إن عيد شم النسيم يقترب كثيرا من معني القيامة فهو يعني النسيم الذي يهب ويحيي الطبيعة فإذا بالأشجار والأزهار تحيا بعد موتها وإذا بالأرض تكتسي بالخضرة وتدب فيها الحياة ويصبح كل شيء حولنا مبهجا وسعيدا فالخضرة تعني البعث والقيامة للطبيعة.
الأعياد والمناسبات في مصر قد تتجاوز في الكثير من الأحيان معانيها الحرفية إلي ما هو أعمق من حيث الدلالة والتي قد لا يتوقف امامها البعض كثيرا وفي مصر قد تصبح هذه الدلالة ذات تفرد إذ إن عمقها التاريخي هو الذي يعطيها مذاقها والذي يجعلها في معظم الأحيان مصدرا للعبر واكتساب الحكمة وقد لا يعرف البعض المعني الروحي للأعياد فهي لا تعني الاحتفالات المظهرية بقدر ما هي الذكر والعبادة, اي التي فيها نذكر الله ونتعبد له, أي نعبده وكان في العهد القديم من الكتاب المقدس تذكر كلمة عيد علي انها عبادة إذ يـ ذكر في التوراة ان الله قد قال لموسي ان يخبر فرعون بأن الله ينذره ويقول له اترك شعبي ليعيد لي أو ليعبدني ومصر هي بلد الحضارات والديانات التي يتوقف امامها المرء كثيرا وفي داخله شيء من الهيبة والوقار لمالها من قدسية تجعل الإنسان يتذكر ويستحضر الأجواء الروحية والهيبة الإلهية
وإذ بالأعياد تتعانق مع بعضها البعض في تلاحم يؤكد شيئا واحداووحيدا يحاول البعض ان يأخذنا بعيدا عنه تحت العديد من الدعاوي ولكنها تفشل امام تلك الخبرة التاريخية التي تصير في هذه الحالة كالصخرة التي تتحطم أمامها كل هذه الدعاوي من الزيف والبهتان, وهنا تصبح الأعياد بمثابة محطات لابد ان نتوقف عندها للتأمل والتدبر بعيدا عن تلك المغالطات وتلك التعصبات و العصبيات إذ ان مواطن التوحد هي الاصل وما عداها هو الفرع أي الاختلاف أو محاولة اختلاق ذلك الاختلاف لمصالح واهداف ابعد ما تكون عن ذلك الرمز والمعاني والابعاد التي تقف وراءها الاعياد والمناسبات ذات المعاني الروحية التي تدعو الي القيم والتسامح وقبول الآخر لا علي اعتباره مختلفا ولكن من خلال التواصل والتراحم وعدم اشاعة روح الفرقة وروح الفشل والحزن والأحقاد من هنا نأتي إلي معني كل من عيد القيامة وعيد شم النسيم والقيامة هي الإيمان باليوم الآخر وهو ما يعني الإيمان بالله لأن من لا يؤمنون بالقيامة من الماديين والالحاديين عادة لا يؤمنون بالله ومن ثم فإن احد ابعاد الاحتفال بالقيامة هو التذكرة باليوم الاخر
وان ذلك الموت الجسدي ليس هو نهاية المطاف بالنسبة للإنسان أو لا يحمل نهايته بل هو بداية لحياة اخري هي الحياة الحقيقية وهي الاصل والتي يطلق عليها الحياة الابدية والتي ليس لها سوي طريق من اثنين أو نتيجة من اثنتين إما شتاء أبدي في جهنم التي يخلد فيها الإنسان, أي خالدين فيها أبدا والتي يصفها الانجيل علي فم بولس الرسول حيث يقول عن هؤلاء الذين رفضوا الله وساروا في طريق الشيطان ويصعد دخان عذابهم الي ابد الابدين.
فالقيامة هي الأساس الذي قام عليه وترسخ الايمان بالحياة الأخري اي حياة الخلود وهي بالقطع المقصود بها الحياة السعيدة التي اعدها الله لكل الذين يخافونه ويتقونه في جنات تجري من تحتها الانهار فهي الدلالة القوية التي تكذب تلك الافتراءات التي قد يتقول بها الاخرون من الملحدين والذين ينكرون وجود الله تحت العديد من الدعاوي الزائفة مثل الكثيرين الذين كانوا في عهد المسيح والذين كانوا يجادلون ويشككون في القيامة وهم قوم من اليهود ويطلق عليهم الصدفيون والذين يقولون انه ليس هناك قيامة للأموات بعد ومع ذلك فإن الأمر لا يتوقف عند ذلك الحد.
