You are Unregistered, please register or login to gain Full access
Recover Password: via Email | via Question
Thread Options  Search this Thread  
Post: #1
14-07-2019 11:18
ahmeddodo


Joined: 07-10-2014
Posts: 2,324
Country: Egypt
Male ahmeddodo is Offline now
التعصب

[b] بسم الله الرحمان الرحيم

تعريف التعصب :  
1)   لغة  :
قال ابن منظور: ”التعصب: من العصبية، وهي أن يدعو الرجل إلى نصرة عصبته والتألب معهم على من يناوئهم ظالمين كانوا أو مظلومين. وقد تعصبوا عليهم إذا تجمعوا فإذا تجمعوا على فريق آخر قيل: تعصبوا..
والعصبة: الأقارب من جهة الأب لأنهم يعصبونه ويعتصب بهم أي يحيطون به ويشتد بهم. وفي الحديث: (ليس منّا من دعا إلى عصبية، أو من قاتل من أجل عصبية، أو من مات من أجل عصبية)
والعصبية والتعصب: المحاماة والمدافعة. وتعصبنا له ومعه: نصرناه”
2) تعريف التعصب اصطلاحاً: 
يمكن تعريف التعصب بأنه شعور داخلي يجعل الإنسان يتشدد فيرى نفسه دائما على حق ويرى الآخر على باطل بلا حجة أو برهان.
ويظهر هذا الشعور بصورة ممارسات ومواقف متزمتة ينطوي عليها احتقار الآخر وعدم الاعتراف بحقوقه وإنسانيته.
                                     وبضدها تتبيّن الأشياء:
فالتعصب ضد التسامح، والانغلاق ضد الانفتاح، والتحجر ضد التفكر، ورفض الآخر وعدم قبوله ضد التواصل معه والتعايش والتوافق، والعصبية والحمية ضد التجرد للحق والانتصار له، فمعاني التعصب ممقوته مذمومة، وضدها هذه المعاني الجميلة المحمودة.
التعصب في علم النفس والإجتماع:
يمكن تعريف التعصب على أنه مرض اجتماعي يولد الكراهية والعداوة في العلاقات الاجتماعية والشخصية، حيث يمد التعصب صاحبه بأسباب وهمية تفوت عليه فرصة حل إشكالاته ومشاكله بطريقة واقعية.
وقد عرفت البشرية عبر التاريخ بروز صور للتعصب، مما شكل أساسا لحلقات من الصراع كانت مصدرا لتعاسة البشر، وحاجزا للتفاهم بينهم، فالتعصب ونظرا لما يخلقه من صعوبات نفسية واجتماعية، فإنه يعوق النمو النفسي للأفراد ويدفعهم إلى الاضطراب، وهو ما دفع غالبية علماء النفس الاجتماعي إلى الاتفاق على أن: «صاحب الشخصية التعصبية هو نفسه صاحب الشخصية المضطربة".
ويعرف قاموس العلوم الاجتماعية التعصب بأنه " غلو في التعلق بشخص أو فكرة أو مبدأ أو عقيدة بحيث لا يدع مكانا للتسامح، وقد يؤدي إلى العنف والاستماتة، والتعصب كما تشير أدبيات العلوم الاجتماعية المعاصرة يشكل موقفا أو اتجاها ينطوي على التهيؤ الفردي أو الجماعي للتفكير أو الإدراك أو الشعور والسلوك بشكل إيجابي أو سلبي تجاه جماعة أخرى أو أي من أفرادها.

ومن خلال التعريفات السابقة نستطيع الوصول إلى صورة واضحة للمقصود بالتعصب، ولكن ترى ما هي الأسباب التي تؤدي إلى التعصب؟

أسباب التعصب:
هناك أسباب متعددة للتعصب، وقد تناولت الدراسات والكتابات العلمية في علم النفس والاجتماع أسباب ظاهرة التعصب، وإذ بها مجموعة من الأسباب المتداخلة والمتشابكة، فلا يتم تناول هذه الظاهرة من جانب واحد، ولذلك فيجب أن تكون النظرة شمولية متكاملة، ومن أهم هذه الأسباب:
1- تضخم الذات: كما قال فرعون: "ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد"، وهذه الذات المتضخمة قد تكون ذات الشخص أو ذات الجماعة أو ذات الدولة، بمعنى أنها الذات التي يرجع إليها الشخص وينتمي.
2- الشعور بالنقص الذاتي: كذلك الشعور بالنقص أو الدونية عادة ما يجعل الشخص يتعصب لأي شيء قد يجد فيه ما يكمل نقصه، كالجاهل الذي يتعصب لشيخ ما مثلاً.
3- الجهل ونقص المعرفة: فالجهل بالآخر وعدم توسيع المدارك بمعرفته والاطلاع على ما يؤمن به، يدعوه إلى التعصب ضده ورفضه وحسبنا أن نقول: إن الهجوم على الإسلام اليوم ومحاربته من كثير من الشعوب الغربية هو بسبب الجهل بمبادئه وعدم معرفته على الحقيقة هذا مع التشويه وإلقاء الشبهات المتعمد وغير المتعمد من وسائل الإعلام وغيرها.
4- تقديس البشر والغلو فيهم: كما قال تعالى: "اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله" وهذا التقديس والغلو يصل إلى حد إضفاء صفة العصمة والقداسة مما يؤدي إلى التعصب لهذا الشيخ أو لهذه الجماعة.
5- الانغلاق وضيق الأفق: نجد كثيراً من الطوائف والجماعات منغلقة على ذاتها لا تسمع إلا لنفسها وتمنع أتباعها من الاستماع لغيرها وكثير من الأفكار المتطرفة والمتعصبة تنشأ في الأوكار السرية وسراديب الظلام في أجواء مغلقة تعلِّم الإرهاب ورفض الآخر والعنف الموجه وتكفير المخالف.
6- التنشئة الاجتماعية: فالنشأة في أسرة تميز ضد اللون أو الجنس، أو القبيلة والجماعة، أو الفكر، وتغذي روح التعصب والتطرف ضد الآخر؛ تنتج أناساً متعصبين ومتحجرين ومتطرفين، والأسرة نواة المجتمع، وتأثير تنشئتها لابد وأن يظهر فيه، وقد يغلب فيكون التعصب هو الصبغة العامة له.
 7- الفهم الخاطئ للنصوص الدينية: لا شك أن الانحراف في فهم الدين؛ من أسباب التعصب الرئيسية، فالتعصب الصليبي ضد المسلمين كان ناتجاً من فهم خاطئ لمبادئ الدين النصراني، والتعصب المذهبي الذي أدّى إلى رفض الإسلام كان ناتجاً من فهم خاطئ منهم لكهانهم.
8- ضياع الهدف أو القضية التي يعيش لها المرء: مما يجعله يتعصب لأي شيء قد يبدو بظاهره هدف/قضية يمكن أن يتمسك بها.
9- غياب أخلاقيات التعامل مع المخالف: ومن ذلك فنيات إدارة الحوار وتقبل الآخر، وكذلك غياب قيم مثل: العدل والإنصاف؛ والتجرد والتعايش معه رغم الاختلاف؛ والثناء عليه بما أصاب، والدفاع عنه إذا ظُلم وتطاول عليه الآخرون بغير حق، وغيرها من الأخلاقيات التي سنذكرها في البعد الشرعي.
10- تلبية المصالح الشخصية من مال أو جاه أو غيره: وذلك من خلال الاستفادة ممن نتعصب له، فنُسِّوق له وندافع عنه، سواء أكان شخصا أم حزبا أو دولة، وذلك للحصول على المصالح الشخصية.
11- سيادة مبدأ القوة والتعامل العنيف بين الطوائف والجماعات المختلفة: قد يولد نوعاً من التعصب.
12- غياب العدل والمساواة في بعض المجتمعات: ينتج عنه التعصب والميل للعدوان للحصول على الحقوق.
13- غياب القدوات والمثل العليا الوسطية.
14- عدم قيام المؤسسات التربوية (الأسرة، المدرسة، المسجد) بدورها في تنمية مفاهيم تقبل الأخر
صور ومظاهر التعصب:
هناك صور متعددة للتعصب، فالتعصب صبغة يمكن أن تصبغ كافة سلوكيات الفرد، فهناك من يتعصب لقبيلته أو لحزبه أو لدولته أو لفكرته أو لجماعته أو لناديه الرياضي أو لمذهبه أو لعرقه......الخ.
ومن مظاهره:
1. التعصب الحزبي: وهو التعصب للفئة أو الحزب أو الجماعة التي ينتسب إليها الفرد، والانتصار لها بالحق والباطل، وإضفاء صفة العصمة والقداسة عليها، وذكر مزاياها ومحاسنها، ومهاجمة غيرها بذكر عيوبها وسيئاتها، وتعظيم حزبه وتحقير غيره.
2. التعصب القومي: وهو الانتصار للقومية التي ينتسب إليها لمجرد القومية، كما تعصب الأتراك لقوميتهم في آخر الخلافة العثمانية، وكما تعصب العرب لقوميتهم مقابل تعصب الترك، وحروب القوميات لا يخطئها الناظر وقد تقع في البلد الواحد.
