ومن خلال البيانات الأمنية وبعض الأحاديث والتصريحات السياسية وخاصة خطاب حسن نصر الله فان عدة نقاط تبدو واضحة.
فهناك اعتراف من حسن نصرالله بأن هناك تكليفات قد صدرت من الحزب لمساعدة المقاومة في غزة بتهريب السلاح لها عن أي طريق وبأي وسيلة.
وفي نفس الوقت لم يثبت حتي الآن استهداف التنظيم الارهابي الذي يضم 49 متهما لأية اهداف مصرية وجاء في اعتراف المتهمين أن تعليمات قيادة حزب الله هي اعتبار أمن مصر خطا أحمر لا يجوز الاقتراب منه..وحتي فكرة شن عمليات ضد سياح إسرائيليين أو مراكب إسرائيلية تعبر قناة السويس فقد جري استبعاد القيام بمثل تلك العمليات حتي لا تشكل احراجا لمصر.
أما قصة نشر المذهب الشيعي فلم يذكر عنه أي شئ حقيقي أو ملموس في الاعترافات والتصريحات المنشورة وبالتالي فإن البعد الديني يبدو مقحما في قصة هذا التنظيم ولا أساس له.
اختراق السيادة المصرية
وإذا ما تم تجاهل الحملة الاعلامية الصاخبة وموجة الشتائم التي امتلأت بها الصحف المصرية القومية علي وجه الخصوص وكذلك موجة الدفاع عن حسن نصر الله والمقاومة الاسلامية التي ظهرت في بعض الصحف ذات التوجه الاسلامي والقومي وهو ما امتد ايضا إلي الفضائيات في تواجد انصار الفريقين فاننا امام قضية محل اتفاق جهات التحقيق في مصر وحزب الله.
ذلك أن الأمين العام للحزب لم يخف قيام الحزب بعمليات مختلفة لتهريب السلاح إلي الفلسطينيين المحاصرين في غزة ولم ينف علاقة الحزب بقائد التنظيم الذي تم القبض عليه في القاهرة.
وهذا الاعتراف في حد ذاته يمثل المشكلة الرئيسية الآن في علاقة مصر بحزب الله وذلك أن الحزب لم يخف قيامه بانتهاك السيادة الوطنية المصرية علي مجمل اراضيها والقيام بعمليات تهريب للسلاح والذخيرة والأشخاص والأموال.
ولا يمكن الادعاء بأن تلك العمليات تتم تحت غطاء مساعدة المقاومة الفلسطينية في غزة في الوقت الذي تحاول فيه مصر التوصل إلي حل سياسي للقضية الفلسطينية. تلعب حركة حماس دورا أساسيا فيه فكما ترفض مصر الاعتداءات الاسرائيلية علي الشعب الفلسطيني فانها أكدت في مناسبات مختلفة أن اطلاق الصواريخ من جانب حماس والمنظمات الأخري لا يساعد علي توفير أجواء للحل السياسي بل علي العكس تفتح أبوابا لاعتداءات اسرائيلية رهيبة يدفع الشعب الفلسطيني ثمنا باهظا لها دون أي مردود سياسي.
إحراج مصر
وبالتأكيد فإن حركة حماس تدرك تبعات عملية تهريب اسلحة عبر الأراضي المصرية وخاصة في اعقاب قيام إسرائيل بضرب قافلتين تحملان اسلحة داخل الأراضي السودانية كان مقررا لها أن تسلك الدروب الصحراوية لتهريبها إلي داخل مصر ومن ثم إلي غزة سواء عبر الانفاق أو عبر البحر علي مراكب صيد.
فقد تعرضت مصر لانتقادات من جانب الإدارة الأمريكية السابقة ومن جانب إسرائيل بخصوص عمليات تهريب الأسلحة متهمين مصر بالتغاضي عن عمليات التهريب احيانا وبالعجز والفشل في ايقاف تلك العمليات وهو ما أدي إلي تجميد جزء من المساعدات الأمريكية لمصر العام الماضي قبل أن يتم الافراج عنها.
