Post: #1
03-10-2016 11:15 (This post was last modified: 03-10-2016 12:51 by Onyx)
|
||
ahmeddodo Joined: 07-10-2014 Posts: 2,360 Country: |
تفسير قول الله تعالى تفسير قول الله تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [البقرة: 94]
بسم الله الرحمن الرحيم قول الله تعالى ذكره: ﴿ قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ * وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة: 94 - 96]. لليهود المغضوب عليهم دعاوى كثيرة كلها كذب وبهتان، أخزاهم الله بإبطال دعاويهم، وردهم عليها ردًّا ألبسهم ثوبًا من الفضيحة والعار، لن يبليه كر الأيام والليالي، فمن دعاوى هذه الأمة الغضبية أنهم أولياء لله من دون الناس، وأنهم أبناء الله وأحباؤه، فأكذبهم الله فيها، وعلم رسوله صلى الله عليه وسلم وكل من يقوم لله بالحجة مِن وَرَثة هذا الرسول على أمة القردة والخنازير - أن يقولوا لهم: ﴿ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ ﴾ [المائدة: 18]، ومن بهتانهم قولهم: ﴿ لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا ﴾ [البقرة: 111]، ﴿ لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَة ﴾ [البقرة: 80]. زعمًا منهم أن مجرد الانتساب إلى إسرائيل، ومجرد دعوى العلم والدين، ولباسهما ثيابًا ظاهرة، واتخاذهما أحبولة لأكل أموال الناس بالباطل - زعمًا منهم أن ذلك ضمان عند الله بدخول الجنة، بل لقد أوغلوا في الغرور والكبرياء بالباطل، فزعمت لهم شياطينهم أن الجنة حرام على غير اليهود، وأنها لم تخلق إلا لهم وحدهم، وأن أحدًا من السابقين واللاحقين لن يجد رائحتها إلا من كان على مثل بَغيهم وفسوقهم، وتمرُّدهم على الله، واتخاذ دينه هزوًا ولعبًا، وقراطيس يبدون منها ما يشاؤون ويخفون منها ما يشاؤون، اتباعًا للهوى وصدًّا عن سبيل الله، وسعيًا إلى السحت الذي يشترون به آيات الله. وأنهم ليدعون هذه الدعاوى بألسنتهم تبجحًا وتوقحًا ومكابرة، ومحاولة أن يستروا عن الناس سَوْءَاتهم البادية في أعمالهم وأخلاقهم التي كلها خبث ولؤم ومكر سيئ، وعبادة لعجل الذهب عبادة ملكت عليهم كل مشاعرهم، وتغلغلت في كل خلية من خلايا جسمهم، وضحوا على مديحها بكل أمن وسلام للإنسانية المعذبة بهم. إنهم ليدعون هذه الدعاوى أنهم ﴿ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ ﴾ [الجمعة: 6]، وأن لهم الدار الآخرة وما فيها من نعيم خالص من دون الناس، و﴿ لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا ﴾ [البقرة: 111]، ﴿ لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً ﴾ [البقرة: 80]، يدعونها بألسنتهم، وقلوبهم تُوقن اليقين كله أنهم أعداء الله وأعداء لرسله، وكل قائم له بالقسط من دون الناس، وأن لهم في الدنيا الخزي والذلة والصغار والمسكنة، والكراهية من كل عباد الله، ولهم في الآخرة أشد العذاب نكالًا وأعظمه هوانًا، وهم أشد الناس صليًّا للنار، وأكثرهم وقودًا لها، وأنهم لن يريحوا رائحة الجنة؛ لأنها حرام على كل خبيث. هذا الذي أقره الله في دخائل نفوسهم وسجله على صفحات قلوبهم، فهم يوقنون به أشد اليقين؛ لذلك هم أشد الناس حرصًا على الحياة الدنيا، واستمساكًا بحبالها، فما تجد في رأس أحدهم ذرة فراغ منها للآخرة، بل إنهم ليسدون على الدار الآخرة كل منافذ تفكيره؛ لأنهم يمقتونها أشد المقت، ويكرون ذكرها، وكل طريق يوصل إليها؛ لأنهم يوقنون في قرارة نفوسهم أن أيديهم إنما قدمت لهذه الدار الآخرة حطب جهم، وبنت في الدار الآخرة أكثر ما استطاعت من سجونها وصنعت من سلاسلها وأغلالها؛ إذ يقول يومئذ قائلهم: ﴿ مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ ﴾ [الحاقة: 28، 29]، والله أعلم بما استقر في نفوسهم من ذلك اليقين، فعلم رسوله صلى الله عليه وكل من يقوم من بعده من ورثته الحجة على أمة اليهود وأشياعهم، ممن وافقوهم في كل شيء وخالفوهم في الأسماء فقط، علَّمهم الله أن يكشفوا عن مخازي أولئك المغرورين المحاولين أن يخدعوا الناس، ويوهموهم أنهم صالحون بررة، علمهم الله أن تلك المرقعات من بسبسة وتمتمة وغمغمة وهمهمة وطقطقة بالمسابح، وتسريح لطويل اللحى، وتوسيع للأكمام والأردان وتكوير للعمائم، وتنسيق للقول وترصيع للكلام، وتكثير للهمج من حولهم والرعاع أتباع كل ناعق؛ يحاولون بكل هذه الأشياء أن يوهموا الناس أنهم على شيء من العلم والدين والبر وتقوى الله، ليتخذوهم سادة ورؤساء، فيستغلوا هم تلك المشيخة والسيادة والرياسة في إشباع نهماتهم من شهوات البطون والفروج. علم الله رسوله صلى الله عليه وسلم ومن يقوم بوراثته أن يتحدى أولئك الأدعياء ويقول لهم: ﴿ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [البقرة: 94]، ويقول في سورة الجمعة: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [الجمعة: 6]، فإن من يثق أنه سيلقى في دار أو بلد من الأحبة والأصدقاء، ومن سعادة العيش وراحته وهناءته - خيرًا مما يجد في الدار والبلد الذي هو فيه، فإنه لا بد مسارع إلى التحول من تلك الدار والبلد إلى الدار والبلد التي يوقن أنه سيلقى فيها راحة العيش وسعادته، ولن يتأخر عن ذلك إلا مكرهًا. وها أنتم تسافرون الأسفار الشاقة الطويلة، وتفارقونه الأهل والولد، وتتجرعون مرارة الغربة في سبيل ما ترجونه من تلك الأسفار من ثمرات مادية، قد لا تكونون على يقين منها، ولكن غلب الظن بذلك، وها أنتم ترون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا، جاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله، واشترى الله منهم أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله، فيقتلون ويقتلون، وحين يسمعون الداعي إلى الجهاد يلبون سراعًا في سرور وفرح، رجاء أن ينالوا الشهادة، فينعموا بلقاء الله الذي رضي عنهم ورضوا عنه، وأحبهم وأحبوا لقاءه: ﴿ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 171]، ﴿ وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 22]، مؤمنين إيمانًا قويًّا؛ يقول ربهم: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ *تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الصف: 10 - 13]، وفي الحديث: من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه. لكن اليهود وأشياعهم من عبَّاد العجل الذهبي، أشد الناس جبنًا وأكثر الناس مداهنة، ورياءً ونفاقًا، وأحرص الناس على رضا الناس؛ طلبًا لما في أيديهم، وابتغاء المثوبة والعطاء من متاعهم القليل، وأشد الناس غفلة عن الله ونسيانًا له، وبُعدًا عن رحمته وفضله، اعتقادًا أنه فقير قد استنفذ الناس ما في خزائنه، فيداه لذلك مغلولتان بهذا الفقر عن العطاء - تعالى ربنا عن ذلك علوًّا كبيرًا - فلا ثقة لهم بالله ولا بمثوبته وعطائه، لذلك فروا من الله الغني الحميد، وولوا وجوههم وقلوبهم شطر الإنسان الفقير، يعكفون على بابه ليلًا ونهارًا، ويتزلفون إليه بارتكاب أحسن الأخلاق والأعمال، ويتملقونه بكل لون، وتأبى نفوسهم الحقيرة أن تتشرف بالذل لله القاهر فوق عباده، وطلب الزلفى إليه سبحانه ولو ساعة من ليل أو نهار. والعجيب جدًّا أنهم يقولون بألسنتهم: آمنا بالله واليوم الآخر، فما أكذبهم في القول، وما أبعد ألسنتهم عن قلوبهم، وما أشد مقت الله للذين يقولون ما لا يفعلون، وآية مقته لهم أن فضحهم وأخزاهم بقوله لنبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا ﴾[البقرة: 95]، أكد النفي وأيده، وذلك: ﴿ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ﴾ [البقرة: 95]، بما كسبوا من أسوأ الأعمال التي سجل عليهم بعضها في الآيات السابقة من سورة البقرة وغيرها: ﴿ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ﴾ [البقرة: 95]، لا يخفى عليه من أعمال فسوقهم وتلاعبهم بدينه، وتحريفهم لآياته - لا يخفى عليه من ذلك شيء، بل أحصاه عليهم في كتاب لا يترك صغيرة ولا كبيرة، وقال في سورة الجمعة: ﴿ وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ﴾ [الجمعة: 7]. ثم قال لنبيه صلى الله عليه وسلم ولكل قائم ورائه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمحاجة هذه الأمة وأشياعها، مقررًا لكذب دعواهم وبهتانهم: ﴿ وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ ﴾ [البقرة: 96]، وأشد الناس تمسكًا بأهداب هذه الحياة وفرارًا من الموت الذي يقدمهم على الله يحاسبهم ويجزيهم بما قدمت أيديهم؛ ﴿ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا ﴾ [البقرة: 96]، وهم أشد حرصًا على الحياة من الذين أشركوا من العرب وغيرهم من عبدة الأوثان، ولم يدعوا ما ادعت اليهود من أنهم أهل العلم والدين والمعرفة بالله والدار الآخرة، فهم أشد توغلًا في لعنة الله وغضبه وعذابه، وأبعد عن رحمته وفضله من الذين أشركوا، لما أقام الله عليهم من الحجة التي حجبوها بأهوائهم، واحتالوا للخروج منها بغيًا من عند أنفسهم، وهكذا كل من يعطيه الله نعمة العلم والكتاب، فيقلبها بفسقه عن العمل والاتباع والطاعة نقمة هو شر من الذي لم يؤت ذلك؛ ﴿ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ ﴾ [المائدة: 60]. ثم صور الله تعالى طول أملهم الكاذب في الحياة وشدة حرصهم عليها؛ إذ قال: ﴿ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ ﴾ [البقرة: 96]، أحد اليهود الذين هم أحرص الناس على حياة: ﴿ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ ﴾ [البقرة: 96]، لو يعطى من العمر ما يعيش به على وجه الأرض ألف سنة، وليس المراد التحديد بهذا العدد، وإنما المراد التكثير، وإلا فهم كإمامهم وسيدهم الشيطان يودون لو يعمروا إلى يوم يبعثون؛ ﴿ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ ﴾ [البقرة: 96]، بصارفه ومنقذه ومنجيه ومبعده؛ ﴿ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ ﴾ [البقرة: 96]، فإنه مهما عمر أحدهم حتى لو عاش إلى آخر الدهر، فسيلقى الموت الذي طالما فر منه، ثم يلقى الله الذي طالما أغضبه وأسخطه وحاربه وعصاه؛ قال تعالى في سورة الجمعة: ﴿ قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [الجمعة: 8]. ألا فليحذر الذين يعقلون من حب الدنيا، والحرص على الحياة فيها، والتعلق بحبالها الواهية، والتمسك بأسبابها المنقطعة، فما يجنون منها إلا ما وصف الله من حال أولئك اليهود - ويا شر ما يجنون - وليحرصوا على الدار الآخرة وتعميرها بصالح الأعمال في طاعة الله ورسوله وابتغاء مرضاته، وليبيعوا أنفسهم لله، لينقذوها من شر ما أوقعها فيه أولئك المذكورين من الآيات، وليفتش كل عاقل في نفسه، فإن وجد فيها شيئًا من تلك الخلال اليهودية، فليبادر إلى غسل قلبه وتطهير نفسه منها، ويستغفر ربه إنه كان غفارًا. اللهم تب علينا واغفر لنا، إنك أنت الغفور الرحيم، واهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئ الأخلاق لا يصرف عنا سيئَها إلا أنت، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم. الالوكة |
|
|
||
Post: #2
|
|
ahmeddodo Joined: 07-10-2014 Posts: 2,360 Country: |
تفسير قول الله تعالى تفسير آية (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم) قال الله عز وجل: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ [1] أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [المائدة: 105].
