في سلام ووئام ومحبة وتبادل للمنافع والبهجة يحتفل المصريون مسلمين ومسيحيين بعيد شم النسيم منذ مئات السنين. وقد كان هذا العيد ومازال عيدا لمصر الواحدة التي توحدت منذ عهد مينا وظلت موحدة في كل ما تلا عهد مينا من عهود.
وقد توحدت مصر أرضا وشعبا وثقافة وتاريخا. ووحد بين أبنائها أيضا دينان سماويان كريمان, هما الإسلام والمسيحية, فكانت بلادنا دولة عظيمة العطاء, شديدة الخصوصية, مؤثرة في كل العالم ومستوعبة لكل ثقافاته.
وتعبيرا عن مصر الواحدة الموحدة العريقة كان خطاب الرئيس حسني مبارك الذي وجهه إلي الإخوة المسيحيين في الخارج بمناسبة عيد القيامة المجيد, وهو الخطاب الذي جاء فيه أن أحدا ـ كائنا من كان ـ لا يستطيع أن ينال من وحدة المسلمين والمسيحيين المصريين الذين يشكلون نسيجا واحدا لمجتمع مصري عريق ومتماسك يتمتع فيه الجميع بكامل الحقوق.
وكان تعبيرا دقيقا من الرئيس مبارك أن يقول لأبناء مصر المسيحيين في الخارج في خطابه: إنكم إذ تحتفلون بعيد القيامة وتستحضرون الذكري الخالدة للسيد المسيح والعذراء البتول إنما تحملون لمواقع إقامتكم علي اتساع العالم بعضا من أرض مصر وحضارتها.
وهذا القول يعبر فعلا عن واقع معيش في كل الدول التي لمصر فيها جاليات, وعلي سبيل المثال فإن المسلمين والمسيحيين المصريين في الولايات المتحدة هم مثال للتعاون بين أبناء وطن واحد يمثلون جالية واحدة ويتعاونون في تعليم أبنائهم تراث مصر الثقافي ورافدها الديني وعاداتها وتقاليدها, ويتعاونون في بناء الجوامع والكنائس هناك, حيث يلتقي الكبار والشباب ويتفاعلون في محبة واحترام وإخاء.
وأي مراقب يتابع طقوس المصريين في الاحتفال بشم النسيم وأعياد المسيحيين الدينية المرافقة له يتأكد من الوحدانية المصرية والمزاج المصري الواحد الرائق الشفاف. فهو يوم عام للبهجة المتجاوزة لأي سمات دينية أو طائفية أو ثقافية فيها تحمل تفاوتا.
وفيما يمكن أن يكون شعورا عاطفيا واحدا, واتجاها نفسيا محددا, وتعبئة وطنية ينخرط فيها الجميع, ينطلق المصريون منذ الصباح الباكر يوم شم النسيم في الحدائق والمروج وعلي صفحة النيل, وعلي شواطئ البحرين الأحمر والمتوسط وعلي ضفاف البحيرات.
إنهم يفعلون ذلك علي نحو لا يفعله أي شعب, وهذا أمر يثبت عمق الوحدة, ومتانة النسيج, وحكم القدر لمصلحة مصر أن تعيش واحدة موحدة أبية, حتي لو غالبها الزمن وحاول الطامعون فيها ضرب روحها المتمثلة في الوحدة بين عنصريها المتكاملين, لقد فعل المستعمرون ذلك لكنهم باءوا بفشل عظيم لأن مصر الواحدة أقوي من كل محاولات التجزئة أو التفرقة