حكم صرف تعويضات في غير ما خصصت له
[b]السؤال[/b]
أعمل بمؤسسة عمومية تخصص لها الدولة - كسائر الإدارات - ميزانية لتعويض الموظفين عن تنقلاتهم في إطار عمل المؤسسة ، غير أن مدير هذه المؤسسة يرى أن الأفضل هو صرف هذه التعويضات كتحفيز للموظفين حسب أدائهم العام دون اعتبار تنقلاتهم ، وعليه يتم تقسيم الموظفين إلى فئات ، لكل فئة مبلغ محدد
فهل يجوز لنا من الناحية الشرعية أخذ هذه التعويضات بهذا الشكل ؟
نص الجواب
الحمد لله
إذا كان مدير مؤسستكم يملك الحق – بموجب وكالته في الإدارة – أن يتصرف في بدل التنقلات على الطريقة التي يراها أصلح وأنسب ، كأن يدفعها على سبيل المكافأة والتحفيز لمن يستحقها ، لبث روح التنافس في العمل ، ورفع مستوى الأداء إلى الوجه الذي يحقق الإنتاجية الأكبر ، فلا حرج عليه في ذلك ، كما لا حرج على الموظف المستحق لتلك المكافأة في أخذها والانتفاع بها ، وذلك أن المدير موكل في تسيير أعمال المؤسسة ورعاية شؤون العاملين فيها .
أما إذا كان المدير العام مخالفا للأنظمة المعمول بها في المؤسسة ، خاصة العمومية أو الحكومية منها ، ولم يكن يملك الحق ولا الصلاحية للتصرف بتعويضات التنقلات على هذا الوجه ، فلا يحل له ذلك ، بل كل تصرف دون الأنظمة الضابطة اعتداء على المال العام ، وحرمته أعظم من حرمة المال الخاص ؛ لتعلقه بمصائر المجتمعات وحقوق الناس ، وذلك لا شك أعظم من حقوق الأفراد ، ولكل حرمته الخاصة ، وهذا يستوجب على الموظفين بذل النصيحة ورفع الأمر إلى المسؤولين إن اقتضى الأمر .
عَنْ خَوْلَةَ الأَنْصَارِيَّةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ القِيَامَةِ ) رواه البخاري (3118) .
يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" أي : يتصرفون في مال المسلمين بالباطل ، وهو أعم من أن يكون بالقسمة وبغيرها ، وفيه ردع الولاة أن يأخذوا من المال شيئا بغير حقه أو يمنعوه من أهله " .
انتهى من " فتح الباري " (6/219) .
ويقول القسطلاني رحمه الله :
" ( في مال الله ) الذي جعله لمصالح المسلمين ( بغير ) قسمة ( حق ) ، بل بالباطل ، ( فلهم النار يوم القيامة ) فيه ردع الولاة أن يتصرفوا في بيت مال المسلمين بغير حق " .
انتهى باختصار من " إرشاد الساري " (5/205) .
ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" المهم أن كل من يتصرف تصرفاً غير شرعي في المال - سواء ماله أو مال غيره - فإن له النار - والعياذ بالله - يوم القيامة إلا أن يتوب ، فيرد المظالم إلى أهلها ، ويتوب مما يبذل ماله فيه من الحرام ؛ كالدخان والخمر وما أشبه ذلك ، فإنه ممن تاب الله عليه ، لقول الله تعالى : ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ . وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ . وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ . أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ . أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ . أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ . بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ ) الزمر/53-59، وفي هذا الحديث تحذير من بذل المال في غير ما ينفع والتخوض فيه ؛ لأن المال جعله الله قياماً للناس تقوم به مصالح دينهم ودنياهم ، فإذا بذله في غير مصلحة كان من المتخوضين في مال الله بغير حق " انتهى من " شرح رياض الصالحين " (2/538) .
والله أعلم .
المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب