You are Unregistered, please register or login to gain Full access
Recover Password: via Email | via Question
Thread Options  Search this Thread  
Post: #1
03-03-2020 08:18
ahmeddodo


Joined: 07-10-2014
Posts: 2,360
Country: Egypt
Male ahmeddodo is Offline now
تفسير: (يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا)

تفسير: (يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا)


تفسير قول الله تعالى
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا ﴾
 


قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ [1] بُكْرَةً وَأَصِيلًا * هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ﴾ [الأحزاب: 41 - 43].


 


(الذِّكْر): يقال اعتبارًا باستحضاره، وتارة يقال لحضور الشيء بالقلب أو القول؛ ولذلك قيل: الذكر ذِكران؛ ذكر بالقلب، وذكر باللسان، وكلُّ واحد منهما ضربان؛ ذكرٌ عن نسيان، وذكر لا عن نسيان بل عن إدامة الحفظ، وكل قول يقال له: ذكر، فمِن الذكر باللسان قوله تعالى: ﴿ وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ ﴾ [الأنبياء: 50]، وقوله: ﴿ أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا ﴾ [ص: 8]؛ أي: القرآن، ومن الذكر عن النسيان قوله: ﴿ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ ﴾ [الكهف: 63]، ومن الذكر بالقلب واللسان معًا قوله تعالى: ﴿ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا ﴾ [البقرة: 200]، وقوله: ﴿ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ ﴾ [البقرة: 198].


 


والذِّكرَى: كثرة الذكر وهو أبلغُ من الذكر، قال تعالى: ﴿ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [ص: 43]، ﴿ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الذاريات: 55]، في آي كثيرة.


 


والتذكرة: ما يتذكر به الشيء، وهو أعم من الدلالة والأمارة، قال تعالى: ﴿ فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ ﴾ [المدثر: 49]، ﴿ كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ ﴾ [عبس: 11]؛ أي: القرآن[2].


 


(سبِّحوه): التسبيح: تنزيهُ الله تعالى، وأصله المَر السريع في عبادة الله تعالى، وجُعل ذلك في فِعل الخير كما جُعل الإبعاد في الشر؛ فقيل: أبعده الله، وجُعل التسبيح عامًّا في العبادات؛ قولاً كان أو فعلاً أو نية؛ قال تعالى: ﴿ فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ ﴾ [الصافات: 143]؛ قيل: من المصلِّين، والأولى أن يحمل على ثلاثتها؛ قال تعالى: ﴿ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ ﴾ [البقرة: 30]، ﴿ وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ ﴾ [آل عمران: 41]، ﴿ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ ﴾ [ق: 40]، ﴿ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ ﴾ [القلم: 28]؛ أي: هلاَّ تعبدونه وتشكرونه، والأشياء كلها تسبِّح له وتسجد؛ بعضها بالتسخير، وبعضها بالاختيار، ولا خلاف أن السموات والأرضَ والدوابَّ مسبِّحات بالتسخير، من حيث أحوالُها تدل على حكمة الله تعالى، وقوله: ﴿ وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ﴾ [النحل: 49]، فذلك يقتضي أن يكون التسبيحُ على الحقيقة، وسجودًا على وجه لا نفقهه؛ بدلالة قوله: ﴿ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ﴾ [الإسراء: 44].


 


و(سبحان): أصله مصدر؛ نحو: غفران، والسُّبُّوح: القدوس، من أسماء الله تعالى، والسبحة: التسبيح، وقد يقال للخرزات التي بها يسبح: سِبحة[3].


 


(البُكْرَة): أول النهار، فاشتُق من لفظه لفظُ الفعل، فقيل: بكَّر فلان بكورًا إذا خرج بُكرة، والبكور المبالغ في البكور.


 


(أصيلاً): الآصال؛ أي: العشايا، يقال للعشية: أصيل وأصيلة، فجمع الأصيل: أُصل وآصال، وقال تعالى: ﴿ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ﴾ [الأحزاب: 42]، وأصل الشيء: قاعدته[4].


 


الذكر هو المنزلةُ الكُبرى التي منها يتزود العارفون، وفيها يتَّجرون، وإليها دائمًا يتردَّدون، وهو منشور الولاية الذي من أُعطيَه اتصل، ومن مُنعَه عُزل، وهو قوت قلوب العارفين التي متى فارقها صارت الأجسادُ لها قبورًا، وعمارة ديارهم التي إذا تعطَّلت عنه صارت بورًا، وهو سلاحهم الذي يقاتلون به قطَّاع الطريق، وماؤهم الذين يُطفئون به التهابَ الطريق، ودواءُ أسقامهم، متى فارقهم انتكسَت منهم القلوب، والسبب الواصل والعَلاقة التي كانت بينهم وبين علام الغيوب.


