Post: #1
|
||
ahmeddodo Joined: 07-10-2014 Posts: 2,360 Country: |
العناد بين السلبية والإيجابية العناد بين السلبية والإيجابية
بحثتُ عن معنى العِناد في المعاجم، فوجدتُ أنه مصدر "عاند"، وهو يعكس اضطرابًا وظيفيًّا عقليًّا يتميَّز بانحصاره في موضوعٍ واحد؛ "معجم اللغة العربية المعاصر"، أو هو مجانبة الحق ومُفارقته مع المعارضة والمغالبة وتصلب الرأي؛ "معجم معاني الأسماء".
ويرى علماء النفس أن العناد هو حالة مِن التعبير عن الرفض للقيام بعملٍ ما حتى لو كان مفيدًا، أو الانتهاء عن عمل ما وإن كان خاطئًا، والإصرار على ذلك وعدم التراجُع، مهما بُذلت محاولات للإقناع أو حتى الإكراه والقسْر.
والعناد يمكن تقسيمه موضوعيًّا إلى نوعين: عناد إيجابيٌّ، وهو تعبير عن التمسُّك بالحق، وقِيَم العدل، ومُقتضيات العِلم والصلابة، في مواجهة الباطل ومُقاوَمة الظلم والانحراف، متى كان هذا المعنى واضحًا جليًّا مصحوبًا بدقة الفهم، وسلامة القصد، وصحَّة وشرعية الوسائل المستخدمة في ذلك.
وربما خير مثال على هذا النوع قادة ودعاة وعلماء رفع الله شأنهم وشأن أعمالهم، وفعالهم الحميدة التي يَجري عليها وصْف العناد، ومِن ذلك إصرار الخليفة الأول "أبو بكر الصديق" - رضي الله عنه - على محاربة المُرتدِّين ومانعي الزكاة رغم معارضة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وكثير مِن الصحابة ومُراجعتهم في ذلك، حتى تبيَّن لهم أنه الحق، وحفظ الله به الإسلام ودولة المسلمين الأولى.
ومثال إصرار الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله - على الجهر "بعدم خلْق القرآن" في مواجهة المأمون والمعتزلة، وظل قامةً وهامةً وقدوةً لجميع العلماء والقضاة في التمسُّك بالشرع وحقائق العلم.
والأمثلة كثيرة على هذا النوع مِن العناد والصلابة في الحق، ومقاوَمة الباطل والعدوان، مهما كلَّف أصحابَه مِن عنَت وإيذاء، واضطهاد وحصار وتجويع، وتغريب وتشريد، ربما وصل لحدِّ التضحية بالنفس الزكية في سبيل الله ونصرة دينه ونصرة الحق وأهله.
وقد يُطلق على هذا النوع مِن العناد: عناد التصميم والإرادة، خاصةً عند الأطفال عندما تجد أحدهم يُحاول إصلاح لعبته أو إعادتها إلى حالتها الأصلية بعد تفكيكها، ويُصرُّ على ذلك مهما منعه الكبار، وهو عنادٌ وتصميم محمود يَجب تشجيعه وعدم منعه.
والنوع الثاني مِن العناد هو العناد السلبي الذي يُقاوم الحق ويجحَد الحقائق، يُصرُّ صاحبه على التمادي في الإثم والغيِّ والعدوان على مقتضيات العقل والحكمة والمنطق والموضوعية، مهما بذل معه مِن محاولات الإقناع أو الحوار، وكثيرًا ما يرفض الحلول والبدائل، حتى التقارُب والحلول الوسَط.
وبالمشاهدة والتجربة تستطيع أن تُميز بين نوعَين يَندرجان تحت العناد السلبي: عناد عقْلي، وهو ناتج عن غياب المعلومات والأحداث والوقائع والدلائل، بعكْس مَنطِق المعاند ورأيه ورؤيته، وليس لديه المصداقية في جميع ما يُطرح عليه من معلومات وحقائق، بل ويقاوم تصديقها.
والآخر هو العناد النفسي، وهو الأعمُّ الأغلب، والعناد هنا لا يقوم على منطق، ولا يسانده دليل ولا حجَّة، بل هو نزعة عدوانية، وسلوك سلبي، وتمرُّد ضدَّ الآخَرين مهما كانت علاقة المعاند بهم (آباء - أزواجًا - إخوة - أصدقاء - ذوي رحم)، تظهر معه إرادة المخالفة والتصادم وعدم الاستجابة للنصْح والتوجيه.
ومن هؤلاء ما حكاه المولى - عز وجل -: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾ [البقرة: 204 - 206].
والعناد النفسي والإصرار والممانَعة هنا يَنطلِق مِن دوافع نفسية بحتَة، قد تكون الكبر وغمْط الحق، أو الغيرة والمنافسة على المكانة والصدارة، أو محاولة تحصيل مكاسب أعلى في موقف معيَّن (العناد النفعي أو الانتهازي أو الابتزازي)، وقد تكون بدوافع تحقيق الذات والاستقلالية.
أسباب العناد ودوافعه: خَلص بعض الباحثين إلى أن أسباب العِناد تكاد تنحصر في ثلاثة أمور: 1- انعدام الثقة. 2- افتقاد الحقوق. 3- عدم إشباع الرغبات والاحتياجات.
فأي بيئة (الأسرة - مؤسَّسات العمل - المجتمع) يَسودها انعدام للثِّقة، يَكثُر فيها العناد المتبادَل بين أفرادها، ولذلك يَعرف الإداريون والتنمويون حالةً تُسمى مقاومة التغيير عند استبدال الإدارات أو إجراء عمليات إحلال وتجديد، خاصة إذا لم يَسبقْها نوع مِن التهيئة والدورات الإيضاحية لطبيعة ومرامي التغيير المنشود.
ومِن المُهمِّ جدًّا منْح أفراد الأسرة - خاصة الشباب في سنِّ المراهقة - الثِّقةَ الكافية، وإتاحة الفُرصة لهم للمُشاركة وتحمُّل الأعباء المنزلية، والمشاركة في توجيه المصروف الشهريِّ؛ مما يُقلِّل حالات التمرُّد والعناد، التي مردُّها إلى محاولة إثبات وتحقيق الذات، وإرادة الشعور بالاستقلالية.
ولا بد مِن الوقوف مليًّا مع دافع إشباع الرغبات والاحتياجات، خاصةً في حالات العناد الأسري؛ لأنه كثيرًا ما يكون خفيًّا، وفي منحى واتجاه مخالف لموضوع العناد ذاته، والعناد في هذه الحالة مجرَّد ردِّ فعل.
العناد بين الزوجين: ويُعتبَر العناد بين الزوجَين مِن أحدهما أو كلاهما أحد الأسباب الرئيسة لتفاقم المشكلات بينهما، ولا يَخفى على أحد ما يترتَّب على العناد السلبي مِن آثار نفسية وتربوية وانفعالية على الزوجين وأولادهم.
ولا شكَّ أن العلاقة الزوجية القائمة على التفاهم، والوضوح، والتضحية، والتسامح، والتجاوز عن الهفوات، والتغاضي عن الزلات - تساهم في استمرار الحياة الزوجية وقوَّتها بحبٍّ ومودَّة واحترام، أما إن قامت العلاقة بين الزوجين على الأنانية والعِناد، وتصيُّد الأخطاء والمشاجرات المستمرة على كل صغيرة وكبيرة، فإن ذلك يُسرع بتصدُّع الأسرة وتهدُّمها، ويُشتِّت شمل أفرادها، وقد يَقضي على كيانها.
والعناد السلبي بين الزوجَين يأخذ أشكالاً مُختلفة، فهناك عناد مُفتقِد للوعي والإدراك والنضْج، مثال إصرار الزوجة على شراء أشياء كمالية لا داعي لها، وظروف زوجها المالية لا تسمَح؛ مما يُورِّط الزوج في مشكلات عديدة، ويُحدِث بينهما فجوَة وشِقاقًا.
وهناك عناد مردُّه إلى الغيرة لا يقوم على أي أسباب أو دوافع منطقيَّة؛ إنما هو تصريف لمشاعر الغيرة عند المرأة أو عند الرجل، خاصة ذلك الذي يرصُد تقدُّم زوجته عِلميًّا أو مِهنيًّا أو ماليًّا، مع بقائه هو على نفس حاله ودرجته.
وهناك مِن الزوجات مَن تعتقد أن إصرارها على مواقفها يدلُّ على قوة شخصيتها، ويزيد مِن قيمتها ومكانتها عند زوجها؛ فيُحقِّق لها ما تريد، وهناك عناد اكتسبته مِن اقتدائها وتشبُّهها بوالدَيها؛ لأنهما كانا يتعاملان بهذا الأسلوب (عناد المحاكاة).
علاج العناد السلبي: صفة العناد السلبي في الإنسان تُبيِّن عدم القدْرَة على التوافق والتكيُّف مع الظروف البيئية من حوله، وافتقاده لواحد أو أكثر مِن مُقوِّمات الشخصية الإيجابية؛ كالثقة بالنفس وتحقيق الذات، أو عدم استيفاء حقوق أساسية في حياته، أو عدم إشباع رغباتٍ واحتياجاتٍ، والتي غالبًا ما تكون خفيَّة على مَن حوله.
ويرى المتخصِّصون أن العلاج لهذه الظاهرة يتمثَّل في دراسة كل حالة على حِدة، ومعرفة الأسباب التي دفعتها للعناد، ثم معالجتها.
وفي حالات العناد الأسري يُنصح الآباء والأمهات بضرورة اكتساب مهارات وطرُق التعامل اللازمة مع الأبناء، والمراهقين منهم بشكل خاص، وتزويدهم بأسلوب الثواب والعقاب في التربية الإسلامية، وتغليب أساليب الحوار مع اللطف واللين ودفء المعاملة، والمرونة في المواقف، واستخدام الإقناع المبنيِّ على المَنطِق الواقعي؛ حتى يرتقي فكْر المعاند وتَنضج انفعالاته، مع مراعاة التخفيف مِن الأوامر والنواهي والتدخُّل المُستمِر دون مبرِّر.
|
|
|
||
Bookmarks | ||||
|
|