Post: #1
|
|||
ahmeddodo Joined: 07-10-2014 Posts: 2,360 Country: |
خطر الإسراف والتبذير خطر الإسراف والتبذير وقول الله تعالى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع
إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يَهده الله فلا مُضل له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومَن تبِعَهم بإحسان إلى يوم الدين.
أمَّا بعدُ: فاللهم لك الحمد حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، نحمدك اللهم ربَّنا على نعمة الإسلام، ونحمدك اللهم على نعمة الإيمان، ونحمدك اللهم على نعمة القرآن، ونحمدك اللهم على نعمة بَعثة محمد خير الأنام، ونحمدك اللهم يا ربنا على كل نعمة أنعمت بها علينا؛ في قديم أو حديث، في ظاهر أو باطن، لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض، وملء ما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد.
أيها الإخوة المؤمنون، إن من كمال هذه الشريعة العظيمة أن نظَّمت للناس كل ما يحتاجون إليه في أمور معاشهم ومعادهم؛ ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾ [الأعراف: 96].
إنه ما من خير إلا في اتباع هذا الشرع المطهَّر، وما من نقص ولا ضر إلا بسبب مخالفة هذه الشريعة الغرَّاء، ومن جملة ما نظَّمته الشريعة ما يتعلق بالنفقات، فإن الناس يتفاوتون في هذا الأمر في بذل الأموال وإمساكها، فجاءت الشريعة لتمنع التصورات الخاطئة والتوجُّهات المبنية على الأهواء، أو على مسالك خاطئة وتصورات مضرة بالمجتمعات، والمال هو قوام الحياة وهو عصبها، والتصرف فيه ليس بالأهواء ولا باجتهادات الناس، ولكنه مضبوط بمعايير وضوابط وقواعد واضحة، فلا يمكن أن يقبل من أحد أن يخالف هذه الأسس، هذه الأسس والقواعد التي ترتب وتنظم معايش الناس، وتمنع ظلمهم بعضهم بعضًا، وتمنع ما يؤدي إلى اختلال الموازين، فإن الله سبحانه قد تكفل جل وعلا بأرزاق العباد، وفي الأرض ما يكفي كل مخلوق في رزقه ومعاشه، ولكنما المشكلة هي تصرفات الآدميين التي أضرت بهم فيما بينهم، فوجد الفقراء والجوعى، ووجد من يتوفى بسبب الجوع، ووجد نقص الثمرات، ووجد الإخلال بالثوابت البيئية التي تطغى على بني آدم؛ ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [الروم: 41].
ومن جملة ما يتعلق بالتنظيمات الشرعية الإسلامية للبذل والإمساك لإعطاء المال أو إمساكه - آية كريمة في كتاب الله جل وعلا في جملة آيات أخرى مشابهات؛ قال رب العزة سبحانه: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الأعراف: 31].
فالإسراف مظهر من مظاهر الإفساد التي تؤدي إلى اختلال المعايير، والعود بالضرر على الإنسان المسرف، وعلى مَن حوله وعلى مجتمعه، فهذه الآية خطاب للعالمين جميعًا، وارتكزت على مبدأين: ﴿ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ﴾، وذلك نقضًا لما كانت عليه الجاهلية من العُري الذي ابتدعوه، وحرَّفوا ما أنزل الله جل وعلا بأهوائهم، وقال سبحانه: ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾، فقوله جل وعلا: ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا ﴾ هذا أمر لكنه للإباحة؛ لأنهم كانوا قد حُرِموا من المآكل والمشارب اختراعًا من عند أنفسهم، وابتداعًا من ذواتهم، فجاء الأمر الرباني: ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا ﴾، فليس لأحد أن يحرم ما أحل الله؛ قال بعض السلف: جمع الله جل وعلا الطب كله في نصف آية: ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ﴾.
قال الإمام البخاري رحمه الله في كتابه الجامع الصحيح: قال ابن عباس رضي الله عنهما: (كُلْ ما شئت، والْبس ما شئت، ما أَخْطَأَتْكَ اثنتان: سَرفٌ ومَخيلةٌ).