 


به يَستدفعون الآفات، ويستكشفون الكربات، وتهون عليهم به المصيبات، إذا أظلهم البلاء فإليه ملجَؤهم، وإذا نزلت بهم النوازل فإليه مَفزعهم؛ فهو رياض جنتهم التي فيها يتقلَّبون، ورؤوس أموال سعادتهم التي بها يتَّجرون، يدع القلب الحزينَ ضاحكًا مسرورًا، ويوصل الذاكر إلى المذكور، بل يدع الذاكر مذكورًا، وفي كل جارحةٍ من الجوارح عبوديةٌ مؤقتة، (والذِّكر): عبودية القلب واللسان؛ وهي غير مؤقتة، بل هم يؤمَرون بذِكر معبودهم ومحبوبهم في كلِّ حال؛ قيامًا وقعودًا وعلى جنوبهم، فكما أن الجنة قِيعان وهو غراسها، فكذلك القلوب بورٌ خراب وهو عمارتها وأساسها.


 


وهو جلاء القلوب وصقالتها، ودواؤها إذا غشيها اعتلالُها، وكلما ازداد الذاكرُ في ذكره استغراقًا، ازداد محبةً إلى لقائه للمذكور واشتياقًا، وإذا وطَّأ في ذكره قلبَه للسانه نسيَ في جنب ذِكره كلَّ شيء، وحفظ الله عليه كل شيء، وكان له عوضًا من كل شيء، به يزولُ الوَقْرُ عن الأسماع، والبكمُ عن الألسنة، وتنقشع الظلمة عن الأبصار.


 


زيَّن الله به ألسنةَ الذاكرين كما زين بالنور أبصار الناظرين؛ فاللسان الغافل كالعين العمياء والأذن الصماء واليد الشلاَّء، وهو بابُ الله الأعظم، المفتوح بينه وبين عبده ما لم يغلقه العبدُ بغفلته، قال الحسنُ البصري: تفقَّدوا الحلاوة في ثلاثة أشياء: في الصلاة، والذكر، وقراءة القرآن؛ فإن وجدتم، وإلا فاعلَموا أن الباب مغلق[5].


 


أنواع الذكر:


1- ذكر أسماء الله عز وجل وصفاته، ومدحه والثناء عليه بها؛ نحو: "سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله".


2- الخبر عن الله عز وجل بأحكام أسمائه وصفاته؛ نحو: الله عز وجل يسمَع أصواتَ العباد، ويرى مكانهم.


3- ذكر الأمر والنهي؛ كأن تقول: إن الله أمر بكذا ونهى عن كذا.


4- ذكر آلائه وإحسانه.


 


والذكر يكون بالقلب أو باللسان، وأفضل الذكر ما تَواطأ عليه القلبُ واللسان، وذكر القلب أفضل من ذكر اللسان.


 


وأفضلُ الذكر تلاوةُ القرآن؛ وذلك لتضمنه لأدوية القلوب؛ كما قال تعالى: ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا ﴾ [الإسراء: 82]، وقال ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [يونس: 57]، وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خيركم من تعلَّم القرآنَ وعلَّمَه))[6].


 


وعن ابن مسعود رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من قرأ حرفًا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول (الم) حرف؛ ولكن: ألفٌ حرف، ولامٌ حرف، وميم حرف))[7].


 


وقال خبَّاب بن الأرتِّ رضي الله عنه: "تقرَّب إلى الله ما استطعتَ، فإنك لن تتقرب إليه بشيء أحبَّ إليه من كلامه".


 


وقال عثمان بن عفان رضي الله عنه: "لو طَهرَت قلوبكم ما شبعَت من كلام ربِّكم".


 


وقال ابن مسعود رضي الله عنه: "من كان يحب أن يَعلم أنه يحبُّ اللهَ - فليعرض نفسَه على القرآن؛ فإن أحبَّ القرآنَ فهو يحب الله؛ فإنما القرآن كلام الله"[8].


 


فوائد الذكر:


روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((سبق المفرِّدون، قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: ((الذاكرون الله كثيرًا والذاكرات)).


 


فذِكر الله له فوائد كثيرة يَجنيها العبدُ الذاكر لله تعالى في دنياه وأخراه، وذكر ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه الوابل الصيب أكثرَ من سبعين فائدة للذكر؛ وهذا ملخص كلامه:


1- أنه يطرد الشيطان ويقمعه ويكسره، ويُرضي الرحمن عز وجل، ويزيل الهم والغم والحزَن، ويجلب للقلب الفرحَ والسرور.