قال ابن كثير رحمه الله تعالى: يقول تعالى آمرًا عباده المؤمنين أن يُصلِحوا أنفسهم ويفعلوا الخير بجُهدِهم وطاقتهم، ومخبرًا لهم أنه من أصلح أمره لا يضرُّه فسادُ مَن فسد من الناس، سواء كان قريبًا منه أو بعيدًا، قال ابن عباس في تفسير هذه الآية: يقول تعالى: إذا ما العبد أطاعني فيما أمرتُه به من الحلال، ونهيتُه عنه من الحرام، فلا يضرُّه من ضل بعدُ، إذا عمل بما أمرته، وهكذا قال مقاتلُ بن حيان؛ فقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ ﴾ [المائدة: 105] نُصِب على الإغراء، ﴿ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ... ﴾ [المائدة: 105]؛ أي: فيُجازي كلَّ عامل بعمله؛ إنْ خيرًا فخير، وإنْ شرًّا فشر.
وليس فيها دليلٌ على ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا كان فِعلُ ذلك ممكنًا، وقد قام أبو بكر الصديق رضي الله عنه فحمِدَ الله وأثنى عليه، ثم قال: أيُّها الناس، إنكم تقرَؤون هذه الآية: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ... ﴾ [المائدة: 105]، وإنَّكم تضَعونها في غير موضعها، وإني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الناس إذا رأَوُا المنكر ولا يغيِّرونه، أوشك أن يعمَّهم الله بعقابه))[2].
وقال ابن جرير: تلا الحسَنُ هذه الآية: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ... ﴾ [المائدة: 105]، فقال الحسن: الحمدُ لله بها، والحمد لله عليها، ما كان مؤمنٌ فيما مضى ولا مؤمن فيما بقي إلاَّ وإلى جنبه منافقٌ يَكرَه عمله.
وقال سعيد بن المسيَّب: إذا أمرتَ بالمعروف ونهيتَ عن المنكر، فلا يضرُّك من ضلَّ إذا اهتديت[3].
قال الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله تعالى: قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ ﴾ [المائدة: 105]؛ أي: اجتهِدوا في إصلاحها وكمالها، وإلزامِها سلوكَ الصراط المستقيم؛ فإنكم إذا صلَحتم لا يضركم من ضل عن الصراط المستقيم ولم يهتدِ إلى الدين القويم، وإنما يضرُّ نفسه، ولا يدل هذا أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يضرُّ العبدَ تركُهما وإهمالُهما؛ فإنه لا يتم هذا إلا بالإتيان بما يجبُ عليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
نعم، إذا كان العبد عاجزًا عن إنكار المنكر بيده ولسانه، وأنكره بقلبه، فإنه لا يضرُّه ضَلال غيرِه.
وقوله تعالى: ﴿ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا ﴾ [المائدة: 105]؛ أي: مآلُكم يوم القيامة واجتماعكم بين يدَيِ الله تعالى: ﴿ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [المائدة: 105]؛ من خيرٍ أو شر[4]. [1] قيل في هذه الآية: هي الوحيدة التي جمعَت بين الناسخ والمنسوخ؛ فالنَّاسخ فيها قوله: ﴿ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ﴾ [المائدة: 105]، والمنسوخ قوله: ﴿ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ ﴾ [المائدة: 105]؛ إذ مَن اهتدى لا يضرُّه من ضل، ولا تتم الهداية إلا بعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقالت العلماء: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يتعيَّن متى رُجي القَبولُ والتغيير، فإن كان هناك عدم رجاء، فلا يجب الأمر والنهي، وكذا يَسقُط إذا خاف ضررًا يلحقه لا يقوى عليه، أو يلحق غيرَه من المسلمين؛ "أيسر التفاسير"؛ الجزائري. [2] رواه أحمد والترمذيُّ وابن ماجه رحمهم الله تعالى، عن أبي بكرٍ رضي الله عنه؛ ص. ج رقم 1974. [3] تفسير ابن كثير رحمه الله تعالى. [4] تفسير السعدي رحمه الله تعالى. الالوكة |
|
|
Post: #3
|
|
ahmeddodo Joined: 07-10-2014 Posts: 2,360 Country: |
تفسير قول الله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكمو رحمة الله و بركاته
تفسير قوله تعالى: الم * غُلِبَتِ الرُّومُ السائل ما تفسير هذه الآيات الكريمات منها قوله تعالى: الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ؟ أرجو من فضيلة الشيخ تفسير هذه الآية الكريمة، ومن هم الروم المذكورون فيها؟ الشيخ الروم: هم النصارى المعروفون، وكانت الحرب بينهم وبين الفرس سجالاً تارة يدال هؤلاء على هؤلاء، وتارة هؤلاء على هؤلاء، أخبر الله سبحانه وتعالى أنهم غلبوا، غلبتهم الفرس فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ، فوقع ذلك فغلبت الروم الفرس، وكان ذلك في أول مبعث النبي صلى الله عليه وسلم حين كان الرسول عليه الصلاة والسلام في مكة، وكان ذلك من الآيات والدلائل على صدقه صلى الله عليه وسلم، وأنه رسول الله حقاً؛ لوقوع الأمر، كما أخبر الله به في كتابه العظيم. فالله جل وعلا هو العالم بالمغيبات، ويخبر نبيه بما يشاء منها سبحانه وتعالى، كما أخبره عن الكثير مما يكون في آخر الزمان، كما أخبره فيما مضى من الزمان؛ من أخبار عاد، وثمود، وقوم نوح، وفرعون وغيرهم، وكما أخبره أيضاً عليه الصلاة والسلام عما يكون يوم القيامة، ومن حال أهل الجنة وأهل النار إلى غير ذلك، فهذا من جملة الأخبار الغيبية التي أخبر بها القرآن ووقعت كما أخبر، وكان ذلك من علامة صدق الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وقد فرح المسلمون بذلك؛ لأن الروم أقرب إلى المسلمين من الفرس؛ لأنهم أهل كتاب، والفرس عباد أوثان؛ ولهذا قال عز وجل: وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ الآية. الشيخ ابن باز رحمه الله |
|
|
Post: #4
|
|
ahmeddodo Joined: 07-10-2014 Posts: 2,360 Country: |
تفسير قول الله تعالى
تفسير آية (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم)
قال الله عز وجل: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ [1] أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [المائدة: 105].
قال ابن كثير رحمه الله تعالى: يقول تعالى آمرًا عباده المؤمنين أن يُصلِحوا أنفسهم ويفعلوا الخير بجُهدِهم وطاقتهم، ومخبرًا لهم أنه من أصلح أمره لا يضرُّه فسادُ مَن فسد من الناس، سواء كان قريبًا منه أو بعيدًا، قال ابن عباس في تفسير هذه الآية: يقول تعالى: إذا ما العبد أطاعني فيما أمرتُه به من الحلال، ونهيتُه عنه من الحرام، فلا يضرُّه من ضل بعدُ، إذا عمل بما أمرته، وهكذا قال مقاتلُ بن حيان؛ فقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ ﴾ [المائدة: 105] نُصِب على الإغراء، ﴿ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ... ﴾ [المائدة: 105]؛ أي: فيُجازي كلَّ عامل بعمله؛ إنْ خيرًا فخير، وإنْ شرًّا فشر.
وليس فيها دليلٌ على ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا كان فِعلُ ذلك ممكنًا، وقد قام أبو بكر الصديق رضي الله عنه فحمِدَ الله وأثنى عليه، ثم قال: أيُّها الناس، إنكم تقرَؤون هذه الآية: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ... ﴾ [المائدة: 105]، وإنَّكم تضَعونها في غير موضعها، وإني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الناس إذا رأَوُا المنكر ولا يغيِّرونه، أوشك أن يعمَّهم الله بعقابه))[2].
وقال ابن جرير: تلا الحسَنُ هذه الآية: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ... ﴾ [المائدة: 105]، فقال الحسن: الحمدُ لله بها، والحمد لله عليها، ما كان مؤمنٌ فيما مضى ولا مؤمن فيما بقي إلاَّ وإلى جنبه منافقٌ يَكرَه عمله.
وقال سعيد بن المسيَّب: إذا أمرتَ بالمعروف ونهيتَ عن المنكر، فلا يضرُّك من ضلَّ إذا اهتديت[3].
قال الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله تعالى: قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ ﴾ [المائدة: 105]؛ أي: اجتهِدوا في إصلاحها وكمالها، وإلزامِها سلوكَ الصراط المستقيم؛ فإنكم إذا صلَحتم لا يضركم من ضل عن الصراط المستقيم ولم يهتدِ إلى الدين القويم، وإنما يضرُّ نفسه، ولا يدل هذا أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يضرُّ العبدَ تركُهما وإهمالُهما؛ فإنه لا يتم هذا إلا بالإتيان بما يجبُ عليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
نعم، إذا كان العبد عاجزًا عن إنكار المنكر بيده ولسانه، وأنكره بقلبه، فإنه لا يضرُّه ضَلال غيرِه.
وقوله تعالى: ﴿ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا ﴾ [المائدة: 105]؛ أي: مآلُكم يوم القيامة واجتماعكم بين يدَيِ الله تعالى: ﴿ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [المائدة: 105]؛ من خيرٍ أو شر[4].
[1] قيل في هذه الآية: هي الوحيدة التي جمعَت بين الناسخ والمنسوخ؛ فالنَّاسخ فيها قوله: ﴿ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ﴾ [المائدة: 105]، والمنسوخ قوله: ﴿ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ ﴾ [المائدة: 105]؛ إذ مَن اهتدى لا يضرُّه من ضل، ولا تتم الهداية إلا بعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقالت العلماء: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يتعيَّن متى رُجي القَبولُ والتغيير، فإن كان هناك عدم رجاء، فلا يجب الأمر والنهي، وكذا يَسقُط إذا خاف ضررًا يلحقه لا يقوى عليه، أو يلحق غيرَه من المسلمين؛ "أيسر التفاسير"؛ الجزائري. [2] رواه أحمد والترمذيُّ وابن ماجه رحمهم الله تعالى، عن أبي بكرٍ رضي الله عنه؛ ص. ج رقم 1974. [3] تفسير ابن كثير رحمه الله تعالى. [4] تفسير السعدي رحمه الله تعالى.
|
|
|
Post: #5
|
|
ahmeddodo Joined: 07-10-2014 Posts: 2,360 Country: |
تفسير قول الله تعالى
تفسير قوله تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا ﴾ [التحريم: 8] قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [التحريم: 8].
ذُكرت التوبة بمُشتقاتها في القرآن الكريم في نحو سبعة وأربعين موضعًا.
"التوب: ترك الذنب على أجمل الوجوه، وهو أبلغ وجوه الاعتِذار؛ فإن الاعتذار على ثلاثة أوجه؛ إما أن يقول المُعتذر: لم أفعل، أو يقول: فعلت لأجل كذا، أو فعلت وقد أقلعت، ولا رابع لذلك، وهذا الأخير هو التوبة.
والتوبة في الشرع ترك الذنب لقبحِه، والندم على ما فرط منه، والعزيمة على ترك المُعاوَدة، وتدارك ما أمكنه أن يتدارك من الأعمال بالإعادة، فمتى اجتمعت هذه الأربع فقد كمل شرائط التوبة وتاب إلى الله، فذكر "إلى الله" يَقتضي الإنابة؛ نحو: (﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [النور: 31] - ﴿ أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ ﴾ [المائدة: 74]
وتاب الله عليه؛ أي: قبل توبته، منه: ﴿ لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ ﴾ [التوبة: 117] - ﴿ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا ﴾ [التوبة: 118]، والتائب يقال لباذل التوبة ولقابل التوبة، فالعبد تائب إلى الله، والله تائب على عبده، والتواب العبد الكثير التوبة، وذلك بتركه كل وقت بعض الذنوب على الترتيب حتى يصير تاركًا لجميعِه، وقد يُقال لله ذلك؛ لكثرة قبوله توبة العباد حالاً بعد حال، وقوله: ﴿ وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا ﴾ [الفرقان: 71]؛ أي: التوبة التامة، وهو الجمع بين ترك القبيح وتحرِّي الجميل: (﴿ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ ﴾ [الرعد: 30] - ﴿ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة: 37]"[1].
قال الشيخ أبو بكر الجزائري في تفسير الآية الكريمة: هذا هو النداء الثاني الذي يُنادي فيه الله تعالى عباده المؤمنين - أي: في سورة التحريم - يأمرُهم فيه بالتوبة العاجلة النَّصوح التي لا يعود صاحبها إلى الذنب كما لا يعود اللبن إلى الضرع، ويُبشِّرهم ويَعدهم بتكفير سيئاتهم، ويُبشِّرهم بالجنة دار النعيم المقيم فيقول: ﴿ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ﴾ [التحريم: 8][2]؛ أي: بعد ذلك ﴿ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ﴾ [التحريم: 8]؛ أي: بإدخالهم الجنَّة ﴿ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ﴾ [التحريم: 8]؛ أي: وهم مُجتازون الصراط يَسألون ربهم أن يُبقي لهم نورهم لا يقطعه عنهم؛ حتى يَجتازوا الصراط وينجوا من السقوط في جهنَّم، كما يسألونه أن يغفر ذنوبهم التي قد يردون بها إلى النار بعد اجتياز الصراط، وقولهم: ﴿ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [التحريم: 8] هذا توسُّل منهم لقبول دعائهم؛ حيث توسَّلوا بصفة القوة والقدرة لله تعالى، فقالوا: إنك على كل شيء قدير؛ فأتمِم لنا نورنا واغفر لنا[3].
والتوبة من الذنوب بالرجوع إلى علام الغيوب وغفار الذنوب: مبدأ طريق السالكين، ورأس مال الفائزين، وأول أقدام المُريدين، ومِفتاح استقامة المائلين، ومطلَع الاصطِفاء والاجتباء للمُقرَّبين، ومنزل التوبة أول المَنازل وأوسطها وآخرها، فلا يُفارقه العبد السالك، ولا يزال فيه إلى المَمات، وإن ارتحلَ إلى منزل آخر ارتحل به واستصحَبه معه ونزَل به، فالتوبة هي بداية الطريق ونهايته، وقد قال تعالى: ﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [النور: 31]، وهذه الآية في سورة مدنية خاطب الله بها أهل الإيمان وخيار خلقه أن يتوبوا إليه بعد إيمانهم وصبرهم وهجرتهم وجهادهم، ثم علَّق الفلاح بالتوبة وأتى بكلمة (لعل)؛ إيذانًا بأنكم إذا تُبتم كنتم على رجاء الفلاح، فلا يرجو الفلاحَ إلا التائبون، جعلنا الله منهم، وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [الحجرات: 11]، فقسم الله تعالى العباد إلى تائب وظالم، وليس ثم قسم ثالث، وأوقع اسم الظلم على من لم يتب، ولا أظلم منه؛ لجهله بربه وبحقه وبعيب نفسه وآفات عمله، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((يا أيها الناس، توبوا إلى ربكم، فوالله إني لأتوب إلى الله - عز وجل - في اليوم مائة مرة))[4]، وهو أعلم الخلق بالله عز وجل، والتوبة هي رجوع العبد إلى الله، ومفارقتُه لصراط المغضوب عليهم والضالين.