وطبقا لتأكيدات وزير الخارجية أحمد ابو الغيط فان مصر علمت بانباء العمليات الاسرائيلية في الأراضي السودانية وقتها "فبراير الماضي" ولم تشأ الاعلان عنها لعدم إحراج السودان الذي لم يلجأ لمجلس الأمن أو حتي للجامعة العربية وتجاهل تماما ما حدث حتي كشفته صحيفة "الشروق" المصرية والصحف الأمريكية. وهذه العملية هي تطبيق عملي للمذكرة الاسرائيلية - الأمريكية التي جري توقيعها في يناير الماضي قبل يوم واحد من انتهاء عمل الإدارة الأمريكية السابقة وبمقتضي هذه المذكرة تقدم الولايات المتحدة معلومات مخابراتية عن جميع التحركات وعمليات تهريب السلاح في كل مناطق العالم وخاصة في الشرق الأوسط، وبالتالي جري ايقاف سفينة ايرانية في البحر الأحمر كانت تحمل اسلحة، وجرت العمليات الجوية ضد القوافل في الأراضي السودانية المفتوحة بسبب عمليات التمرد والمواجهات في دارفور وغيرها أمام تجار السلاح واصبح السودان معبرا لعمليات تهريب واسعة للسلاح والمقاتلين إلي اماكن مختلفة داخل السودان وخارجه.
لماذا تحركت مصر
وفي ضوء هذه الظروف تحركت مصر لعدة اعتبارات:
أولاً: حماية الأمن القومي لمصر والسيطرة علي حدودها بشكل كامل ومؤمن وبالتالي منع كل عمليات تهريب السلاح سواء إلي غزة أو إلي داخل الأراضي المصرية.
عدم استدراج مصر للدخول في أزمة عميقة سواء مع إسرائيل أو الولايات المتحدة خاصة إذا ما تم استهداف مواقع وأهداف إسرائيلية أو امريكية في مصر.
مواجهة محاولات اثارة الرأي العام في مصر بدعوي دعم المقاومة الفلسطينية واتهام الحكومة المصرية بالمساهمة في حصار غزة وهو ما ظهر عمليا علي الساحة الداخلية طوال أيام الحصار والعدوان الاسرائيلي علي غزة.
كشف ابعاد التحالف الايراني السوري بشكل خاص الذي يقوم علي افشال الجهود المصرية علي الساحة الفلسطينية سواء برعاية اتفاق للتهدئة بين حماس وإسرائيل وتحقيق الوحدة الفلسطينية واستئناف المفاوضات علي قاعدة دولتين لشعبين كما جاء في مبادرة السلام العربية وخارطة الطريق ومؤتمر أنابوليس للسلام وهي مرجعيات ترفضها ايران التي تريد توتيرا دائما للأوضاع علي حدود مصر وفي المنطقة ما دام الملف الايراني مازال بدون حل وكذلك الملف السوري وتوقف مفاوضاتها مع إسرائيل.
اظهرت مصر قدرة عالية علي التأثير علي الأوضاع السياسية الداخلية في لبنان عبر كشف مخطط حزب الله في بداية حمي الانتخابات اللبنانية والحملات الانتخابية وهو ما قد يؤثر علي شعبية الحزب ويكشف عن تورطه في القيام بعمليات خارجية علي أرض الدولة العربية الأكبر مصر، ويفشل في الرد علي اغتيال قائده العسكري عماد مغنية في دمشق.
واخيرا اكدت مصر بشكل واضح انها تعمل ضد الارهاب بخطوات محددة وانها تحفظ تعهداتها والتزاماتها الاقليمية والدولية ولابد أن المواقف المصرية تلك ستساهم في إيجاد اجواء ملائمة لكي تلعب مصر دورا رئيسيا في عملية السلام ـ خيارها الاستراتيجي ـ خلال الاجتماع المرتقب في شرم الشيخ بين باراك ونتنياهو ثم في واشنطن حيث ينتظر أن يزور الرئيس مبارك الولايات المتحدة للاجتماع بالرئيس أوباما.
اجمالا نجحت مصر في ضبط حزب الله متورطا بالعمل علي الأراضي المصرية وعلي أفضل تقدير مخترقا السيادة المصرية ومحاولا تجاوزها بل والاعتداء عليها بتوظيف خاطئ للقضية الفلسطينية وتحويلها هي الأخري إلي ورقة في صراع اقليمي كبير في المنطقة وتحويل قطاع غزة إلي ساحة لهذا الصراع بما لذلك من تأثيرات خطيرة علي الأمن القومي المصري وضرب كل جهودها للسيطرة علي الصراع الاسرائيلي - الفلسطيني والابقاء علي مسيرة العمل السياسي. ولابد أن هناك الآن دروسا ملائمة علي قادة حماس مراجعتها وكذلك قادة حزب الله والقوي الاقليمية الأكبر في دمشق وطهران كما ارسلت القاهرة رسائل اخري من خلال كشفها خطة حزب الله لإسرائيل وأمريكا علي وجه التحديد بأهمية استعادة عملية السلام بسرعة وتحقيق نتائج وإلا فالمخططات الارهابية ستستمر وتشتد.