بسم الله الرحمن الرحيم إن العروة الوثقى في دين الله هي ((لا إله إلا الله)) التي جاءت مشتملة على الدين كله، وعلى التوحيد كله، وهي أعظم كلمة، ذكرت في أعظم آية، فيها أعظم اسم، فهي الكلمة التي من أجلها خلق الله السموات والأرض، ومن أجلها خلق الله الملائكة والإنس والجان، ومن أجلها بعث الله الرسل وأنزل الكتب، ومن أجلها تتزلزل الأرض وتسير الجبال، وتنشق السماء وتنفطر وتتطاير النجوم وتنكدر، ويحشر العباد وتتطاير الصحف، وتوضع الموازين، وينصب الصراط، ومن أجلها خلقت الجنة والنار، واختصم فيها الناس إلى متقين وفجار، فمثوى المؤمنين بها جنات عند ربهم، ومثوى الكافرين النار، لذا كان أول واجب على العباد أن يعلموها حق العلم وأن يعملوا بمقتضاها ،،،
• فضل (لا إله إلا الله): قال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ [سورة الأنبياء: 25] ،،، وفي الصحيحين عن عتبان بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله". وعن أبي موسي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أبشروا وبشروا من ورائكم أنه من شهد ألا إله إلا الله صادقا بها دخل الجنة". وعن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أفضل الكلام لا إله إلا الله وأفضل الدعاء الحمد لله" ،،،
• معنى لا إله إلا الله: هي نفي وإثبات يفسره قول الله تعالى: ﴿ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا ﴾ [البقرة 256]، هي نفي للإلهية عما سوى الله عز وجل وإثباتها لله وحده، وحتى نفهمها لا بد لنا أن نعلم أولًا معنى الإلهية لغة وشرعا؛
• معنى الإله "أو الإلهة في اللغة جاءت على خمسة معاني: 1) الإله: الخالق. 2) المجير. 3) العلي المتعالي. 4) المعية الدائمة. 5) الإله المعبود. ومن تدبر تلك المعاني وجد أن الخلق والملازمة والمعية الدائمة والإجارة والعلو من ألزم صفات الإلهية والعبودية هي الحق الذي تستلزمه تلك الصفات. وهذا هو معنى "الإله" الذي جاء به الشرع، إذ هو "المعبود لصفاته العلية". أو هو "الموصوف بالصفات العلية التي يستحق عليها العبودية ". أو هو " الموصوف بصفات الجلال والكمال التي يستحق عليها العبودية والإجلال". فمن لوازم معنى الإله أن نعلم أنه هو الخالق وهي صفة من صفاته تستلزم أن نسلم له أنفسنا وننقاد إليه، وكذلك أن الرزاق صفة من صفاته تستلزم من العباد أن يطلبوا منه الرزق وأن يشكروه على ذلك، وكذلك أنه هو السميع البصير العليم الذي أحاط بكل شيء سمعا وبصرا وعلما؛ بما يستلزم من عباده المراقبة؛ وكذلك أنه هو القاهر بما يستلزم من عباده الخشية، وهكذا يكون الإله هو "الموصوف بالصفات الإلهية العلية التي يستحق عليها العبودية".
فيكون تفسير كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) على شقين متكاملين لا غنى بأحدهما عن الآخر وهما: 1) ليس موصوفًا بالصفات العلية التي يستحق عليها العبودية إلا الله. 2) لا معبود بحق إلا الله؛ لأنه هو وحده الموصوف بالصفات العلية التي يستحق عليها العبودية. وبذلك فإن كلمة التوحيد هي (انفراد الله بالصفات الإلهية التي تستلزم إفراده بالعبودية) أو (إفراد الله بالعبودية لانفراده وحده بالصفات العلية). وهذا هو المعنى الذي جاء به القرآن من أوله لآخره، قال تعالى في أول كتابه: ﴿ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ وهي كلها إفراد بالصفات ثم تتبع بإفراد في العبودية ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾، وقال تعالى: ﴿ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴾ [سورة الأنعام: 102]، انفراد بالصفات يستوجب الإفراد بالعبودية، وقال تعالى: ﴿ هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّين ﴾ [غافر: 65]. وقال تعالى: ﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى..... ﴾ أمر بالعبودية وهي التسبيح لصاحب الصفات التي تستجوبها. وذلك إلى آخر القرآن في آخر سورتين، الفلق والناس، فإنهما تقديم لأعظم العبادة وهي الاستعاذة بصاحب الصفات التي بها يعيذ عباده حين يلجئون إليه ويعتصمون به قال تعالى: ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ ﴾، وقال تعالى: ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ ﴾ وحينما عاين فرعون عظمة القدرة الربانية المطلقة قال: ﴿ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ ﴾ فأيقن أنه لا يستحق العبادة والتأليه إلا صاحب تلك الصفات. وذلك حين لا ينفع الإيمان.
ويكون ذلك مقتضيًا من العباد أمرين: أولًا:- نفي صفات الإلهية عما سوى الله تعالى وإثباتها لله وحده، وهو ما يطلق عليه علماء السنة توحيد الأسماء والصفات (والمشتمل على توحيد الربوبية). ثانيًا:- عدم العبودية لغير الله تعالى وهو ما يسمى بتوحيد العبادة. المصدر: موقع الألوكة