الانسان قد يكون حيا من الناحية العضوية ويتمتع بصحة جيدة ويتحرك ولكنه في نظر الله ميت لأن ضميره قد مات عن الحق الالهي وعن فعل الخير فهو يأكل ويشرب ويتحرك ويعمل ويتاجر ويتزاوج ومع ذلك فهو ميت بالذنوب والخطايا وذلك الموت يتحقق بالانفصال عن الله وعن كل ما أمر به بالاتيان بالشرور والمعاصي وان يعيش الانسان مع الشيطان ويتبع اهواءه ويترك الحبل علي الغارب لأهوائه وشهواته وهؤلاء الموتي بالذنوب والخطايا يعيشون حياة الانفصال عن الله وهم الذين يعرفون الله معرفة عقلية ويصبح الله لديهم مجرد مجموعة من المعارف والمعلومات
ولكنهم لا يؤمنون به ولا يخافونه ولا يتقونه وبذلك يصبحون امواتا لأنهم يعيشون في حالة انفصال عن الله لذلك فإن القيامة تصبح هنا بمثابة المرآة التي فيها يدركون حالة الموات التي يعيشون فيها ومن هنا يأتيهم ذلك الصوت مجلجلا لعله يحرك ضمائرهم الميتة ويوقظهم وينبههم الي حقيقة ذلك الموت الذي يعيشون فيه, حيث يقول لهم بولس الرسول إحدي رسائله استيقظ ايها النائم وقم من بين الاموات فيضيء لك انجيل المسيح افسس5:14 فهنا يؤكد انه نائم ولكنه لا يعني النوم العادي الذي يغفو به الانسان ويسكن جسده من حالة الحركة ليحصل علي قسط من الراحة وتجديد النشاط ولكنه حالة من نوم الضمير أي الموت لذلك يقول له استيقظ من بين الأموات
أي أموات الذنوب والخطايا والذين يحتاجون بالعقل إلي حدوث القيامة والي نوع ما من القيامة التي بها تبعث ضمائرهم من جديد والذين من خلالها ينهضون ويتركون اعمال الظلمة عندما تضئ لهم كلمات الحق الالهي لذلك يقول لهم الرسول بولس في نفس الرسالة مخاطبا اياهم بتلك الكلمات التي تؤكد ذلك أنتم الذين كنتم امواتا بالذنوب والخطايا افسس2:1 وهؤلاء هم الذين يعانون من أشد حالات الموت وهو موت الخطايا ذلك لأن الأعمال الشريرة التي يقومون بها وتلك الجرائم التي يرتكبونها لا تنتهي بل يطول شرها الانسان وهي التي تجعل العالم الآن يعاني وهؤلاء ما احوجهم الي القيامة التي تصير في هذه الحالة بمثابة الضوء والسراج الذي ينير لهم لكي يخرجهم من الظلمات الي النور الذي يعني هنا اعمال الخير والصلاح التي تعم علي البشرية وانهم ان لم يمتنعوا عن هذه الاعمال فإن مصيرهم سوف يصبح جهنم ذلك هو الموت الذي يحتاج الي قوة القيامة هؤلاء الاموات الذين يعج بهم العالم
والذين يتلظون بنيران اعمال الظلمة التي يأتون بها ما احوجهم الآن الي دلالة هذه القيامة وثورتها فالقيامة هنا لها قوة وقوتها لا تعني فقط البعث من الموت في اليوم الاخير ولكن قوتها علي الإنهاض للضمائر المائتة وقوتها علي صحوة الضمائر وعودة الروح للإتيان بالاعمال الخيرة التي أمرنا بها والتي بها تصلح الاكوان وتعمر لذلك يحدثنا الكتاب المقدس عن هذه القوة لحدث القيامة والتي يجب ان نختبرها في حياتناوالتي يجب ان يختبرها كل مؤمن يريد ان يرضي الله سبحانه وتعالي حيث يقول الرسول بولس لأعرفه وقوة قيامته فيلبي(3:10)
أي ان من يريد ان يعرف دلالة ومعني قيامة المسيح بعيدا عن دلالة الحدث المادي هو ان يتمثل بالقيامة في معناها الذي يعني النهوض من الكبوات والعثرات بفعل غواية الشيطان التي تهوي بالإنسان وتسبب له تلك الحالةمن الموت التي تعني الانفصال عن الله لذلك فإن دلالة القيامة لابد أن تكون ذات مفعول في تلك النفوس والضمائر.