شرائط التوبة: إذا كان الذنب في حق الله عزَّ وجلَّ، فشرائط التوبة ثلاثة؛ هي: الندم، والإقلاع عن الذنب، والعزْم على عدم العودة؛ فأما الندم، فإنه لا تتحقَّق التوبة إلا به؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((الندم توبة))[5]؛ إذ مَن لم يندم على القبيح، فذلك دليل رضاه به وإصراره عليه، وأما الإقلاع عن الذنب، فتستحيل التوبة مع مباشِرة الذنب، والشرط الثالث هو: العزم على عدم العودة، ويَعتمِد أساسًا على إخلاص هذا العزم والصدق فيه.
أما إذا كان الذنب متضمِّنًا لحق آدمي، فعلى التائب أن يُصلح ما أفسد، أو يسترضي من أخطأ في حقه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((من كان لأخيه عنده مَظلِمة مِن عِرض أو مال، فليتحلَّله اليوم، قبل أن يؤخذ منه يوم لا دينار ولا درهم؛ فإن كان له عمل صالح، أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له عمَل، أُخذ من سيئات صاحبه فجعلت عليه))[6]، فهذا الذنب الذي يتضمن حقين: حق الله، وحق الآدمي، فالتوبة منه بتحلل الآدمي لأجل حقه، والندم فيما بينه وبين الله لأجل حقه.
مسألة: إذا تاب العبد من الذنب، هل يَرجِعُ إلى ما كان عليه قبل الذنب من الدرجة التي حطَّه عنها الذنب أو لا يرجع إليها؟
قالت طائفة: يرجع إلى درجته؛ لأن التوبة تجبُّ الذنب بالكليَّة وتُصيِّره كأن لم يكن.
وقالت أخرى: لا يعود إلى درجته وحاله؛ لأنه لم يكن في وقوف؛ وإنما كان في صعود، فبالذنب صار في هبوط، فإذا تاب نقص منه ذلك القدر الذي كان مستعدًّا به للترقي.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "والصحيح أن من التائبين من لا يعود إلى درجته، ومنهم من يعود إلى أعلى فيصير خيرًا مما كان عليه قبل الذنب، وكان داود بعد التوبة خيرًا منه قبل الخطيئة" ا. هـ
التوبة النصوح: قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا ﴾ [التحريم: 8]، وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنَّ الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مُسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليَتوب مُسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها))[7]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن تاب قبل أن تطلع الشمس مِن مغربِها، تابَ الله عليه))[8]، وعن أبي عبدالرحمن عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنَّ الله - عزَّ وجلَّ - يَقبل توبة العبد ما لم يُغرغر))[9]، والغرغرة هي بلوغ الرُّوح إلى الحلقوم، والنُّصح في التوبة هو تخليصُها مِن كلِّ غشٍّ ونقْص وفساد.
قال الحسن البصري رحمه الله تعالى: "هي أن يكون العبد نادمًا على ما مضى، مُجمعًا على ألا يعود فيه"، وقال سعيد بن المسيب رحمه الله تعالى: ﴿ تَوْبَةً نَصُوحًا ﴾ [التحريم: 8]: تنصَحون بها أنفسكم.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "النُّصح في التوبة يتضمَّن ثلاثة أشياء: الأول: تعميم جميع الذنوب واستِغراقها بحيث لا تدع ذنبًا إلا تناولته.
الثاني: إجماع العزم والصدق بكليته عليها؛ بحيث لا يبقى عنده تردُّد ولا تلوم ولا انتظار، بل يجمع عليها كل إرادته وعزيمته مبادرًا لها.
الثالث: تخليصها من الشوائب والعلل القادحة في إخلاصها، ووقوعها لمَحضِ الخوف من الله وخشيته، والرغبة فيما لديه، والرهبة مما عنده، لا كمن يتوب لحفظ حاجته وحرمته ومنصبه ورياسته، ولحفظ قوته وماله، أو استدعاء حمد الناس أو الهروب من ذمِّهم، أو لئلا يتسلَّط عليه السفهاء أو لقضاء نهمة من الدنيا، أو لإفلاسِه وعَجزِه، ونحو ذلك من العلل التي تقدح في صحَّتها وخلوصها لله عز وجل.
فالأول يتعلق بما يتوب منه، والثاني يتعلق بذات التائب، والثالث يتعلَّق بمَن يتوب إليه، فنصح التوبة الصدق فيها والإخلاص وتعميم الذنوب، ولا ريب أن هذه التوبة تَستلزم الاستغفار وتتضمَّنه وتَمحو جميع الذنوب، وهي أكمل ما يكون من التوبة" ا. هـ.
اتهام التوبة، ومن اتهام التوبة: 1 - ضعف العزيمة والْتِفات القلب إلى الذنب الفينة بعد الفينة وتذكُّر حلاوتها. 2 - طمأنينته ووثوقه مِن نفسِه بأنه قد تاب الله عليه كأنه أُعطي منشورًا بالأمان، فهذا من علامات التُّهمة. 3 - ومنها جمود العينين واستمرار الغفلة، وألا يستحدث أعمالاً صالحة لم تكن له قبل الخطيئة.
علامات صحة التوبة: 1 - أن يكون بعد التوبة خيرًا مما كان قبلها. 2 - ألا يزال الخوف مصاحبًا له لا يأمن مكر الله طرفة عين، فخوفه مستمر إلى أن يسمع قول الرسل لقبض روحه: ﴿ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ [فصلت: 30]، فهناك يزول خوفُه.