فهذا الإمام الرباني ابن عباس رضي الله عنهما يقرِّر دلالة هذه الآية الكريمة، كُلْ ما شئت مما أحل الله وأباح، والبس ما شئت مما أحل الله وأباح، ولكن لاحظ أن تَجتنب السرف، والإسراف تجاوز الحد الذي أباحه الله جل وعلا، والمخِيلة هي الكِبر والخُيلاء، وقال ابن عباس رضي الله عنهما أيضًا: (أحل الله الأكل والشرب ما لم يكن سرفًا أو مخيلة).
وقد جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد في المسند من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((كلوا واشربوا والبسوا وتصدَّقوا، من غير مخيلة ولا سرف؛ فإن الله جل وعلا يحب أن يرى نعمته على عبده)).
تأملوا هذه الأسس العظيمة البليغة في قوله عليه الصلاة والسلام: ((كلوا واشربوا والبسوا وتصدَّقوا))، ولكن لا بد من الضوابط، وهو ألا يكون ثمة خُيلاء ولا سرف، وذلك أن الله جل وعلا يحب أن يرى على عبده أثر النعمة؛ لأن الإنسان إذا أُنعِم عليه لا يَصِح منه أن يقتر على نفسه، ولا أن يظهر نفسه مظهر التقشف والتقلل، أو أن يرجع بذلك على أهله وولده، ولذا لَمَّا رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرة رجلًا وعليه أثر التقشف الذي أزرى به في لباسه ومظهره، فهو لا يعتني بنظافة، ولا بملبس حسن، ولا بمظهر جيد، ولا بمظهر تأنَس به النفوس، وهذا خلاف ما أمرت به الشريعة، فلا يصح من الإنسان أن يكون مسببًا لمن حوله الانزعاج، بسبب ما يكون عليه من قلة النظافة، وقلة العناية بهندامه، هذا لا يصلح ولا يليق بالمسلم، بل الذي ينبغي عليه أن يكون محافظًا على وقاره الذي ينتظم لباسًا حسنًا ونظافة، ومظهرًا جميلًا، مبتعدًا عما يشعر أو يسبب الانصراف والنفور عنه.
رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذا الرجل الذي بدت عليه الملامح التي تجعل العين تنفر منه، فناداه، وقال: ((من أي المال عندك؟))، ما المال الذي عندك؟ هل أنت ممن يَملك المال أم أنك فقير؟ قال: من كل المال أعطاني ربي، قال عليه الصلاة والسلام: ((إن الله يحب إذا أنعم على عبده أن يرى أثر نعمته عليه))، وهذه العناية التي أمرت بها الشريعة - عناية الإنسان بنفسه - ليس من متطلباتها كثرة المال، فإنما هي النظافة والمظهر الحسن، والريح الطيبة، ولو بأقل الأشياء، وهذا متيسر لعامة الناس.
ثم تأملوا أيضًا أيها الإخوة الكرام أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال أيضًا في هذا المقام: ((تصدَّقوا من غير مخيلة ولا سرف))؛ لأن من الناس من قد يجعل بعض أبواب البر مجالًا للخيلاء والسرف - للكبر والفخر - فهذا منهي عنه، ولو كان من باب الصدقات، ولذا قال الله جل وعلا مُنبهًا على هذا المعنى، وينبغي أن يكون الإنسان في أعماله مريدًا بذلك وجه الله جل وعلا، وليس فخرًا ولا رياءً، ولا سُمعة، حتى في الأعمال الصالحة، بل هو متعين فيها على وجه الأولوية، وهكذا لو أراد أن يكرم ضيفًا أو يحسن إلى جار، فلا يكون ذلك فيه الخيلاء ولا السرف، فهو ممقوت حينئذ، وفي شأن انضباط الإنسان بهذه الضوابط النبوية (كلوا واشربوا، والبسوا وتصدقوا، من غير مخيلة ولا سرف)، يقول الطبيب الموفق عبداللطيف البغدادي رحمه الله: "هذا الحديث جامع لفضائل تدبير الإنسان نفسه، وفيه تدبير مصالح النفس والجسد في الدنيا والآخرة، فإن السرف في كل شيء يضر بالجسد، ويضر بالمعيشة، فيؤدي إلى الإتلاف، ويضر بالنفس؛ إذ هي تابعة للجسد في أكثر الأحوال، والمخيلة - وهي الخيلاء والتكبر - تضر بالنفس؛ لأنها تكسبها العجب، وتضر بالآخرة؛ لأنها تسبب الإثم، وأيضًا تضر بالدنيا - دنيا الإنسان - لأنها تكسب المقت من الناس".