رأينا ذلك في محرقة غزة التي كان ضحاياها من الأطفال والنساء والشيوخ فهؤلاء هم من ماتت ضمائرهم وهؤلاء هم الذين لم يختبروا قوة القيامة ودلالاتها والذين هم أحوج ما يكونون إليها, هؤلاء الذين لا يعرفون سوي أعمال الظلمة والتي قد يرون فيها أنها أعمال نور وصلاح وتقرب إلي الله من خلال سفك دماء الأبرياء من الأطفال والنساء وبقر بطون الحوامل, ذلك فهم لا يعرفون القيامة ولم يختبروا قوتها, أيضا هؤلاء القادة الذين أغمضت عيونهم عن الحق وقد عصبوا ضمائرهم بعصابة المصالح والمآرب المادية والذين أصموا آذانهم عن سماع والحق والذين عوجوا المستقيم
وإذا بهم لا يعيرون انتباههم لكل ما يحدث في الأراضي المحتلة فهؤلاء ما أحوجهم إلي قوة القيامة بمعني النهوض لكي يحقوا الحق ولكي يدرأوا الظلم الواقع والذي لابد أن يستوجب عليهم ودينونة وعقاب الله إن لم يفيقوا ويرجعوا عن طرقهم الردية لذلك فهؤلاء الذين عليهم أن يختبروا قوة القيامة كمعني في حياتهم ولا يكتفوا فقط بالاحتفال بالمناسبة وصاحبها عليهم أن يتوبوا مرة أخري من خطاياهم وسباتهم العميق في الرذيلة والسكوت عن الحق, عليهم أن يقوموا مع المسيح بالحق والعقل وليس فقط مجرد الاحتفال الظاهري الذي لا قيمة له, عليهم أن يعيدوا لله في هذه الذكري معني العبادة, عليهم أن يصغوا لذلك الصوت لا أن يصغوا فقط بل أن يعملوا به
حيث يقول لهم الرسول بولس إن كنتم قد متم مع المسيح فاطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله. ذلك هو أحد ابعاد القيامة المهمة في معناها الروحي وهو العلو والترفع عن الأرضيات والدنايا فإذا كانت القيامة هي القوة التي قهرت الموت فهي أيضا تعني حياة الرفعة والارتفاع لأن المسيح عندما قام من بين الأموات صعدوا, ومع ذلك فإن كل من أراد أن يعيش حياة القيامة فعليه أن يترفع ويرتفع عن الأهواء والشهوات والرغبات الأرضية حتي إن كان يعيش في ذلك الزمان الحاضر ويجد حربا من الشيطان من خلال الاغراءات.
نتذكر في القيامة أيدي الاحفاد الذين يقتلون الأطفال في غزة وإذ بهم يعبدون الكرات مرة تلو الأخري مع كل روح تزهق وكل دم بريء يسفك, وإذ بهم يعيدون صلب المسيح من جديد في ذكري القيامة ودلالاتها, نتذكر حقيقة هؤلاء القوم العتاة والظالمين الذين فعلوا ذلك بالمسيح فكم وكم يكون الأمر مع الشعب الفلسطيني لذلك يقول فيهم بولس الرسول في رسالة كولوس الاصحاح(2) والعدد(15) الذين قتلوا يسوع وأنبياءهم واضطهدونا نحن وهم غير مرضين لله وإضرار لجميع الناس ولكن قد أدركهم الغضب إلي النهاية, ذلك ما فعلوه ومازالوا يفعلونه حتي الآن.
إن عيد شم النسيم يقترب كثيرا من معني القيامة فهو يعني النسيم الذي يهب ويحيي الطبيعة فإذا بالأشجار والأزهار تحيا بعد موتها وإذا بالأرض تكتسي بالخضرة وتدب فيها الحياة ويصبح كل شيء حولنا مبهجا وسعيدا فالخضرة تعني البعث والقيامة للطبيعة, والتي تعني قيامة للأنفس التي تتأثر بالطبيعة من حولها فإذا بها تكتسب الأمل وإذ من خلال تفتح الزهور تتفتح أمامهم الحياة, فالزهرة عندما تتفتح وعندما تكتسي الأرض بأروع الثياب يدرك الإنسان أن الحياة باقية وأن الخير قائم, لذلك فإن عيد شم النسيم له العديد من الدلالات والمعاني التي تدخل البهجة والسرور علي النفس فتحييها وتجدد الأمل فيها إذ أنها تروح عن الإنسان وعن قلبه فإذا بالحياة تدب فيه فيتجدد نشاطه ويتجدد مثل النسر شبابه وذلك عندما يري الطبيعة وهي تجدد نشاطها من خلال الزهور التي تتفتح والخضرة التي تكسو الأرض,
لذلك ما أحوجنا في هذه الأيام التي تشتد فيها المشاكل والأزمات والتي قد تقيد الإنسان وتكاد تخنقه, وإذ به مع هذه الأعياد يلوح الأمل أمامه وينهض من كبوة اليأس وهو يري الطبيعة وقد اجابت عن تساؤله الحائر وإذ بها تبدد مخاوفه وتعلن له أن الفرج يأتي عقب الضيق وأن هناك أوقاتا للفرج تأتي من عند الله وأن علي الإنسان ألا يقنط من رحمة الله الذي يحيي الأرض بعد موتها, من خلال الماء الذي جعل منه كل شيء حي, وأن الأزمات والنوازل لابد وأن يعقبها تفريج للكروب ولابد أن يخرج الإنسان من الضيق إلي رحب لا حصر فيه من دلالة الأعياد وقوتها
وذلك هو معقولها في حياتنا فهي تذكرنا بالله وقدرته, وأنه لا يعسر عليه أمر وأن علينا أن ننظر إلي الطبيعة من حولنا في عيد شم النسيم لنري الحياة وهي تدب بعد الموت, وكيف أن الأرض قد اخضرت بعد بؤسها, وأن الله هو الذي يحيي بعد الموت, تلك أيضا الدلالات والمعاني التي يوحي بها عيد القيامة وقوتها التي يجب أن نستحضرها في حياتنا والتي بها ومن خلالها لابد أن نجدد نشاطنا ونجدد أحلامنا وآمالنا وأن نطرد بها اليأس والقنوط لأن القيامة تعني النهوض وتعني البعث وتعني الخلود وتعني الفرح لأن الموت لا يجلب إلا الأحزان وتعني احياء الضمائر فتعم النفوس بالخير وتأتي أعمال الخير, وتنبذ أعمال الشر, تلك هي معاني الأعياد التي تتوافق في مصر علي مر العصور وعلي اختلاف الأديان والمذاهب ولكنها كلها مصدرها واحد
لذلك فإن معانيها ودلالاتها تتوحد حتي وإن اختلفت الفلسفات التي تقف وراءها, ومن ثم فلاغرابة أن يتوحد عيد القيامة مع عيد شم النسيم من حيث الدلالات التي تعني الاحياء وتعني حياة الرفعة والانتصار وتجدد الآمال والطموح وفوق كل هذا وذاك هو الإيمان بالله وبقدرته سبحانه وتعالي علي الاحياء وأنه هو الله الخالق والقادر علي كل شيء وهو المتحكم في دائرة ذلك الكون وهو الجالس علي كرة الأرض, الي يعلم ما بها والذي خلقها بمقدار, وهو الذي لا يؤوده حفظها, وإذ بنا في عيد شم النسيم نتذكر قول الله تعالي أفرأيتم الماء الذي تشربون أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون صدق الله العظيم, تلك هي دلالة الأعياد والتي يجب أن نستوعبها وأن نعيشها فيتجدد نشاطنا وتتجدد آمالنا ويزيد إيماننا بالله واليوم الآخر.