3 - انخلاع قلبه وتقطُّعه ندمًا وخوفًا، وهذا على قدر عظم الجناية وصغرها.
4 - كسرة خاصة تَحصُل للقلب لا يُشبِهها شيء، ولا تكون لغير المُذنب لا تحصل بجوع ولا رياضة، ولا حب مجرَّد، وإنما هي على أمر وراء هذا كله، تكسر القلب بين يدي الرب كسرة عامة، قد أحاطت به من جميع جهاته، وألقتْه بين يدي ربِّه طريحًا ذليلاً خاشعًا، وما أحلى قول القائل في هذه الحال: "أسألك بعزِّك وذلِّي إلا رحمتَني، أسألك بقوتك وضعفي وبغِناك وفقري إليك، هذه ناصيتي الكاذبة الخاطئة بين يديك، عبيدك سواي كثير، وليس لي رب سواك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، أسألك مسألة المِسكين، وأبتهِل إليك ابتِهال الخاضع الذليل، وأدعوك دعاء الخائف الضرير، سؤال من خضعت لك رقبتُه، ورَغِمَ لك أنفُه، وفاضت لك عيناه، وذلَّ لك قلبه". يا مَن ألوذ به فيما أؤمِّلُه
فهذا وأمثاله من آثار التوبة المقبولة، فمَن لم يجد ذلك في قلبه، فليتَّهم توبتَه وليرجع إلى تصحيحها، فما أصعب التوبة الصحيحة بالحقيقة، وما أسهلَها باللسان والدعوى![10]
والله - عز وجل - يفرَح بتوبة عبده؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((للهُ أفرَحُ بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتَت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها، فأتى شجرةً فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده، فأخذ بخِطامها ثم قال من شدَّة الفَرح: ((اللهمَّ أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح))[11].
وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم محبة الرب - جلَّ وعلا - للتوبة؛ فإن الله يحب التوابين ويحبُّ المُتطهِّرين، فأوجبَت هذه المحبة فرحًا كأعظم ما يقدر من الفرح، ولو كان في الفرح المَشهود في هذا العالم نوع أعظم من هذا الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم لذكره، ولكن لا فرحة أعظم مِن فرحة هذا الواجد لمادة حياته وبلاغه في سفره بعد إياسه من أسباب الحياة بفقده راحلته، وهذا كشدة محبته لتوبة التائب المحب إذا اشتدَّت محبته للشيء وغاب عنه ثم وجده وصار طوع يده، فلا فرحة أعظم من فرحته به، نسأل الله أن يرزقنا توبة نصوحًا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: وجميع ما يتوب العبد منه سواء كان فعلاً أو تركًا، قد لا يكون كان عالمًا بأنه يَنبغي التوبة منه، وقد يكون كان عالمًا بذلك؛ فإن الإنسان كثيرًا ما يكون غير عالم بوجوب الشيء أو قبحِه، ثم يتبيَّن له فيما بعد وجوبه أو قبحُه، ويتركه أو يفعله لضعف المُقتضي لفعل الواجب، أو قوة المُقتضي لفعل القبيح، لكن لا يَكاد يقع إلا مع ضعف العلم بوجوبه أو قبحِه، وإلا فإذا كمل العلم استلزم الإرادة الجازمة في الطرفين؛ ولهذا قال سبحانه: ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾ [النساء: 17].
قال أبو العالية: قال أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم: كل مَن عصى الله فهو جاهل، وكل مَن تاب قبل الموت فقد تاب مَن قريب، وقال تعالى: ﴿ وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الأنعام: 54].
والمؤمن لا يزال يَخرج من الظلمات إلى النور ويزداد هدى فيتجدَّد له من العلم والإيمان ما لم يكن قبل ذلك، فيتوب مما تركه وفعَله، والتوبة تَصقل القلب وتجليه مما عرَض له مِن رين القلوب؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: ((إن العبد إذا أذنب نُكتت له في قلبه نكتة سوداء؛ فإن تاب ونزع واستغفر صُقل قلبُه، وإن زاد زِيدَ فيها حتى يعلو قلبه، فذلك الران الذي قال الله: ﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [المطففين: 14]))[12]، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنه ليغان[13] على قلبي، وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة))[14].
والتوبة من الاعتقاد أعظم من التوبة من الإرادات؛ فإن مَن ترَك واجبًا أو فعل قبيحًا يعتقد وجوبه وقبحَه، كان ذلك الاعتقاد داعيًا له إلى فعل الواجب ومانعًا له من فعل القبيح، فلا يكون في فعله وتركه ثابت الدَّواعي والصوارف، بل تكون دواعيه وصوارفه مُتعارضة؛ ولهذا يكون الغالب على هذا هو التلوم، وتكون نفسهم لوامة، تارةً يؤدُّون الواجب وتارة يَتركونه، وتارة يتركون القبيح وتارة يفعلونه، كما تجده في كثير من فساق القِبلة الذين يؤدون الحقوق تارة ويَمنعونها أخرى؛ لتعارُض الإرادات في قلوبهم؛ إذ معهم أصل الإيمان الذي يأمر بفعل الواجب، ويَنهى عن فعل القبيح، ومعهم من الشبهات والشهوات ما يدعوهم إلى خلاف ذلك، وأما إذا فعله الإنسان مع اعتقاد وجوبه، وتركه مع اعتقاد تحريمه، فهذا يكون ثابت الدواعي والصوارف أعظم من الأول بكثير، وهذا تحتاج توبته إلى إصلاح اعتقاده أولاً وبيان الحق، وهذا يكون أصعب من الأول؛ إذ ليس معه داعٍ إلى أن يترك اعتقاده كما كان مع الأول داعٍ إلى أن يترك مرادَه، وقد يكون أسهل إذا كان له غرض فيما يخالف موجب الاعتقاد، مثل الآصار والأغلال التي على أهل الكتاب، وإذلال المسلمين لهم، وأخذ الجزية منهم، مع مخالفة المسلمين له، فهذا يكون داعيًا إلى أن ينظر في اعتقاده، هل هو حق أو باطل حتى يتبيَّن له الحق، وقد يكون أيضًا مرغبًا له في اعتقاد يخرج به من هذا البلاء[15].
