د. بدر عبد الحميد هميسه
بسم الله الرحمن الرحيم
هناك أسئلة مهمة على المسلم أن يسألهما لنفسه وهو يستعد لاستقبال شهر رمضان , شهر البر والإيمان , شهر الخير والإحسان , شهر الصفح والغفران.فالسؤال الأول هو : كيف أستعد استعدادا حقيقيا لاستقبال شهر رمضان ؟ .لكي يستعد المسلم لاستقبال شهر رمضان فإن عليه أن يعلم أن شهر رمضان يحتاج منه إلى استقبال خاص ,فعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعوا ببلوغه رمضان. فإذا دخل شهر رجب قال: \"اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان\". وقال معلى بن الفضل : كانوا (السلف) يدعون الله تعالى ستة أشهر أن يُبلغهم رمضان, ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبل منهم.وقال يحيى بن أبي كثير : كان من دعائهم : اللهم سَلِمني إلى رمضان, وسلم لي رمضان, وتَسَلمه مني متقبلاً.
وهذا الاستقبال الخاص يتضمن من المسلم عدة أمور منها :
1- التوبة والإنابة من جميع الذنوب:فالتوبة تتجدد في رمضان حتى يتعرض المؤمن لنفحات الله ورحماته , قال تعالى : \" فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (61) سورة هود ,وقال : \" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّوَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (8) سورة التحريم .عَنْ أَبِي مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال: \" إِنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النهارِ، وًيبْسُطُ يَدَهُ بِالنهارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِحَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا\" .أخرجه أحمد 4/395 ومسلم 8/99 .وعَنِ ابْنِ عُمَرَ , قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:تُوبُوا إِلَى رَبِّكُمْ , فَإِنِّى أَتُوبُ إِلَيْهِ في الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ.أخرجه النسائي فيعمل اليوم والليلة (447). قال الشاعر :فَتُب لله حقاً ثُمَّ أقبِل * * * بُعيد التّوب والدّمع المسالِستلقى الله توّاباً رحيماً * * * مجيباً للدعاءِ وللسؤالِفيا ربّي أنَبْتُ إليك طَوعاً * * * تقبّل تَوبتي وألطف بحالي
2- التحلل من جميع المظالم :على المسلم وهو يستقبل شهر رمضان أن يستقبله ويستعد له بالتحلل من جميع الظالم سواء كانت في حق الله أم في حق العباد ,فالمظالم التي في حق الله تحتاج إلى أن يرد تلك المظالم إلى أصحابها وأن يطلب منهم المسامحة والصفح , فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ،عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ:مَنْ كَانََتْ عِنْدَهُ مَظْلَمَةٌ مِنْ أَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ مَالِهِ فَلْيَتَحَلَّلْهُ الْيَوْمَ ، قَبْلَ أَنْ يُؤْخَذَ حِينَ لاَ يَكُونُدِينَارٌ وَلاَ دِرْهَمٌ ، وَإِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَجُعَلَتْ عَلَيْهِ.- وفي رواية : رَحِمَ اللهُ عَبْدًا كَانَتْ لأَخِيهِ عِنْدَهُ مَظْلَمَةٌ فِي عِرْضٍ أَوْ مَالٍ ، فَجَاءَهُ فَاسْتَحَلَّهُ قَبْلَ أَنْ يُؤْخَذَ وَلَيْسَ ثَمَّ دِينَارٌ وَلاَ دِرْهَمٌ ،فَإِنْ كَانَتْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ حَسَنَاتِهِ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ حَمَّلُوا عَلَيْهِ مِنْ سَيِّئَاتِهِمْ. أخرجه أحمد 2/435(9613) . قال الشاعر :إلهي لا تعذبني فإني * * * مقر بالذي قد كان منىفكم من زلة لي في البرايا * * * وأنت علي ذو فضل ومنِّيظن الناس بي خيراً وإني * * * لشر الناس إن لم تعفو عني
3- تصفية القلب من علائق الدنيا:وفي استقبال رمضان يصفي المسلم قلبه من علائق الدنيا ويقبل على عبادة الله تعالى بحب وإخبات حتى يشرح الله صدره للإسلام والإيمان ,قال تعالى : : أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} (22) سورة الزمر .ومن تصفية القلب الصدق مع النفس ومع النفس ومع الناس وحب الخير للجميع , والبعد عن أمراض القلوب من غل وحقدوحسد وكبر وغيبة ونميمة وغش وغيرها , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما ، قَالَ : قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: كُلّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ، صَدُوقِ اللِّسَانِ . قَالُوا: صَدُوقُ اللِّسَانِ ، نَعْرِفُهُ. فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ ؟ قَالَ: هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ.لاَ إِثْمَ فِيهِ وَلاَ بَغْيَ وَلاَ غِلَّ وَلاَ حَسَدَ رواه ابن ماجه (4307) . قال الشاعر :أنا إن بكيت فلن ألام على البكا * * * فلطالما استغرقت في العصيان ِيا رب إن لم ترضى إلا ذا تُقى * * * من للمسيء المذنب الحيرانِ
4- الحرص على مجاهدة النفس في العبادة:وكذا في استقبال رمضان يستعد المسلم لمجاهدة نفسه من الشيطان والهوى والشهوات والشبهات , ويقبل بجد واجتهاد وإخلاص وإتقانعلى الصوم والصلاة وقيام الليل والصدقة ,وليعلم أن عزه وشرفه في تلك المجاهدة, فعن سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :\" أتاني جبريل ، فقال : يا محمد عش ما شئت فإنك ميت وأحبب من شئت ، فإنك مفارقه و اعمل ما شئت فإنك مجزي به ،و اعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل و عزه استغناؤه عن الناس \" .أخرجه الطبراني في \" الأوسط \" ( 1 / 61 / 2 )الألباني في \"السلسلة الصحيحة\" 2 / 505. قال الشاعر :رمضانُ أقبل قم بنا يا صاح *** هذا أوان تبتل وصـــلاحواغنم ثواب صيامه وقيامه *** تسعد بخير دائم وفلاح