الترادف في القرآن الكريم
سعيد مصطفى دياب
مما ينبغي على المسلم معرفته أنه ليس في كلام اللهِ تعالى تَرَادُفٌ، على الصحيح من أقوال العلماءِ، ولا تغني كلمةٌ عن كلمةٍ فيه، فلو جَمَعْتَ كلَ المترادفاتِ على أن تَأتِي بكلمةٍ تظنُ أنها أصلحُ من كلمةٍ في كتابِ الله تعالى فلن تجد إلى ذلك سبيلًا، بل ذلك محالٌ، ولا يمكن بحالٍ من الأحوالِ، وذلك لأنه ليس أي كلام بل هو كلام الملك العلام سبحانه وتعالى، قَالَ عَنْهُ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ﴾.[1]
أُحْكِمَتْ أَلْفَاظُهُ، وَفُصِّلَتْ مَعَانِيهِ، فَكُلُّ لَفْظِةٍ مِنْ أَلْفَاظِهِ، وَكُلُّ مَعْنًى من مَعَانِيهِ في أعلى درجاتِ الفصَاحةِ، وأرفعِ مقاماتِ البلاغةِ، لَا يُجَارَى وَلَا يُدَانَى.
يحوي اللفظُ اليسيرُ الكمَ الهائلَ من المعاني، واقرأ قولَ اللهِ تَعَالَى: ﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾.[2]
ففي هذه الآية أمرانٍ، ﴿ أَرْضِعِيهِ ﴾، و﴿ أَلْقِيهِ ﴾، ونهيانٍ، ﴿ لا تَخَافِي ﴾ وَ ﴿ لا تَحْزَنِي ﴾، وخبرانٍ، ﴿ أَوْحَيْنَا ﴾، وَ﴿ خِفْتِ ﴾، وبشارتانٍ، ﴿ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ ﴾، وَ﴿ جَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: الترادف في اللغة قليل، وأما في ألفاظ القرآن فإما نادر وإما معدوم، وقَلَّ أن يعبر عن لفظ واحد بلفظ واحد يؤدي جميع معناه، بل يكون فيه تقريب لمعناه، وهذا من أسباب إعجاز القرآن. فإذا قال القائل: ﴿ يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاء مَوْرًا ﴾.[3]
إن المور هو الحركة كان تقريبًا؛ إذ المور حركة خفيفة سريعة.
وكذلك إذا قال: الوحي: الإعلام، أو قيل: ﴿ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ﴾.[4]
أنزلنا إليك، أو قيل: ﴿ وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾.[5]
أي: أعلمنا، وأمثال ذلك، فهذا كله تقريب لا تحقيق؛ فإن الوحي هو إعلام سريع خفي، والقضاء إليهم أخص من الإعلام؛ فإن فيه إنزالا إليهم وإيحاء إليهم.[6]
وقال الزركشي رحمه الله: فَعَلَى المفسر مراعاة الِاسْتِعْمَالَاتِ وَالْقَطْعُ بِعَدَمِ التَّرَادُفِ مَا أَمْكَنَ فَإِنَّ لِلتَّرْكِيبِ مَعْنًى غَيْرَ مَعْنَى الْإِفْرَادِ وَلِهَذَا مَنَعَ كَثِيرٌ مِنَ الْأُصُولِيِّينَ وُقُوعَ أَحَدِ الْمُتَرَادِفَيْنِ مَوْقِعَ الْآخَرِ فِي التَّرْكِيبِ وَإِنِ اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِهِ فِي الْإِفْرَادِ.
[1] سورة هُودٍ: الآية/ 1.
[2] سورة الْقَصَصِ: الآية/ 7.
[3] سورة الطور: الآية/ 9.
[4] سورة النساء: الآية 163.
[5] سورة الإسراء: الآية 4.
[6] مقدمة في أصول التفسير لابن تيمية (ص 17، 18).
شبكة الألوكة