وقال رحمه الله تعالى: ومن زعم أن الله قد ذم أحدًا من البشر أو عاقبه على ما فعله ولم يكن ذلك ذنبًا، فقد قدَح فيما أخبر الله به وما وجب له من حكمته وعدله، فالجاهل يريد تنزيه الصحابة أو العلماء أو المشايخ من شيء لا يضيرهم ثبوته فيقدح في الرسول أو في الله تعالى، ويريد تنزيه الأنبياء عما لا يضرهم ثبوته بل هو أرفع درجة لهم، فيقدح في الربوبية، فتدبر هذا؛ فإنه نافع.
والقائلون بعصمة الأنبياء من التوبة من الذنوب ليس لهم حُجَّة من كتاب الله ولا سنَّة رسوله، ولا لهم إمام من سلف الأمة وأئمتها، وإنما مبدأ قولهم من أهل الأهواء؛ كالروافض والمعتزلة، وحجتهم آراء ضعيفة من جنس قول الذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم، الذين قال الله فيهم: ﴿ لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ ﴾ [الحج: 53]، وعُمدة من وافقهم من الفقهاء أن الاقتداء بالنبيِّ في أفعاله مَشروع، ولولا ذلك ما جاز الاقتداء به، وهذا ضعيف؛ فإنه قد تقدم أنهم لا يقرُّون، بل لا بدَّ مِن التوبة والبيان، والاقتداء إنما يكون بما استقرَّ عليه الأمر، فأما المنسوخ والمنهي عنه والمَتوب منه، فلا قُدوة فيه بالاتفاق، فإذا كانت الأقوال المَنسوخة لا قدوة فيها، فالأفعال التي لم يقرَّ عليها أولى بذلك، وأما مذهب السلف والأئمة وأهل السنة والجماعة القائلين بما دلَّ عليه الكتاب والسنَّة من توبة الأنبياء من الذنوب، فقد ذكرنا من آيات القرآن ما فيه من دلالات على ذلك، وفي الصحيحين عن أبي موسى الأشعَري عن النبي أنه كان يدعو: ((اللهمَّ اغفر لي خطيئتي، وجهلي، وإسرافي في أمري، وما أنت أعلم به مني، اللهمَّ اغفر لي جدي وهزلي، وخطئي وعمدي، وكل ذلك عندي، اللهمَّ اغفر لي ما قدمتُ وما أخَّرتُ وما أسررتُ وما أعلنتُ، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر، وأنت على كل شيء قدير))[16]. [1] المفردات في غريب القرآن - الراغب الأصفهاني (ص: 83). [2] (عسى) من الله واجبة، ويشهد لهذا قول النبي: ((التائب من الذنب كمَن لا ذنب له)). [3] أيسر التفاسير - الجزائري (2 / 1651). [4] رواه أحمد ومسلم - رحمهما الله تعالى - عن الأغرِّ المزني؛ ص. ج رقم 7881. [5] رواه أحمد وابن ماجه والحاكم - رحمهم الله تعالى - عن ابن مسعود رضي الله عنه، ص. ج رقم 6802. [6] رواه أحمد والبخاري - رحمهما الله تعالى - عن أبي هريرة رضي الله عنه، ص. ج رقم 6511. [7] رواه مسلم رحمه الله تعالى. [8] رواه مسلم رحمه الله تعالى. [9] رواه أحمد والترمذي وابن ماجه رحمهم الله تعالى، وحسنه الألباني رحمه الله تعالى. [10] البحر الرائق في الزهد والرقائق؛ الشيخ د / أحمد فريد (ص: 159 - 162). [11] رواه مسلم رحمه الله تعالى والبخاري رحمه الله تعالى مختصرًا. [12] رواه أحمد رحمه الله تعالى وغيره، ص. ج رقم 1670. [13] قال القاضيعياض: ويحتمل أن هذا الغين حال خشية وإعظام يغشى القلب ويكون استغفاره شكرًا. [14] رواه أحمد ومسلم - رحمهما الله تعالى - وغيرهما، ص. ج رقم 2415. [15] رسالة التوبة؛ ابن تيمية رحمه الله تعالى (ص: 25، 27). [16] رسالة التوبة؛ ابن تيمية رحمه الله تعالى (ص: 68). الالوكة |
|
|
Post: #6
|
|
Guest Joined: Today Posts: 0 Country: |
تفسير قول الله تعالى جزاك الله كل خير أخي
|
|
|
Post: #7
|
|
Guest Joined: Today Posts: 0 Country: |
تفسير قول الله تعالى Originally Posted by FAKHRI004
|
|
|
Post: #8
|
|
alsmadi86 Joined: 18-05-2016 Posts: 87 Country: |
تفسير قول الله تعالى بارك الله فيك
|
|
|
Post: #9
|
|
ElMasrawia Joined: 13-05-2015 Posts: 524 Country: |
تفسير قول الله تعالى فتح الله عليكم
|
|
|
Bookmarks | ||||
|
|