قال الامام العلامة ابن القيم في كتابه القيم
الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي
ص 61-63
وللمعاصي من الآثار القبيحة المذمومة المضرة بالقلب والبدن في الدنيا والآخرة ما لا يعلمه إلا الله
فمنها: حرمان العلم فإن العلم نور يقذفه الله في القلب والمعصية تطفىء ذلك النور
ولما جلس الإمام الشافعي بين يدي مالك وقرأ عليه أعجبه ما رأى من وفور فطنته وتوقد ذكائه وكمال فهمه فقال:
إني أرى الله قد ألقى على قلبك نورا فلا تطفئه بظلمة المعصية
وقال الشافعي رحمه الله:شكوت إلى وكيع سوء حفظي*** فأرشدني إلى ترك المعاصيوقال اعلم بأن العلم فضل *** وفضل الله لايؤتيه عاصي
ومنها: حرمان الرزق وفي المسند "إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه"وقد تقدم وكما أن تقوى الله مجلبة للرزق فترك التقوى مجلبة للفقر فما استجلب رزقبمثل ترك المعاصي
ومنها: وحشة يجدها العاصي في قلبه بينه وبين الله لايوازنها ولايقارنها لذة أصلا ولو اجتمعت له لذات الدنيا بأسرها لم تف بتلك
الوحشة وهذا أمر لا يحس به إلا من في قلبه حياة وما لجرح بميت إيلام فلو لم تترك الذنوب إلا حذرا من وقوع تلك الوحشة لكان
العاقل حريا بتركها
وشكا رجل إلى بعض العارفين وحشة يجدها في نفسه فقال له:إذا كنت قد أوحشتك الذنوب*** فدعها إذا شئت واستأنس
وليس على القلب أمر من وحشة الذنب على الذنب فالله المستعان
ومنها: الوحشة التي تحصل له بينه وبين الناس ولاسيما أهل الخير
منهم فإنه يجد وحشة بينه وبينهم وكلما قويت تلك الوحشة بَعُد منهم ومن مجالستهم وحرم بركة الانتفاع بهم وقرب من حزب
الشيطان بقدر ما بعد من حزب الرحمن وتقوى هذه الوحشة حتى تستحكم فتقع بينه وبين امرأته وولده وأقاربه وبينه وبين نفسه
فتراه مستوحشا من نفسه
وقال بعض السلف إني لأعصي الله فأرى ذلك في خلق دابتي وامرأتي
ومنها: تعسير أموره عليه فلا يتوجه لأمر إلا يجده مغلقا دونه أو متعسرا عليه وهذا كما أن من اتقى الله جعل له من أمره يسرا فمن
عطل التقوى جعل الله له من أمره عسرا ويالله العجب ! كيف يجد العبد أبواب الخير والمصالح مسدودة عنه متعسرة عليه وهو لايعلم
من أين أتى؟
ومنها: ظلمة يجدها في قلبه حقيقة يحس بها كما يحس بظلمة الليل البهيم الدلهَمّ فتصير ظلمة المعصية لقلبه كالظلمة الحسية
لبصره فإن الطاعة نور والمعصية ظلمة وكلما قويت الظلمة ازدادت حيرته حتى يقع في البدع والضلالات والأمور المهلكة وهو لا يشعر
كأعمى خرج في ظلمة الليل يمشي وحده وتقوى هذه الظلمة حتى تظهر في العين ثم تقوى حتى تعلو الوجه وتصير سوادا فيه حتى
يراه كل أحد
قال عبد الله بن عباس: " إن للحسنة ضياء في الوجه ونورا في القلب وسعة في الرزق وقوة في البدن ومحبة في قلوب الخلق وإن
للسيئة سوادا في الوجه وظلمة في القلب ووهنا في البدن ونقصا في الرزق وبغضة في قلوب الخلق"
ومنها:أن المعاصي توهن القلب والبدن أما وهنها للقلب فأمر ظاهر بل لاتزال توهنه حتى تزيل حياته بالكلية
وأما وهنها للبدن فإن المؤمن قوته في قلبه وكلما قوى قلبه قوى بدنه وأما الفاجر فإنه وإن كان قوى البدن فهو أضعف شيء عند
الحاجة فتخونه قوته عند أحوج ما يكون إلى نفسه وتأمل قوة أبدان فارس والروم كيف خانتهم عند أحوج ما كانوا إليها وقهرهم أهل
الإيمان بقوة أبدانهم وقلوبهم؟
ومنها: حرمان الطاعة فلو لم يكن للذنب عقوبة إلا أن يصد عن طاعة تكون بدله وتقطع طريق طاعة أخرى فينقطع عليه طريق
ثالثة ثم رابعة وهلم جرا فينقطع عليه بالذنب طاعات كثيرة كل واحدة منها خير له من الدنيا وما عليها وهذا كرجل أكل أكلة أوجبت
له مرضة طويلة منعته من عدة أكلات أطيب منها والله المستعان
ومنها: أن المعاصي تقصر العمر وتمحق بركته ولابد فإن البر كما
يزيد في العمر فالفجور يقصر العمر
وقد اختلف الناس في هذا الموضع
فقالت طائفة: نقصان عمر العاصي هو ذهاب بركة عمره ومحقها عليه
وهذا حق وهو بعض تأثير المعاصي
المصدر:
كتاب الجواب الكافي لمن سأل عن الجواب الشافي
تأليف الامام محمد بن ابي بكر ابن قيم الجوزية