 


2- أنه يقوي القلبَ والبدن، وينوِّر الوجه والقلب، ويجلب الرزق.


 


3- أنه يكسو الذاكر المهابةَ والحلاوة والنَّضرة، ويورثه المحبَّة؛ التي هي روح الإسلام، وقطب رحَى الدين، ومدار السعادة والنجاة.


 


4- أنه يورث المراقبةَ حتى يدخل العبدُ في باب الإحسان، ويورثه الإنابة والقرب؛ فعلى قَدْر ذكر العبد لربه يكون قربه منه، وعلى قدر غفلته يكون بُعده عنه.


 


5- أنه يورث ذكرَ الله للعبد؛ قال تعالى: ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ﴾ [البقرة: 152].


 


6- أنه يورث حياة القلب؛ كما قال ابن تيمية: الذكر للقلبِ كالماء للسمك.


 


7- أنه يورث جلاءَ القلب من صَداه، وكل شيء به صدَأ، وصدأُ القلب: الغفلة والهوى، وجلاؤه: الذكر والتوبة والاستغفار.


 


8- ومنها أنه يحطُّ الخطايا ويذهبها.


 


9- أنه سببٌ لنزول الرحمة والسكينة.


 


10- أنه سبب لاشتغال اللسان عن الغِيبة والنميمة، والفُحش والباطل.


 


11- أنه غِراس الجنة؛ كما في حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ((من قال: سبحان الله وبحمده غُرسَت له نخلةٌ في الجنة))[9].


 


12- أنَّ دوام ذِكر الربِّ تعالى يوجبُ الأمان مِن نسيانه، الذي هو سببُ شقاء العبد في مَعاشه ومعادِه؛ فإن نسيان الربِّ سبحانه وتعالى يوجب نسيانَ نفسه ومصالحِها، قال تعالى: ﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ ﴾ [الحشر: 19] الآية.


 


13- أن الذكر شفاءٌ لقسوة القلوب، قال رجلٌ للحسن البصري: يا أبا سعيد، أشكو إليك قسوةَ قلبي، قال: "أذِبْه بالذكر"، وقال مكحول: "ذكر الله شفاء، وذكر الناس داء".


 


14- أن الذكر يوجب صلاةَ الله تعالى وملائكتِه على الذَّاكر، ومن صلَّى اللهُ تعالى عليه وملائكتُه فقد أفلح كلَّ الفلاح وفاز كلَّ الفوز، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ﴾ [الأحزاب: 41 - 43].


 


15- أن الله يباهي بالذاكرين ملائكتَه.


 


16- أن جميع الأعمال إنما شُرعَت إقامةً لذكر الله عز وجل؛ قال تعالى: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾ [طه: 14]؛ أي: لإقامة ذكري، وقال شيخ الإسلام في قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾ [العنكبوت: 45]: الصحيح أن معنى الآية أن الصلاة فيها مقصودان عظيمان، وأحدهما أعظمُ من الآخر؛ فإنها تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولَمَا فيها من ذكر الله أعظمُ من نهيها عن الفحشاء والمنكر.


 


17- أن إدامتَه تنوبُ عن الطاعات وتقوم مقامها؛ حيث لا تنوب جميعُ التطوعات عن ذكر الله، وعن ابن مسعود قال: "لأن أسبحَ الله تعالى تسبيحات أحبُّ إليَّ من أن أنفق عددهنَّ دنانير في سبيل الله عز وجل".


 


18- أن الذكر يعطي الذاكرَ قوةً في قلبه وبدنه، حتى إنه ليفعل مع الذكر ما لم يظن فعله بدونه، وقد علَّم النبيُّ صلى الله عليه وسلم ابنتَه فاطمة وعليًّا رضي الله عنهما أن يسبِّحا كلَّ ليلة إذا أخذا مضاجعهما ثلاثًا وثلاثين، ويحمدا ثلاثًا وثلاثين، ويكبرا ثلاثًا وثلاثين، لما سألته الخادمَ وشكت إليه ما تقاسيه من الطَّحن والسعي والخدمة - فعلَّمها ذلك، وقال: ((إنه خير لكما من خادم))[10]، فقيل: إن مَن داوم على ذلك وجدَ قوةً في يومه تُغنيه عن خادم.


 


19- أن كثرة الذكر أمانٌ من النفاق؛ فإن المنافقين قليلو الذِّكر لله تعالى؛ قال سبحانه في المنافقين: ﴿ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [النساء: 142].


