الفرق بين (كُره) و(كَره)
د. صلاح الخالدي
.................
كلمتان متقاربتان في البناء والتركيب والحركات، ومتقاربتان أيضاً في المعنى.
الكُره: مشقّة مرغوبة، وردت كلمة الكره بضم الكاف في القرآن الكريم ثلاث مرات:
الأولى: في تكليف القتال الشاق: قال الله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [سورة البقرة، الآية: 216]. فتكليف القتال شاق على النفس، ولكن النفس المؤمنة ترغبه وتطلبه رغم مشقته وصعوبته، لذلك وصف بأنه (كُره) بضم الكاف، أي ثقيل وشاق، ولكنه مرغوب ومطلوب مراد للمجاهدين الصادقين، وذلك لثماره الإيجابية في الدنيا والآخرة.
الثانية والثالثة: في قوله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [سورة الأحقاف، الآية: 15]. إن حمل المرأة شاق صعب متعب مرهق، يضعف جسمها، ويؤثر في أعصابها ونفسيَّتِها، وقد يصيبها بالأمراض أو تودي بحياتها. وقل مثل هذا في آلام المخاض، وأوجاع الطلق، ومشقة الولادة. لكن وعلى الرغم من هذا، ألا ترغب المرأة في الحمل والإنجاب، وتستعذب هذه المشاق، وتطلب الحمل وتريده!! ولهذا عبَّر القرآن الكريم عن حملها ووضعها بأنه (كُره) أي مشقة وصعوبة وثقل، فيه آلام وأوجاع وأخطار، لكنه مرغوب ومطلوب لدى المرأة، مقرونة باللذة والشوق، فسبحان من جعل الحمل والإنجاب حاجة فطرية في كل امرأة سليمة سوية لتستمرَّ الحياة!!
أما الكَره: بفتح الكاف فقد وردت في القرآن الكريم خمس مرات، بمعنى: الإكراه والإجبار والقسر، قال الله تبارك وتعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِين} [سورة فصلت، الآية: 11]. وقال عز وجل: {وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ} [سورة الرعد، الآية: 15]. وقال تعالى: {أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا} [سورة آل عمران، الآية:83] فالأرض والسماء أمرتا أن تأتيا طوعاً أو رغماً عنها.
والكافر أسلم لله رغم أنفه، وهو كاره رافض، لذلك اعتبر استسلامه (كرهاً) بفتح الكاف. ويسجد لله مكرهاً مجبراً، وليس هكذا استسلام المؤمن لله، ولهذا وصفه القرآن الكريم بأنه (طوعاً) وجعله مقابلاً ومضاداً لاستسلام الكافر وخضوعه الجبري لله تبارك وتعالى. حتى إنفاق المنافقين لأموالهم رغم أنوفهم، إنفاق بسبب القسر والإكراه، وذلك لأنهم يريدون به التمويه على المسلمين، ولهذا وصف الله إنفاقهم بأنه (كَره) وأمرنا أن نقول لهم: {قُلْ أَنفِقُواْ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ} [سورة التوبة، الآية: 53].
ونهى القرآن الكريم عن وراثة المرأة كالمتاع والأثاث فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا} [سورة النساء، الآية: 19]. فقد كان الجاهلي إذا مات أبوه، ورث أمواله ومتاعه، ومن جملة ما يرث زوجة أبيه، فنهى الله تعالى عن هذا التصرف الجاهلي البشع وحرَّمه عليهم، والمرأة ترفض هذا التصرف وتكرهه، لأنه إجبار وقسر لها ولذا سماه الله تعالى في القرآن الكريم (كَرهاً) بفتح الكاف. وقال الإمام الراغب الأصفهاني: "الكَرْه: المشقة التي تنال الإنسان من خارج، فيما يُحمَلُ عليه بإكراه والكره: ما يناله من ذاته، وهو يعافه".