انتبه يا طالب العلم قد يقتلك حديث واحد !!
فحدث الناس بما يعقلون
قال الإمام الذهبي في السير (5 / 272) في ترجمة الإمام أبو الخطاب قتادة بن دعامة السدوسي :
" قال يحيى بن يوسف الزمي: حدثنا ابن عيينة، قال لي عبد الكريم الجوزي: يا أبا محمد، تدري ما حاطب ليل ؟ قلت: لا، قال: هو الرجل يخرج في الليل فيحتطب، فيضع يده على أفعى فتقتله، هذا مثل ضربته لك لطالب العلم، أنه إذا حمل من العلم ما لا يطيقه، قتله علمه، كما قتلت الأفعى حاطب الليل " .
• قال أبو إسحاق -غفر الله له- : وسأضرب لك -يا طال العلم- مثالاً جيداً في بابه -ولولا أن هذه الواقعة في عدة كتب لأعرضت عنها جملة، ففيها عبرة- :
قال الذهبي في السير (9 / 160) في ترجمة الإمام أبو سفيان وكيع بن الجراح الرؤاسي رحمه الله :
" قال علي بن خشرم: حدثنا وكيع، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن عبد الله البهي، أن أبا بكر الصديق جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته، فأكب عليه، فقبله، وقال: " بأبي وأمي، ما أطيب حياتك وميتتك "، ثم قال البهي: وكان ترك يوما وليلة حتى ربا بطنه، وانثنت خنصراه.
قال ابن خشرم: فلما حدث وكيع بهذا بمكة، اجتمعت قريش، وأرادوا صلب وكيع، ونصبوا خشبة لصلبه، فجاء سفيان بن عيينة، فقال لهم: الله الله ! هذا فقيه أهل العراق، وابن فقيهه، وهذا حديث معروف.
قال سفيان: ولم أكن سمعته إلا أني أردت تخليص وكيع.
قال علي بن خشرم: سمعت الحديث من وكيع، بعدما أرادوا صلبه، فتعجبت من جسارته، وأخبرت أن وكيعا احتج، فقال: إن عدة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، منهم عمر، قالوا: لم يمت رسول الله. فأراد الله أن يريهم آية الموت.
رواها أحمد بن محمد بن علي بن رزين الباشاني قال: حدثنا علي ابن خشرم.
وروى الحديث عن وكيع: قتيبة بن سعيد .
فهذه زلة عالم، فما لوكيع ولرواية هذا الخبر المنكر المنقطع الاسناد ! كادت نفسه أن تذهب غلطا،
والقائمون عليه معذورون، بل مأجورون، فإنهم تخيلوا من إشاعة هذا الخبر المردود، غضا ما لمنصب النبوة، وهو في بادئ الرأي يوهم ذلك، ولكن إذا تأملته، فلا بأس إن شاء الله بذلك، فإن الحي قد يربوا جوفه، وتسترخي مفاصله، وذلك تفرع من الامراض، و " أشد الناس بلاء الانبياء " ، وإنما المحذور أن تجوز عليه تغير سائر موتى الآدميين ورائحتهم، وأكل الارض لاجسادهم، والنبي صلى الله عليه وسلم فمفارق لسائر أمته في ذلك، فلا يبلى، ولا تأكل الارض جسده، ولا يتغير ريحه، بل هو الآن، وما زال أطيب ريحا من المسك، وهو حي في لحده حياة مثله في البرزخ، التي هي أكمل من حياة سائر النبيين، وحياتهم بلا ريب أتم وأشرف من حياة الشهداء الذين هم بنص الكتاب (أحياء عند ربهم يرزقون) [ آل عمران: 169 ]
وهؤلاء حياتهم الآن التي في عالم البرزخ حق، ولكن ليست هي حياة الدنيا من كل وجه، ولا حياة أهل الجنة من كل وجه، ولهم شبه بحياة أهل الكهف، ومن ذلك: اجتماع آدم وموسى، لما احتج عليه موسى، وحجه آدم بالعلم السابق كان اجتماعهما حقا، وهما في عالم البرزخ، وكذلك نبينا صلى الله عليه وسلم أخبر أنه رأى في السماوات آدم وموسى وإبراهيم وإدريس وعيسى، وسلم عليهم، وطالت محاورته مع موسى ، هذا كله حق.
والذي منهم لم يذق الموت بعد هو عيسى عليه السلام، فقد تبرهن لك أن نبيا صلى الله عليه وسلم ما زال طيبا مطيبا، وأن الارض محرم عليها أكل أجساد الانبياء، وهذا شئ سبيله التوقيف، وما عنف النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة رضي الله عنهم لما قالوا له بلا علم : وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت ؟ - يعني قد بليت - فقال: " إن الله حرم على الارض أن تأكل أجساد الانبياء " .
