهد الشهوات ولم يُسلِّطها على نفسه وتشبَّه بأخلاق الملائكة عليهم السلام، صار قلبُه مُستقَرَّ الملائكة ومَهبِطَهم[15].


 


[1] ﴿ خُطُوَاتِ ﴾: قرأها ورشٌ عن نافع، وغيرُه بإسكان الطاء (خُطْوات)؛ (البدور الزاهرة ص 220).


[2] روائع البيان محمد علي الصابوني؛ ج 2 ص 5، 6.


[3] المفردات في غريب القرآن؛ الراغب الأصفهاني ص 264.


[4] المفردات في غريب القرآن؛ الراغب الأصفهاني ص 376.


[5] نفس المصدر السابق ص 507.


[6] في الآية إشارةٌ أفصح من عبارة؛ وهي: أن الظنون السيئة وحبَّ الفاحشة وحب إشاعتها بين المؤمنين - كل هذا من وساوس الشيطان وتزيينه للناس للفتنة والإفساد.


[7] لولا هنا: حرف امتناع لوجود؛ امتنَع عدمُ التزكية لوجود فضل الله تعالى ورحمته، والجملة سيقت للامتنان على المؤمنين؛ ليشكروا.


[8] تطَأمن: سكن أو انخفض ويقال: تطامن؛ (المعجم الوجيز).


[9] أيسر التفاسير؛ الجزائري ج1 ص 996.


[10] "أيسر التفاسير"؛ الجزائري.


[11] رواه الترمذي والدارمي وأحمد والنسائي رحمهم الله تعالى، وصححه الألباني.


[12] رواه الترمذي رحمه الله تعالى وحسنه الألباني في الصحيحة.


[13] رواه الترمذي وحسنه والنسائي في الكبرى.


[14] انظر: تفسير ابن كثير رحمه الله تعالى في هذه الآية.


[15] البحر الرائق؛ الشيخ د/ أحمد فريد.


 


شبكة الالوكة

The following user says thank you to ahmeddodo for this useful post:

Post: #2
13-04-2016 17:38
aboalftooh


Joined: 27-02-2015
Posts: 3,758
Country: Egypt
Male aboalftooh is Offline now
تفسير: (يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان)
بارك الله فيك



Bookmarks
Digg del.icio.us StumbleUpon Google

Quick Reply
Decrease Size
Increase Size
Insert bold text Insert italic text Insert underlined text Align text to the left Align text to the centerr Align text to the right Justify text Insert quoted text Code Insert formatted PHP code Insert formatted SQL code
Colors
Insert hyperlink Insert image Insert email address
Smilies
Insert hidden text



Forum Jump: