[b]بسم الله الرحمن الرحيم
عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، قال الألباني:
(صَحِيح)، مشكاة المصابيح (1/ 509).
في الحديث جملة من الفوائد والمسائل الهامة، موجز أهمها فيما يلي:
1- بيان فضل كلمة التوحيد (( لا إله الا الله )).
2- استحباب ختم الإنسان حديثه بهذه الكلمة العظيمة، خصوصا اذا نوى الصمت وعزم عليه، وليجعلها آخر حديثه، فالعبد لا يدري ما يعرض له، ومن أهم مواطن هذا الأمر؛ كل موطن يخشى العبد هلاك نفسه فيه، وإذا آوى الى فراشه فقد تكون نومته الأخيرة فيلقى الله بها.
3- تكفير الأعمال والأقوال الصالحة لصغائر الذنوب، كما قال الحق جل
وعلا: (ان الحسنات يذهبن السيئات).
4- أن هذه الكلمة العظيمة لا تغني العبد عن مظالمه شيئا، ولعل المعنى انه يستحق الجنة ولكن بعد استيفاء ما عليه من حقوق للعباد.
قال ابن بطال رحمه الله: ( قال المهلب: لا خلاف بين أئمة المسلمين أنه من
قال: لا إله إلا الله، ومات عليها أنه لابد له من الجنة، ولكن بعد الفصل بين العباد ورد المظالم إلى أهلها) أهـ. شرح صحيح البخاري لابن بطال (3/ 236).
5- وجوب صون اللسان عن قول الباطل او الدعوة اليه او الدلالة عليه، وجعلها رطبة عامرة بذكر الله والدعوة الى دينه، حتى يوفق العبد الى هذه الكلمة عند مماته.
قال العلامة الصنعاني رحمه الله: (ولا يوفق لقولها إلا من كانت أعماله صالحة من قبل ذلك) أهـ، التنوير شرح الجامع الصغير (10/ 367).
6- ان العبد مثاب او معاقب على أقواله كما هو الحال في أفعاله، ولعل الأقوال أشد كما صرحت بذلك نصوص الكتاب والسنة.
7- ان من علامات صلاح العبد؛ خاتمته الحسنة.
8- استحباب نشر البشارة الطيبة بين المسلمين، خصوصا اذا ترتب على نشرها سعيهم الى الخير والتنافس عليه.
9- استحباب تلقين المحتضر هذه الكلمة العظيمة حتى يختم له بها فيفوز بهذه البشارة العظيمة، وفي الحديث الصحيح: «لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ». رَوَاهُ مُسْلِم، والمراد بالميت هنا المحتضر لا من فارق الحياة.
قال الشيخ الألباني رحمه الله: (والمراد بـ (موتاكم) من حضره الموت، لأنه لا يزال في دار التكليف، ومن الممكن أن يستفيد من تلقينه فيتذكر الشهادة ويقولها، فيكون من أهل الجنة.
وأما تلقينه بعد الموت، فمع أنه بدعة لم ترد في السنة فلا فائدة منه لأنه خرج من دار التكليف إلى دار الجزاء، ولأنه غير قابل للتذكر، (لتنذر من كان حيا) أهـ. سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها (1/ 838).
قال النووي رحمه الله: (مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَالْأَمْرُ بِهَذَا التَّلْقِينِ أَمْرُ نَدْبٍ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى هَذَا التَّلْقِينِ وَكَرِهُوا الْإِكْثَارَ عَلَيْهِ وَالْمُوَالَاةَ لِئَلَّا يَضْجَرَ بِضِيقِ حَالِهِ وَشِدَّةِ كَرْبِهِ فَيَكْرَهُ ذَلِكَ بِقَلْبِهِ وَيَتَكَلَّمُ بِمَا لَا يَلِيقُ قَالُوا وَإِذَا قَالَهُ مَرَّةً لَا يُكَرِّرُ عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يَتَكَلَّمَ بَعْدَهُ بِكَلَامٍ آخَرَ فَيُعَادُ التَّعْرِيضُ بِهِ لِيَكُونَ آخِرَ كَلَامِهِ) أهـ. شرح النووي على مسلم (6/ 219).
والذي يظهر ان قول لا إله الا الله، دون شهادة ان محمدا رسول الله، كافية للمؤمن، بخلاف الكافر فلابد ان يقول الشهادة كاملة، وان قالها المؤمن كاملة فحسن.
قال المباركفوري – رحمه الله – في مرعاة المفاتيح (5/ 308): (قال في
المجموع: يذكر عند المحتضر لا إله إلا الله بلا زيادة عليها فلا تسن زيادة محمد رسول الله لظاهر الأخبار وقيل: تسن زيادته لأن المقصود بذلك التوحيد، ورد بأن هذا موحد، ويؤخذ من هذه العلة ما بحثه الأسنوي: أنه لو كان كافراً لقن الشهادتين وأمر بهما) أهـ.
10- ان الكافر متى نطق بشهادة التوحيد مؤمنا بها، ثم مات على
الفور؛ استحق الجنة، وان لم يأت بشيء غيرها.
11- أن الجنة دار الموحدين، ومن مات على غير التوحيد فلا مكان له
فيها، مهما كان عمله او سعيه، كما دلت على هذا نصوص الكتاب والسنة.
12- أن أهل التوحيد والإحسان في الدنيا هم أهل التكريم في الآخرة.
13- أن الإيمان قول وعمل ونية، فمتى ما ثبت العبد في حياته على
التوحيد الصحيح بقوله وعمله الخالص لله، الخالي من أدران الشرك ومحبطات العمل، لقي ربه بهذه الكلمة العظيمة التي يودع الدنيا بها لتكون كالخاتم على أعماله وأقواله.
[/b]
والحمد لله رب العالمين
صيد الفوائد