وهذا بحث معترض في الاعتذار عن إمام من أئمة المسلمين، وقد قام في الدفع عنه مثل إمام الحجاز سفيان بن عيينة، ولولا أن هذه الواقعة في عدة كتب، وفي مثل " تاريخ الحافظ ابن عساكر "، وفي " كامل الحافظ ابن عدي " لاعرضت عنها جملة، ففيها عبرة حتى قال الحافظ يعقوب الفسوي في " تاريخه " :
" وفي هذه السنة حدث وكيع بمكة، عن ابن أبي خالد، عن البهي ، فذكر الحديث، ثم قال: فرفع ذلك إلى العثماني، فحبسه، وعزم على قتله، ونصبت خشبة خارج الحرم، وبلغ وكيعا، وهو محبوس.
قال الحارث بن صديق: فدخلت عليه لما بلغني، وقد سبق إليه الخبر، قال: وكان بينه وبين ابن عيينة يومئذ متباعد، فقال لي: ما أرانا إلا قد اضطررنا إلى هذا الرجل، واحتجنا إليه، فقلت: دع هذا عنك، فإن لم يدركك، قتلت، فأرسل إلى سفيان، وفزع إليه، فدخل سفيان على العثماني - يعني متولي مكة - فكلمه فيه، والعثماني يأبى عليه، فقال له سفيان: إني لك ناصح، هذا رجل من أهل العلم، وله عشيرة، وولده بباب أمير المؤمنين، فتشخص لمناظرتهم، قال: فعمل فيه كلام سفيان، فأمر بإطلاقه، فرجعت إلى وكيع، فأخبرته، فركب حمارا، وحملنا متاعه، وسافر، فدخلت على العثماني من الغد، فقلت: الحمد لله الذي لم تبتل بهذا الرجل، وسلمك الله، قال: يا حارث، ما ندمت على شئ ندامتي على تخليته، خطر ببالي هذه الليلة حديث جابر بن عبد الله قال: حولت أبي والشهداء بعد أربعين سنة فوجدناهم رطابا يثنون لم يتغير منهم شئ .
ثم قال الفسوي: فسمعت سعيد بن منصور يقول: كنا بالمدينة، فكتب أهل مكة إلى أهل المدينة بالذي كان من وكيع، وقالوا: إذا قدم عليكم، فلا تتكلوا على الوالي، وارجموه حتى تقتلوه.
قال: فعرضوا علي ذلك، وبلغنا الذي هم عليه، فبعثنا بريدا إلى وكيع أن لا يأتي المدينة، ويمضي من طريق الربذة، وكان قد جاوز مفرق الطريقين، فلما أتاه البريد، رد، ومضى إلى الكوفة.
ونقل الحافظ ابن عدي في ترجمة عبدالمجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد أنه هو الذي أفتى بمكة بقتل وكيع.
وقال ابن عدي: أخبرنا محمد بن عيسى المروزي - فيما كتب إلي - قال: حدثنا أبي عيسى بن محمد، قال: حدثنا العباس بن مصعب، حدثنا قتيبة، حدثنا وكيع، حدثنا إسماعيل بن أبي خالد، فساق الحديث، ثم قال قتيبة: حدث وكيع بمكة بهذا سنة حج الرشيد، فقدموه إليه، فدعا الرشيد سفيان بن عيينة وعبد المجيد بن أبي رواد، فأما عبدالمجيد، فإنه قال: يجب أن يقتل، فإنه لم يرو هذا إلا من في قلبه غش للنبي صلى الله عليه وسلم.
وقال سفيان: لا قتل عليه، رجل سمع حديثا، فأرواه ...
قال قتيبة: فكان وكيع إذا ذكر فعل عبدالمجيد، قال: ذاك جاهل، سمع حديثا لم يعرف وجهه، فتكلم بما تكلم .
قلت (الذهبي) : فرضنا أنه ما فهم توجيه الحديث على ما تزعم، أفمالك عقل وورع ؟
أما سمعت قول الامام علي: حدثوا الناس بما يعرفون، ودعوا ما ينكرون، أتحبون أن يكذب الله ورسوله .
أما سمعت في الحديث ( أي في الأثر فإنه من كلام ابن مسعود رضي الله عنه كما في مقدمة مسلم ) : " ما أنت محدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان فتنة لبعضهم ". " اهـ .
قلت : رحم الله وكيعا وغفر له ورحم الله سفيان وغفر له ورحم الله الذهبي وغفر له
وأسأل الله أن يرحمنا وجميعا ويغفر لنا
آمين آمين والحمد لله رب العالمينشبكة سحاب السلفية