ولا يخفى عليكم أيها الإخوة الكرام ما نفر منه كثير من الناس من مشاهدة البعض حينما أرادوا أن يظهروا كرمهم، فصوَّروا تلك الأحوال في إكرام ضيوفهم، منهم من ينحر من أنواع النعم من الإبل والغنم عددًا كبيرًا يفوق عدد ضيوفه، ومنهم من يظهر نفسه بدل غسل اليدين للأضياف بالماء أن تغسل بالطيب الفاخر، وغير ذلك من المظاهر التي أظهرها هؤلاء، وهي خلاف ما أمر به في الشرع المطهر من إكرام الضيف، ولكنه سرف حمل عليه الكبر والعجب، وإرادة إظهار هذا الحال عندهم، والتمدح به بين الناس، ولكنه على الضد من ذلك.
قال الإمام ابن جرير رحمه الله في قوله جل وعلا: ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾، يقول: إن الله تعالى لا يحب المسرفين، وهم المعتدون، إن الله لا يحب المعتدين الذين جاوزوا حده في حلال أو حرام، الغالين فيما أحل الله بإحلال الحرام، وتحريم الحلال، ولكن يجب أن يحلل ما أحل الله، ويحرم ما حرم الله، وذلك العدل الذي أمر به جل وعلا.
إذًا أيها الإخوة المؤمنون هذه الآية: ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ﴾ هي امتنان من ربنا جل وعلا بما وسع على عباده، فأحل الله في هذه الآية أن يأكلوا وأن يشربوا ما لم يكن سرفًا أو مخيلة، فهو أمر للإباحة لما كانوا في الجاهلية يحرمون ما يحرمون؛ كما دلت عليها الآية بعدها: ﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ﴾، فأما ما تدعو إليه الحاجة من سد الجوعة وما يسكن الظمأ، فهذا ولا شك مندوب إليه بالشرع والعقل؛ إذ لا يليق بالإنسان أن يلقي بنفسه إلى التهلكة؛ قال الحافظ القرطبي رحمه الله في شأن ما قد يتعاطاه الإنسان فيما يزيد على حاجته، ولم يدخل في حد السرف: قيل: إنه حرام، وقيل: هو مكروه، قال الحافظ أبو بكر بن العربي رحمه الله: وهو الصحيح، فإن قَدْرَ الشِّبَع يختلف باختلاف البلدان والأزمان والأسنان، وما يَطعمه الناس.
ومهما يكن من أمر أيها الإخوة المؤمنون، فإن المتعين على الإنسان أن يلاحظ هذه الضوابط الشرعية، وما أجمل ما جاء في هذا الباب، مما قاله نبينا صلى الله عليه وآله وسلم وهو مقرر بالتأكيد والموافقة لدى الحكماء والأطباء؛ حيث قال عليه الصلاة والسلام: ((ما ملأ آدمي وعاءً شرًّا من بطن، بحسب ابن آدم لُقيمات يقمن صُلبه، فإن كان لا محالة فاعلًا، فثُلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفَسَه))؛ رواه الإمام أحمد والترمذي، وغيرهما.
قال بعض العلماء: لو سمع بقراط هذه القاعدة وهذه القسمة النبوية - لعجب منها، فهذا أمر مقرر في الحفاظ على الصحة، ولا زال علماء الطب والتغذية إلى زماننا اليوم يقررون هذا المعنى.
وقد ذكر بعض العلماء أن الخليفة الرشيد كان له طبيب نصراني، وكان حاذقًا في الطب، فجادل يومًا علي بن الحسين، وقال له: ليس في كتابكم من عِلمِ الطب شيء؛ لأن العلم علمان: علم الأديان، وعلم الأبدان؟ فقال له علي رحمه الله: إن الله جمع الطب كله في نصف آية من كتابنا، وهي قول الله جل وعلا: ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ﴾، فقال النصراني: ولا يؤثر عن رسولكم عليه الصلاة السلام شيء من الطب؟ فقال له علي: جمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الطب في ألفاظ يسيرة، قال: ما هي؟ قال له: المعدة بيت الأدواء، والحِمية رأس كل دواء، وأعط كل جسد ما عوَّدته، فقال النصراني: ما ترك كتابكم ولا نبيُّكم لجالينوس طبًّا.
أقول: وهذا اللفظ الذي يُروى عن علي بن الحسين لا يصح سندًّا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإن كان معناه صحيحًا ويقوم مقامه، ويغني عنه الحديث المتقدم: (ما ملأ ابن آدم وعاءً شرًّا من بطن، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا بد فاعلًا، فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفَسَه).
أقول ما سمعتم، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وصلى الله وسلم على عبد الله ورسوله نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومَن تَبِعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أمَّا بعدُ: فإن من جملة الآيات الكريمات والنصوص الشريفات في ضبط الإنفاق والاتزان فيه، ما دل عليه قول الله جل وعلا في وصف عباده المؤمنين الأخيار: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ﴾ [الفرقان: 67]، هكذا ينبغي أن يكون المؤمن مُتزنًا ليس عنده إفراط ولا تفريط، فلا يصح من الإنسان أن يكون مُمسكًا عن الإنفاق، وبخاصة فيما يجب عليه، وبخاصة أيضًا على أهله وأولاده، فليس ثمة شيء أشنع من البخل في جملة من الأدواء الأخلاقية التي إذا اتَّصف بها الإنسان كان ممن يُنفر منه، فالبخل والتقتير والإمساك خلق ذميم، والمتعين على المؤمن أن يكون جوَادًا كريمًا، وأن ينفق خاصة على مَن كان يجب عليه أن ينفق عليهم من والِدَين وأهل وولد، ومن قرابة وأرحام، فإن هذا خلق كريم حثَّ عليه الشرع المطهر، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((ما من يوم إلا وينزل ملكان يقولان: اللهم أعطِ منفقًا خلفًا، وأعطِ ممسكًا تلفًا)).
لكن هذه النفقة ينبغي أن تكون أيضًا على الوجه المعروف الذي يُقره الشرع ويُتابعه العقل؛ وذلك بألا يزيد إلى حد الإسراف أو حد التبذير، فالإسراف ما زاد الإنفاق في مجاله ولو كان حلالًا، إذا تعدى العرف الشرعي والعرف الاجتماعي، وأما التبذير فهي رتبة أشد وأكثر تنفيرًا، وهي أن ينفق الإنسان ماله في حرام ولو كان قليلًا؛ ولذا قال الله جل وعلا كما في سورة الإسراء: ﴿ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا ﴾ [الإسراء: 26، 27].
فنهى الله جل وعلا المؤمن عن أن يبذر، وهذا التبذير حتى ولو كان شيئًا قليلًا ما دام في حرام، فهو منهي عنه ومحرَّم، وقد ذهب بعض العلماء إلى القول بأن الإنسان الذي يبذر إذا تكرر منه ذلك وعُرِف عنه، فإنه ينبغي على ولي الأمر أن يحجر عليه؛ لأن المال ليس للإنسان مطلق التصرف فيه، إلا كما أمر الله جل وعلا؛ كما يدل عليه قوله سبحانه: ﴿ وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا ﴾ [النساء: 5]، فالمال إنما جعل لتلبية الحاجات الاجتماعية والحياتية، مما هو من الضرورات أو من الحاجات، أو من المحسنات التي هي في القدر المعقول.
أما إذا كان الإنسان يبذر المال، ويجعله في كل باب وكل سبيل من حرام وحلال، ولا يضبط نفسه بضابط في هذا - فهذا نوع من السفه، وهذا يوجب كما يذهب إلى هذا بعض أهل العلم إلى أن يُسعى في الحجر على صاحب هذا المال؛ لأنه بهذه الطريقة يجعل المال في غير ما أحل الله وأباح؛ ولأنه أيضًا يؤدي إلى أن يقتدي ويقلده آخرون، وبهذا تنتشر الفوضى في تعاطي المال وفي التعامل معه.
وقد شاهدنا كما أسلفت من قبلُ كيف أن بعض الناس لما أرادوا أن يفاخروا بهذه الأموال، صاروا يبذرونها ويظهرون سرفهم، بل ويصوِّرون ذلك ويشيعونه بين الناس إلى الحد الممجوج، بل إلى الحد المحرم التي نهت عنه الشريعة الغراء.
ومهما يكن من أمر أيها الإخوة الكرام، فإن التعامل مع المال كما أباح الله وأحل - سواء كان في المجالات الواجبة على الإنسان من النفقات، أو فيما شرع الله من الصدقات والزكوات - فهذا كله مما تقر به النعم، وتزيد به البركات، فما استزيد المال وما استُثْمِر بمثل طاعة الله جل وعلا فيه، وما تسبب أحد على نفسه بقلة ذات اليد وبقلة البركات بمثل تصريف الأموال فيما نهى الله جل وعلا عنه.
وينبغي أن يتذكر أنه يوجد مِن الناس مِن حولنا مَن عندهم مِن ضيق المعايش ما هو مشاهد، وهذا يوجب شكر النعم، ولا تشكر بمثل ما أمر الله جل وعلا أن تنفق فيه، وأن يكون البعد عن الإسراف وعن التبذير بكل صوره وأشكاله، وهذا نحتاج معه جميعًا إلى أن نربي أنفسنا عليه، وأن نربي أهلينا عليه؛ لأن مجالات السرف والتبذير متعددة ليس في المال فحسب، فالماء الذي يسكب بلا حساب، والذي يجعل مشرعًا في كل مجال دون ضابط ودون ملاحظة للاقتصاد - هذا نوع من الإسراف والتبذير.
وهكذا النفقات التي ينفقها كثير من الناس على مجالات أشبه ما تكون بحرق المال وإتلافه، مما يكون في المطاعم والمشارب والملابس، وغير ذلك من المظاهر، كل هذا مما يكون فيه الإسراف والتبذير، فلا يكون حل لمثل هذا بمثل ما يكون من التذكير والموعظة، وبمثل ما يكون من التربية؛ سواء كان في البيت أو المدارس والجامعات، أو في عموم وسائل الإعلام، وفي تعاون أفراد المجتمع على تحقيق هذا المنهج الشرعي؛ كما أمر الله جل وعلا: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ﴾ [الفرقان: 67].
ألا وصلوا وسلموا على خير خلق الله نبينا محمد، فإن الله قد أمرنا، فقال في كتابه عز من قائل: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم وارضَ عن خلفائه الراشدين والأئمة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة والتابعين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
﴿ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحشر: 10].
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذِل الكفر والكافرين، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، واجمعهم على الحق يا رب العالمين.
اللهم اجعل بلدنا هذا آمنًا مستقرًّا وسائر بلاد المسلمين، اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا.
اللهم اجعلهم بالحق قائمين، وبشرعك عاملين، اللهم انفع بهم العباد والبلاد، واللهم ارزقهم البطانة الصالحة الناصحة، وأبعد عنهم بطانة السوء يا رب العالمين.
اللهم ولِّ على المسلمين خيارهم، واكْفِهم شرارهم، اللهم احقن دماء المسلمين في كل مكان، اللهم مَن أراد بالإسلام والمسلمين سوءًا، فاشغله بنفسه، واجعل تدبيره تدميرًا عليه يا سميع الدعاء.
اللهم سدِّد وثبِّت أقدام إخواننا المرابطين والمجاهدين في الحدود الجنوبية، اللهم احفظهم بحفظك، اللهم اكسر شوكة أعدائنا من اليهود والنصارى وأعوانهم، ومَن شايَعهم وتواطأ معهم يا رب العالمين.
اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقِنا عذاب النار.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا، وارحمهم كما ربَّوْنا صغارًا.
عباد الله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90].
فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نِعَمه يَزِدْكم، ولذكرُ الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون. أسلام واب |
||
|
|||
|
Post: #2
|
|||
aboalftooh Joined: 27-02-2015 Posts: 3,758 Country: |
خطر الإسراف والتبذير :thankyou:
|
||
|
|||
|
Post: #3
|
|||
Guest Joined: Today Posts: 0 Country: |
خطر الإسراف والتبذير اللهم اجعلنا بالحق قائمين، وبشرعك عاملين .. اللهم آمين
|
||
|
|||
|
Post: #4
|
|
MiLaNiSTa Joined: 17-07-2011 Posts: 102 Country: |
خطر الإسراف والتبذير جزاك الله خيراً
|
|
|
Post: #5
|
|
Guest Joined: Today Posts: 0 Country: |
خطر الإسراف والتبذير جزاك الله خير |
|
|
Bookmarks | ||||
|
|