 


20- أن الذكر أفضل من الدُّعاء؛ الذكر: ثناءٌ على الله عز وجل، والدعاء سؤالُ العبد لحاجته فأين هذا من هذا، والذكر كذلك يجعل الدعاءَ مستجابًا، فالدعاء الذي تَقدَّمه الذكرُ والثناء أفضل وأقرب إلى الإجابة من الدعاء المجرد[11].


 


ومن فوائد الذِّكر أنه غذاءُ القلب والروح الذي يتقويان به، فإذا فقده العبدُ صار بمنزلة الجسم إذا حِيلَ بينه وبين غذائه.


 


قال ابن القيم رحمه الله: وحضرتُ شيخَ الإسلام ابن تيمية مرَّة صلى الفجر، ثم جلس يذكرُ اللهَ تعالى إلى قريب من انتصاف النهار، ثم التفتَ إليَّ وقال: هذه غدوتي، ولو لم أتغدَّ هذا الغداء لسقطَت قوَّتي، وقال لي مرة: أنا لا أترك الذِّكر إلا بنيَّة إجمامِ نفس أو إراحتها؛ لأستعد بتلك الراحة لذكر آخر[12].


 


قال الشيخ أبو بكر الجزائري في تفسير الآيات الكريمات:


هذا النداءُ الكريم من ربٍّ رحيم، يوجَّه إلى المؤمنين الصادقين؛ ليعلِّمهم ما يَزيد إيمانهم ونورهم، ويُحفظون به من عدوِّهم، وهو ذكر الله تعالى ذكرًا كثيرًا لا حدَّ له؛ إذ هو الطاقةُ التي تساعد على الحياة الروحية، ﴿ وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ﴾ بصلاة الصبح وصلاة العصر، وبقول: سبحان الله والحمد لله والله أكبر دبُرَ كل صلاة من الصلوات الخمس، وقوله: ﴿ هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ ﴾ وصلاتُه تعالى عليهم: رحمتُه لهم، وصلاة ملائكته: الاستغفار لهم؛ ﴿ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ﴾؛ أي: من ظلمات الكفر والمعاصي إلى نور الإيمان والطاعات، فصلاتُه تعالى وصلاة ملائكته هي سببُ الإخراج من الظلمات إلى النور، وقوله: ﴿ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ﴾ وهذه علاوة أُخرى زيادة على الإكرام الأول؛ وهو الصلاة عليهم، وأنه بالمؤمنين عامةً رحيمٌ؛ فلا يعذبهم ولا يشقيهم[13].


 


وعن أبي موسي الأشعري، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((مثَل الذي يذكر ربَّه والذي لا يذكره مثلُ الحيِّ والميت))[14]، وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يقول الله تعالى: أنا عند ظنِّ عبدي بي، وأنا معه إذا ذكَرني؛ فإن ذكَرني في نفسه ذكَرتُه في نفسي، وإن ذكرني في ملأٍ، ذكرته في ملأ خيرٍ منه))[15].


 


وعن جابر رضي الله عنه، قال: سمعت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((أفضل الذكر: لا إله إلا الله))[16].


 


وعن عبدالله بن بُسر رضي الله عنه أن رجلاً قال: يا رسول الله، إن شرائعَ الإسلام قد كثُرت عليَّ، فأخبرني بشيءٍ أتشبَّث[17] به، قال: ((لا يزالُ لسانُك رطبًا من ذكر الله))[18].


 


ورطوبةُ اللسان: عبارة عن سهولةِ جريانه، كما أن يُبسه عبارةٌ عن ضدِّه، ثم إن جرَيان اللسان: عبارة عن مداومة الذِّكر، فكأنه صلى الله عليه وسلم قال: دوام الذِّكر؛ فهو من أسلوب قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].


 


وعن أبي الدَّرداء رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا أنبئكم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مَلِيككم، وأرفعها في درجاتكم، وخيرٍ لكم من إنفاق الذهب والفضَّة، وخيرٍ لكم من أن تلقَوا عدوَّكم فتضربوا أعناقَهم ويضربوا أعناقكم؟)) قالوا: بلي، قال: ((ذكر الله تعالى))[19].



 


 


 


المصدر: إسلام ويب



Bookmarks
Digg del.icio.us StumbleUpon Google

Quick Reply
Decrease Size
Increase Size
Insert bold text Insert italic text Insert underlined text Align text to the left Align text to the centerr Align text to the right Justify text Insert quoted text Code Insert formatted PHP code Insert formatted SQL code
Colors
Insert hyperlink Insert image Insert email address
Smilies
Insert hidden text



Forum Jump: