Post: #1
|
||
ahmeddodo Joined: 07-10-2014 Posts: 2,362 Country: |
الثبات حتى الممات بسم الله الرحمن الرحيم أيها المسلمون، إن في مسيرة السائرين إلى الله والحاثين خطاهم على منهاجه وسبيل هداه والداعين إلى دينه القويم والتمسك بصراطه المستقيم في سيرهم ومسيرهم عقبات كأداء وخصوم ألداء ولأواء وأدواء، لا يخلص منها إلا من أراد الله له الثبات. وإن المتأمل في التاريخ يرى في فترات منه غلبة الإسلام وظهوره وعز المسلمين، وفي فترات أخرى يرى انحسار مده وهيمنة غير المسلمين، ويرى ضعفا داخليا وهوانا خارجيا وتداعيا من الأمم وتسلطا من الكفار، كما هو واقع هذه الحقبة من الزمن، حتى إنه ليكاد يتسلل اليأس والإحباط إلى نفوس بعض المسلمين. ويتساءل الحائر: ألم يكتب الله العزة والنصرة لهذه الأمة والصغار والذلة على الكافرين؟! وينسى هذا المتسائل قول الله عز وجل: الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا [الملك:2] وما يماثلها من الآيات الكريمة التي تبين أن هذه الدار دار ابتلاء وامتحان للمؤمنين، وليست دار جزاء وخلود، وأن الأيام دول، والدهر قلب، وأن الفوز والفلاح ليس بتحصيل الرخاء فحسب، وإنما عملك في الشدة والرخاء والمنشط والمكره، ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم [محمد:31]، وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيرا [الفرقان:20]، ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض [محمد:4]، يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: "إن في تمكين أهل الكفر والفسوق إيصال أولياء الله إلى الكمال الذي يحصل لهم بمعاداة هؤلاء وجهادهم والإنكار عليهم، والموالاة فيه والمعاداة فيه، وبذل نفوسهم وقواهم له... ـ إلى أن قال: ـ فلولا خلق الأضداد وتسليط أعدائه وامتحان أوليائه لم يستخرج خاص العبودية من عبيده، ولم يحصل لهم عبودية الموالاة فيه والمعاداة فيه، والحب فيه والبغض فيه، والعطاء له والمنع له". أيها الأخ المبارك، وإذا كان قدر الله لجيل من الأمة أن يعيشوا في مرحلة من ضعفها وفترة من فتورها وظهور غيرها عليها، فإن المتعين التعلق بما يثبتها على دينها؛ لأن الإسلام في زمان قوته كفيل بذاته في ثبات أهله، أما في زمن الانكسار وعهد الانحسار فهذا هو زمن الابتلاء الذي يميز الله فيه الخبيث من الطيب والصادق من الكاذب والمؤمن من المنافق، وكلما زاد الضعف وكثرت الفتن استطال عنق النفاق وظهر المنافقون، وربما جاهروا في قلوبهم، وأظهروا خفايا صدورهم. وإليك ـ أخي الكريم ـ أسبابا تعينك بعد الله عز وجل على الثبات على دين الله حتى تلقاه: أولا: تجديد الإيمان بهذا الدين، وملأ القلب منه باليقين. نعم، اليقين التام بصدق وأحقية ما نحن عليه، والإيمان الجازم بصواب ما نعتقده، فمن امتلأ قلبه إيمانا بعقيدته وقناعة بصحة منهجه لم تزعزعه الخطوب، ولم تثنه الكروب، وهذا هو موقف النبي في دعوته حين حاربه الأقارب قبل الأباعد وطورد وشرد وحوصر وقوطع وطلب للقتل واجتمع عليه الأحزاب، لكن ذلك لم يثنه عن مراده حتى بلغ دين الله، وكذلك كان أصحابه رضوان الله تعالى عليهم، قيدوا بالحديد، وقطعت أجساد بعضهم، وصلب آخرون، وأوذوا، ومستهم البأساء والضراء، وزلزلوا، فلم يزدهم ذلك إلا صلابة في دينهم، وثباتا على منهجهم، وصدقا في سيرهم إلى الله حتى لقوا ربهم على ذلك، من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا [الأحزاب:23]. وهذا نتاج الإيمان واليقين والقناعة والتصديق والثقة بما هم عليه، وكذلك كان السلف الصالح بعدهم، ويكفيك مثالا ثبات الإمام أحمد رحمه الله عند الفتنة، وما ذاك إلا بالعقيدة الراسخة بما يؤمن به من صواب، أما أهل الخور والشك وضعيفو الإيمان فهم الذين إذا أصابتهم مصيبة رجعوا على دينهم باللائمة، يقلبون بحيرة في ثوابته، ولو كانوا يعقلون لتفقدوا أنفسهم كيف يدينون، ولعلموا أن دين الله كامل، وأن لا صلاح حقيقة بغيره في كل زمان ومكان، بلا استثناء ولا تجزئة، اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا [المائدة:3]، ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين [آل عمران:85]. إلا أن النقص يحصل من أحد أمرين: إما عجز وجهل عن تطبيقه التطبيق الصحيح، أو لأجل شهوة وهوى يمنعان إرادة التطبيق في أي تفاصيل الحياة مهما صغرت أو كبرت، وعلى هذين المركبين: الجهل والهوى أسرج بعض المنافقين بغالهم، فشدوا على الإسلام وأهله، وأظهروا مكنون صدروهم وما كانت تخفي قلوبهم، في وقت أحوج ما تكون فيه الأمة إلى تثبيتها على دينها والمحافظة على إسلامها وهويتها وتماسكها ووحدتها. إن المجتمع بجميع طبقاته بحاجة إلى إعادة الاهتمام بتقرير أساس هذا الدين، من عقيدة وتوحيد ودعوة إلى تبصير الأمة وتوجيهها، بإرساء قضايا الإيمان بالله وشريعته بعيدا عن مظاهر الغلو والتطرف أو التساهل والتميع المفضي إلى الإرجاء أو بعض صوره . إن ترسيخ معاني الإيمان والاعتقاد واليقين والثقة ينتج العمل الصالح والولاء لهذا الدين والصبر عليه والثبات حتى الممات، مهما عصفت الفتن أو ادلهمت الخطوب، ولقد مرت بديار الإسلام أزمات شديدة ونكبات عديدة، انتهت فيها الخلافة الراشدة، وسقطت الدولة الأموية والعباسية وغير ذلك، ومع كل هذا فلم يورث ذلك في نفوس المسلمين شكا في عقيدتهم، ولم تدفعهم إلى التطلع إلى ما عند أعدائهم من أفكار ومبادئ وأساليب حياة وأنماط سلوك تخالف شريعتهم ويأباها دينهم، ولم يروا الحق إلا في دين الله عقيدة وسلوكا ونظام حياة، وهذا هو معنى الاستعلاء في قول الله عز وجل: ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين [آل عمران:139] أي: أن العزة والعلو بالإيمان والثبات عليه، لا بالغلبة والظهور. ثانيا: الاعتصام بالكتاب والسنة والتمسك بما فيهما واتباع هديهما، وحسبك في ذلك قول النبي : ((تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا أبدا: كتاب الله وسنتي))، وقول الله عز وجل: فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر [النساء:59] أي: الاحتكام إلى الكتاب والسنة . ثالثا: الاقتداء بسلف الأمة من الصحابة ومن سار على نهجهم، وفي طليعتهم الخلفاء الراشدون: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين، ففي السنن بسند صحيح: ((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ)). رابعا: الالتفاف حول العلماء الصالحين والدعاة الصادقين الذين عرفوا بنصحهم وسلامة منهجهم، فإنهم ورثة الأنبياء ومصابيح الدجى، أهدى الناس طريقا، وأقربهم من الله توفيقا، فاجعل العلماء الربانيين لك صحبا ورفاقا. خامسا: لزوم جماعة المسلمين وإمامهم واعتزال الفتنة، وهذه وصية النبي لحذيفة كما في الحديث المتفق عليه، قال: كان الناس يسألون رسول الله عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني. فقلت: يا رسول الله، إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: ((نعم))، قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: ((نعم، وفيه دخن))، قلت: وما دخنه؟ قال: ((قوم يهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر))، قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: ((نعم، دعاة إلى أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها))، قلت: يا رسول الله، صفهم لنا، فقال: ((هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا))، قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: ((تلزم جماعة المسلمين وإمامهم))، قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام، قال: ((فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك)). كما أن التثبت في الأخبار والنقل وترك الشائعات وهجر الخوض فيما لا يعني مطلوب في كل وقت، وتعظم الحاجة لحفظ اللسان وصيانة السمع والتثبت في حال الفتنة، وكفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع. سادسا: دعاء الله وسؤاله والإلحاح عليه بطلب الثبات، فلا غنى للعبد عن ربه، وفي الحديث الصحيح: كان أكثر دعاء النبي : ((يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك))، فقيل له في ذلك، فقال: ((إنه ليس آدمي إلا وقلبه بين أصبعين من أصابع الله، فمن شاء أقام، ومن شاء أزاغ)). سابعا: كثرة ذكر الله تعالى، فللذكر أسرار عجيبة، يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون [الأنفال:45]. اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين، اللهم انصر من نصر هذا الدين، واخذل الطغاة والملاحدة والمفسدين والمنافقين، يا رب العالمين. أما بعد: فيا عباد الله، إن من كمال شريعة الإسلام إيجابها وافتراضها على المسلمين اجتماع كلمتهم ولزوم جماعتهم وإمامهم؛ ليكونوا كالجبال الرواسي أمام رياح الفتن والشدائد، وليحافظوا على دينهم من التغيير والتبديل، وليحافظوا على مصالح دنياهم التي هي قوام حياتهم، فعن العرباض بن سارية قال: وعظنا رسول الله موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله، كأنها موعظة مودع فأوصنا، قال: ((أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة)) رواه أبو داود والترمذي وقال: "حديث حسن صحيح". ومن أعظم ما نهى عنه الإسلام الخوض بالباطل في الأحداث والفتن، قال الله تعالى: ولا تقف ما ليس لك به علم [الإسراء:36]، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : ((إياكم والفتن؛ فإن اللسان فيها كوقع السيف)) رواه ابن ماجه. فالواجب على المسلم أن يكف يده ولسانه عما حرم الله عز وجل وقت كثرة القيل والفتن. ونحذر المسلمين عامة وشبابنا خاصة من التأثر بالشائعات الكاذبة والأراجيف المغرضة والأفكار الوافدة الهدامة التي تنشر عبر الفضائيات وعبر شبكة المعلومات، والتي تستهدف الطعن في الدين والأخلاق، وتبث الفرقة والاختلاف والخوف والهلع والجزع، وتقدح في الولاة والعلماء، فالعلماء والولاة إذا صلحوا صلح الناس، فيدعى لهم بالصلاح والخير، ولا يدعى عليهم، ويعانون على مهمتهم الكبيرة، فيعان ولاة الأمور على تنفيذ الشريعة ورعاية المصالح، ويعان العلماء على بيان الشريعة وتفصيل أحكامها والقيام بما وكل إليهم من أمور الشريعة ومصالح الناس. واعتصموا ـ عباد الله ـ بالصبر واليقين، كما نحذر بعض الشباب المغرر بهم من القيام بأعمال تخريبية محرمة تضر ببلادهم، يدفعون إليها بمكر ماكر أو بحماقة حاقد أو اجتهاد سفه من أشخاص، وإن لبسوا لباس الدين للوصول إلى منافعهم الشخصية، فتزهق نفوس آمنة، وتراق دماء محرمة. وعلى الأمة كلها حكامها وعلمائها وشعوبها أن تكون يدا واحدة أمام التحديات التي تهدد كيانهم. أيها المسلمون، اشكروا نعم الله عليكم الظاهرة والباطنة، وحاسبوا أنفسكم قبل العرض على الله، واعملوا الخيرات في الرخاء يتول الله أمركم في الشدائد والمحن، والزموا التوبة في كل حال من جميع الذنوب يدفع الله عنكم المكروهات والكربات، قال الله تعالى: وإنى لغفار لمن تاب وامن وعمل صالحا ثم اهتدى [طه:82]. وعليكم بالدعاء الخالص ـ أيها المسلمون ـ أن يكشف الله الكربات عن هذه الأمة، وأن يوفق المسلمين عامة لما يحب ويرضى وأن يخذل أعداء الإسلام ويجعل كيدهم في نحورهم، ويخالف بين كلمتهم، ويكف شرهم دائما، وتحروا أوقات الإجابة، فإن الأمر كله لله، فقد وصف النبي الفتن فقال فيما روي عنه: ((استقبلوا بالدعاء أمواج البلاء))، وفي الحديث: ((الدعاء مخ العبادة)). عباد الله، جددوا التوبة في كل وقت وحين، فذلك هو العدة لكل شدة، وصلوا على نبي الهدى ورسوله المصطفى، كما أمركم الله بذلك في قوله: إن الله وملائكته يصلون على النبى ياأيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما [الأحزاب:56]، وقد قال : ((من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرا)). اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين... |
|
|
||
Bookmarks | ||||
|
|