كتب رامى عبدالرازق ٢/ ١٢/ ٢٠٠٩
ترى هل يكرر الواقع المصرى نفسه للدرجة التى لم تعد هناك أفكار جديدة يستخلصها السينمائيون من معايشتهم له؟ أم أن صناع السينما لا ينجذبون فى واقعنا سوى لأفكار محددة ربما نتيجة ما تحدثه من تأثير ميلودرامى مباشر!
فى «عزبة آدم» نحن أمام محاولة لمحاكاة الواقع من خلال أسلوب كلاسيكى جدا فى الدراما هو الترميز المباشر أو النمذجة.. أى تحويل عزبة آدم إلى نموذج مصغر للواقع المصرى أو البلد وتتحول شخصية ضابط المباحث الفاسد إلى رمز للسلطة المريضة التى تملك مفهوماً غير سوى عن الواجب ويتحول «عم رجب» الصياد إلى رمز للطبقة الأصيلة الشريفة التى تكافح من أجل الحق لكن يدهسها تعاون رأس المال الخسيس مع السلطة «غير الشريفة» ويتحول شباب العزبة حامد وخليل ومصطفى إلى نماذج لشباب البلد الحائر، الضائع فى محاولة الحصول على الرزق بالطرق التى يتيحها لهم واقع بلدهم أو كما يقول حامد لمصطفى لكى يقنعه بالسرقة من أغنياء العزبة الفاسدين: (لو كان الرزق بيجيلنا يا مصطفى ماكناش رحنا له) يقول ذلك سواء كان هذا الرزق مالاً أو نساء.. وتتحول مريم إلى نموذج للفتاة التى تبيع جسدها لكى «تصرف» على ابيها المريض وأخواتها الصغار..
وبالطبع يجب أن تحب مصطفى ابن عم رجب.. الشاب المتعلم الذى يكافح من أجل الحصول على الثانوية العامة كطوق للنجاة من واقع العزبة المتخلف.. ولكى يكتمل المثلث الميلودرامى يحبها أو يشتهيها حامد صديقه.. لكنه لا يتمكن من الحصول عليها لأنها كعادة كل العاهرات الشرفاء فى افلامنا يمكن أن تعطى نفسها لاى عابر سبيل إلا هو، حتى لو كان (آخر دكر فى العزبة).. ومثل كل العزب أو القرى المصرية منذ فجر التاريخ السينمائى يجب أن يكون هناك رأس أفعى قديم.. تاجر مخدرات ومهرب سلاح يجلس فى فيللته أو قصره تحوطه حراسه مشددة..
ومنذ فيلم «سمارة» ونحن نعلم أن هناك رجلاً آخر أكبر منه وأكثر قوة ونفوذا ذلك الذى يظهر فى المشهد الشهير كبرنس يمسك كأس الخمر على مائدة قمار، تحيطه فتيات صغيرات تهمس إحداهن دائما بما لا نسمع، لكى يكشف هو ورقه فى نهاية المشهد فائزا.. على اعتبار أن المتفرج المصرى خبير فى البوكر ويفهم جيدا معنى الأوراق التى مع الرجل الكبير (والوصف السابق تحديدا منقول عن الفيلم بالكادر).
وإذا اجتمعت كل هذه العناصر فلا مانع من وجود الجماعات الإسلامية العميلة التى ينضم إليها مصطفى فى لحظة تجلٍ روحانية بعد اتهامه بالطبع بجريمة قتل لم يرتكبها.. ثم اكتشافه أنهم يتقاضون دولارات من الخارج لكى يزيدوا البلد فسادا على فسادها.. فيخرج من مستنقعهم ليقع فى مستنقع توظيف الاموال!
بينما يكون حامد قد تواطأ مع ضابط المباحث الفاسد والرجل الكبير لكى يصبح هو رأس الحية الجديد فى العزبة.. وينتهى الفيلم بموت الجميع حامد ومصطفى والضابط.. والجمهور!
حاول محمود سليمان من خلال تجريد موقع العزبة وحيادية اللغة أن يفتح أفق السيناريو للأسقاط أكثر على الواقع.. لكن العمق الحقيقى لأى نص ليس فى هذه التفاصيل الشكلية.. بل فى الطرح المغاير أو الرؤية الجديدة للأفكار القديمة أو فى إعادة اكتشاف الواقع من وجهة نظر طازجة.. وهى كلها عناصر جودة افتقدها السيناريو ولم تفلح مسألة دلالات الأسماء فى تعميق أى من مناطق النص (لو كان هناك قصد من ورائها) فالعاهرة الشريفة اسمها مريم رغم أنها لا تمت فى ظاهرها لهذه المريمة.. أو لأن الواقع انتهك مريميتها تلك.. وهى تفتقد للفرج فى حياتها طوال الوقت.. فابوها فرج مات من المرض وابنها فرج مات من المخدرات التى يتاجر فيها زوجها.
أما اسطورة نشأة العزبة فهى عنصر درامى مشوش وساذج خاصة مع تكرار جملة (مش مهم الحكاية.. المهم معناها) والحكاية مقصود بها حكاية نشأة العزبة.. فالرمز كما قلنا لا يمكن أن يكتسب معناه إلا عندما يتطابق مع الواقع.. وقد تطابق رمز الحكاية مع الواقع شكليا ولم يتطابق مضمونا أو عمقا، وبالتالى صار حملا على تأويل النص الذى لا يحتمل كل هذا التفخيم الرمزى.
إن اهم نقد يمكن أن يوجه لهذا الفيلم هو أن نحكى أحداثه.. ولو جردنا اسماء الشخصيات وحجبنا عنوان الفيلم لما استطعنا التعرف على ملامح مميزة له.. بل قد يختلط علينا باسماء عشرات الأفلام الأخرى.. وقد انعكس ذلك بشكل كبير على الواقع البصرى والإخراجى للسيناريو.. فرغم تطور محمود كامل الجزئى فى تشكيل الكادر وصياغة بعض الجمل البصرية الجيدة..
إلا أنه لم يتمكن من مقاومة المشهد الشهير للفتاة التى تجرى خلف البوكس الذى يحمل حبيبها للسجن.. ثم تقع بعد خطوتين وهى تنادى باسمه فى هيستريا.. ولم يحاول صياغة شكل جديد للجملة البصرية التى يقف فيها البطل والبطلة وبينهما قضبان حديد سواء كانت قضبان سجن أو مستشفى وهما المكانان الاثيران فى كل أفلام الأبيض واسود.. طالما وقع الاختيار على هشام سرى كمدير للتصوير فلابد أن نلومه على مصادر الإضاءة الهزلية والتى تضع لمبة فى دولاب ملابس ريفى تضىء وجه الشخصية عندما يفتحه وكأنه يفتح ثلاجة.
على مستوى الأداء قدم فتحى عبدالوهاب محاولة جادة لتقمص شخصية حامد.. الشخصية غير السوية التى تعانى من نقص رهيب وشعور بالدونية يجعلها طوال الأحداث تبحث عن أى رقبة تدوس عليها لكى تصل إلى أهدافها.. واستطاع أن يحافظ على الخيط الفاصل بين الابتذال الادائى لهذه الشخصيات السيكوباتية وبين التقمص الواعى لأبعاد الشخصية النفسية والجسمانية. وتعتبر شخصية حامد أكثر شخصيات الفيلم اكتمالا وجودة فى التفاصيل..
خصوصا عندما تصيبها لوثة الجنون فى النهاية..أما أحمد عزمى فلم يتحرك من نفس المربع الأدائى الذى يحتجزه فيه كل من يستعين به.. وهو الشاب ضعيف البنية المغلوب على أمره الحائر الضائع الباكى.. ولم تفلح الشعيرات البيض التى صبغت رأسه فى إحداث أى توحد مع شخصية مصطفى.. بل سببت حالة من السخرية فى صالة العرض حتى لو كان الغرض الدرامى منها أنه شاب قبل أوانه.. ولم يقدم دور مريم لدنيا سمير غانم أى مناطق جديدة فى التشخيص.. بل حاصرها فى تكرار باهت لجمل ومشاهد صارت جزءاً من الأرشيف السينمائى. ولم تعد تقدم حتى فى اختبارات قسم التمثيل بمعهد السينما.