Post: #1
|
||
ahmeddodo Joined: 07-10-2014 Posts: 2,362 Country: |
موعظة في ذكر الآخرة موعظة في ذكر الآخرة [/color] [color=#800000] الشيخ عبدالعزيز بن محمد العقيل
[/color] [color=#800000] الحمد لله نحمده، ونستعينُه ونستهدِيه، ونستغفره ونتوبُ إليه، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله صحابته، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أمَّا بعدُ: فيا عبادَ الله: اتَّقوا الله - تعالى - وتوبوا إليه وأستغفِروه من جميع الذنوب ولا تعصوه، وبادروا بالتوبة، فإنَّ أحدكم لا يدري مقامَه في هذه الدار، وهي مزرعةٌ لدار القَرار، ومن المأسوف له أنَّ أكثر الناس يتعب فيما ضمن له، ويهمل ما خُلِقَ له؛ يقول - جلَّ وعلا -: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾ [الذاريات: 56 - 58]، ويقول - سبحانه وتعالى -: ﴿ وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا ﴾ [الجن: 16].
والله - جلَّ وعلا - قد تكفَّل لعباده بأرزاقهم، وهذا لا يمنع فعْل الأسباب ولكن لا ينبغي أنْ تطغى أمور الدنيا على أمور الآخِرة، فينسى العبد ما خُلِقَ له؛ فيُفنِي عمره وجُهدَه في أمور دُنياه، ومن أسباب ذلك عدم تذكُّر الموت ومنازل الآخرة، وإنَّ أولها حفرة بقدر طوله وعرضه قد توسَّد فيها التراب، والتَحفَ ثوبَ الكفن وحيدًا بعمله؛ فإنْ كان صالحًا آنَسَه وفسح له في قبره، وإنْ كان فاسدًا زادَه حسرةً وندامةً، وضُيِّقَ عليه قبرُه حتى تختلف أضلاعُه، وقد نسيه الحبيب، وفارَقَه القريب، وتوزَّع الورثة أمواله، وتزوَّجت نساؤه، وكأنْ لم يكن كان بين أهله وإخوانه، وتزاوَر مع جيرانه وأصدقائه.
وممَّا أنسى أعمال الآخِرة عدمُ الاهتمام بما حثَّ عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من زيارة القبور للاعتبار، والدعاء للأموات، واتِّباع الجنائز للحصول على الثواب الجزيل؛ ففي حديث عن أبي سعيدٍ الخدري - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إنِّي نهيتُكم عن زيارة القبور فزُورُوها؛ فإنَّ فيها عبرة))[1].
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((كنتُ نهيتكم عن زيارة القبور فزُورُوا القبور؛ فإنَّها تُزهِّد في الدنيا وتُذكِّر الآخِرة))[2].
فهذه هي الحكمة في زيارة القبور، بخِلاف مَن ضلَّ عن سَواء السبيل، وأصبح يَزُور القبور لدعاء الأموات، والتوسُّل بهم، والطواف عليهم، فهذا شركٌ - عياذًا بالله من حال مَن فعَلَه ودعا إليه.
كما أنَّ الصلاة على الميت واتِّباع جنازته فيه تذكيرٌ وثواب عظيم؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن شَهِدَ الجنازةَ حتى يُصلَّى عليها فله قِيراط، ومَن شَهِدَها حتى تُدفَن فله قِيراطان))، قيل: وما القيراطان؟ قال: ((مثل الجبلين العظيمين))[3]؛ رواه البخاري ومسلم.
وفي روايةٍ لمسلم: ((أصغرهما مثل أحد))[4].
وممَّا زهَّد في أعمال الآخِرة وثبَّط عنها عدمُ تَذكُّر ما أعدَّه الله للأبرار في جنات النعيم؛ من حور وقصور، وأشجار وثمار، وأنهار من ماء غير آسِن، وأنهار من لبنٍ لم يتغيَّر طعمه، وأنهار من خمرٍ لذَّة للشاربين، وأنهار من عسل مصفًّى... وغير ذلك ممَّا لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وعدم تذكُّر ما أعدَّه الله للفجَّار من نارٍ وقودها الناس والحجارة، وما أعدَّه الله لأهلها من سلاسل وأغلال وحميم وزقوم.
إنَّ عدم تذكُّر ما أُعِدَّ للطائعين وما أُعِدَّ للعاصين، أضاع فرص الحياة على مَن عاش كما تعيشُ البهائم؛ ملءُ بطن، وإشباع شهوة فرج، وتلذُّذ بنظر وسماع إلى محرَّم، وضَياع أوقاتٍ في لهو ولعب، وتفانٍ في جمع حُطام، فإنَّ آلامَه وشركه وتَبِعاته على جامِعِه، وورقه وزهره وثمره لغيره، إنَّها العقول الضعيفة التي لم تُفرِّق بين الغثِّ والسمين، والنافع والضارِّ، والعاجل والآجل، حتى إذا عايَنت الموت، وحِيل بينها وبين ما تشتهي، تحسَّرت ونَدِمتْ حين لا ينفع الندم، فيا مَن فرَّط - وكلنا كذلك - استدرك ما بقي من عمرك، وحاسِب نفسك قبل أنْ تُحَاسَب، واعمل ليومٍ أنت أحوج ما تكون إليه؛ يوم يفرُّ المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه، يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلبٍ سليم، فالأمر عظيم، والسَّفَر شاق وطويل وبه عقبات، فلا بُدَّ من الاستعداد له، والزاد الموصل لدار السلام.
ورد في أحاديث صحيحة: ((أنَّ الناس يمرُّون على الصراط على قدْر أعمالهم؛ فمنهم مَن يمرُّ كالبرق، ومنهم مَن يمرُّ كالريح، ومنهم مَن يمرُّ كالطير، ومنهم مَن يمرُّ كأجوَدِ الخيل، ومنهم مَن يمرُّ كأجود الإبل، ومنهم مَن يمرُّ كعدو الرجل، وإنَّ آخرهم رجل نوره على موضع إبهامي قدمَيْه يمرُّ فيتكفَّأ به الصراط، والصراط دحضٌ مزلَّة مثل حدِّ السيف، والملائكة يقولون: اللهم سلِّم، اللهم سلِّم، وملائكة معهم كلاليب يخطَفُون بها الناس؛ فناجٍ مسلم، ومكردس في النار))[5].
فاتَّقوا الله يا عبادَ الله واعملوا ليومٍ تُرجَعون فيه إلى الله.
اللهم وفِّقنا للعمل بما يُرضِيك، وثبِّتنا على قولك الثابت في الحياة الدُّنيا وفي الآخِرة، إنَّك سميع مجيب.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: قال الله العظيم: ﴿ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا ﴾ [مريم: 71-72].
بارَك الله لي ولكم في القُرآن العظيم، ونفعني وإيَّاكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وتابَ عليَّ وعليكم إنَّه هو التوَّاب الرحيم.
أقول هذا وأستغفِر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنب، فاستغفِروه إنَّه هو الغفور الرحيم.
واعلموا أنَّ الذنوب داء، والتوبة شفاء، والانشغال بما يلهي عن ذكر الله وطاعته شؤمٌ على صاحبه، والعاقل مَن إذا استرسلت نفسه كبح جِماحَها وروَّضها على ما يُرضِي مولاه، ويسعده في دنياه وأخراه، فكم ممَّن سكر ولَهَا ولم يُفِقْ إلا عند ارتحاله من هذه الدنيا، وذلك حين لا يستطيع أنْ يستدرك ما فات.
فاتَّقوا الله يا عبادَ الله وأعرضوا ما أنتم عليه على كتاب ربِّكم وسنَّة نبيكم، فما وافق الكتاب والسنَّة فالزَمُوه، وما خالفهما فصحِّحوه، فالحازم لا يهمل نفسه حتى يُحالَ بينه وبين إصلاح ما فسد من أمر دينه ودُنياه، فاتَّقوا الله في أنفسكم وحاسِبوها قبل أنْ تُحاسَب، وتذكَّروا ما أمامَكم من أهوال، وجنة ونار، وسعادة للطائعين وشقاوة للعاصين ما دُمتُم في زمن الإمهال، وفي دار العمل، قبل أنْ يعضَّ النادم على يديه، ويتحسَّر على تفريطه قبل وقت لا تنفع فيه الأعذار.
[1] أخرجه أحمد في مسنده بنحوه: (3/38)، والنسائي: 8/311 بنحوه. [2] ابن ماجه (1571). [3] البخاري: (1325) - الفتح: (3/233)، ومسلم: [52 - (945)]. [4] مسلم: [53 - (945)]. [5] انظر تفسير ابن كثير: ج 3/131 - 133 عند تفسير قوله - تعالى -: ﴿ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ﴾ [مريم: 71].
................... |
|
|
||
Bookmarks | ||||
|
|