3. التعصب المذهبي أو الطائفي: هذا التعصب الذي فرّق المسلمين وجعل لهم أربعة منابر في الحرم المكي حول بيت الله، ومنع متبع المذهب الشافعي أن يصلي خلف الحنبلي، ومتبع الحنبلي أن يصلي خلف المالكي، في فترة أغلق فيها باب الاجتهاد في وجه الأمة، والتعصب الطائفي الذي أشعل نار الفتنة والقتال بين طوائف الأمة كتعصب الخوارج ضد الصحابة وقتالهم.
4. التمييز العنصري: وهذا يحدث بسبب الجنس كتمييز الذكور ضد الإناث أو اللون كتمييز الأبيض ضد الأسود، أو التمييز لاختلاف الأرض والوطن كالتمييز الحاصل ضد المهاجرين واللاجئين، أو التمييز ضد أبناء القبائل الأخرى واحتقارهم.
5. التعصب الفكري: وهو رفض فكر الآخر وعدم قبوله والاستماع إليه، وترك التجرد والإنصاف في الحكم عليه، والتشدد في التعامل معه، ونقده بألذع الصور، وتكوين صورة وإطار معين لفكر المخالف مشوبة بكثير من الأخطاء والمغالطات لأنها قائمة على أسس واهية من التعصب والتحجر.
6. التعصب الرياضي: وهو أحد مظاهر التعصب التي انتشرت في الفترة الأخيرة ولا سيما بعد انتشار روابط المشجعين والتي عرفت بـ(الالتراس) والتي من خلالها زادت وتيرة التعصب بين مشجعي ومحبي الأندية الرياضية، وقد شهدت الملاعب الرياضية أحداث عنف بسبب التعصب الرياضي.
فضلاً عما سبق فإن هناك العديد من مظاهر الت،عصب والتي قد تكون بناءً على النوع كتعصب الرجال للمجتمع الذكوري، التعصب لمهنة معينة أو لأيدلوجية معينة... الخ
درجات التعصب:
يعد كتاب جوردون البورت Gordon Allport عن طبيعة التعصب The Nature of prejudice الذي نشر عام (1954) عملاً أصيلاً له أهميته في هذا المجال، وقد أوضح فيه أن هناك خمس درجات للتعصب تبدأ بالتعبير اللفظي عن العداوة حيث يستحق المفحوص درجة واحدة، يلي هذا الرغبة في تجنب أعضاء الفئة من الناس التي يكرهها الشخص وحض الآخرين على كراهيتهم لهذه الفئة، ثم الاعتداء البدني عليهم وأخيراً تأتي رغبة التخلص منهم بالقتل بأي شكل من أشكاله، وهنا يستحق المفحوص خمس درجات على هذا المقياس.
ومن هنا فدرجات التعصب كما حددها جوردن ألبورت هي:
1- التعبير اللفظي عن الكراهية.
2- تجنب التعامل مع أعضاء الفئة التي يتعصب ضدها.
3- حض الآخرين على الابتعاد عمن يتعصب ضدهم.
4- الاعتداء البدني.
5- الرغبة في التخلص من الآخر بالقتل.
بعض خصائص التعصب:
1- هو سلوك متعلم وليس فطرياً، فليس هناك من يولد متحيزا ضد الآخرين، لأن الأطفال الصغار لا يظهرون أي تحيز إلا بعد ملاحظته لدى الكبار في ممارستهم له واقعيا.
2- يأخذ التعصب حلة لا شعورية إلى حد كبير.
3- يُكتسب من خلال الاحتكاك بثقافة التعصب ومن الممارسة الفعلية، وليس من خلال الاحتكاك أو الاتصال بجماعات أخرى.
4- يرتبط بالجماعات، ولا يرتبط ضرورةً بالأفراد.
5- يوجد ليُشبع حاجات أو رغبات عاطفية (كالشعور بالتفوق، وتبرير الفشل، أو كمخرج للاعتداء والعداوة). 
6- يرتبط التعصب بالعنف في بعض الأحيان.
7- ينتقل التعصب من جيل إلى جيل، إذ يتعلم الكثير من الأبناء التعصب من آبائهم وأساتذتهم.
8- يقوم التعصب على ولاء الفرد الكلى أو الجزئي للقيم والتصورات الطائفية.
أساليب مواجهة التعصب:
إن مواجهة التعصب يتطلب تضافر الجهود من العديد من مؤسسات المجتمع، واهتمام كل مؤسسة بالقيام بدورها في نبذ العنف والتمييز وزرع قيم المساواة، فعلى سبيل المثال:
- الأسرة: وهي المؤسسة الأهم بين مؤسسات المجتمع، ومن خلال التنشئة الاجتماعية السليمة المبنية على تقبل الآخر وعدم التعالي عليه يمكن معالجة التعصب ومظاهره المختلفة.
- المؤسسات التربوية: كالمدارس والجامعات، التي يجب أن تهتم بوضع مناهج دراسية تنبذ العنف والتعصب وتدعو للوحدة والتجانس بين أفراد المجتمع، وتمثل ذلك في سلوك الأفراد وأنظمة المؤسسات.
- المؤسسات الدينية: عليها أن تعدل من خطابها الديني، وأن تقدم خطاباً دينياً عصرياً يتماشى مع مشكلات العصر ويناقشها ويقدم الحلول الواقعية والعملية.
- المؤسسات الاجتماعية: كالمؤسسات المعنية بعلم النفس والاجتماع، فعليها أن تطرح المبادرات المجتمعية التي من شأنها تضييق الفوارق بين شرائح المجتمع وسد الثغرات والنوافذ التي من خلالها يخرج التعصب.
- المؤسسات الإعلامية: عليها أن تقوم بدور توعوي يهدف إلى تقبل الآخر، وعدم اللجوء للنعرات الطائفية والمذهبية، وتقديم نماذج وقدوات للشباب تزرع في نفوسهم المساواة والتعاون وعدم التمييز، كذلك الكف عن الممارسات التي من شأنها تأجيج روح الخلاف والتمييز.
- المنشآت الرياضية: يجب أن تهتم ببناء العقول والأرواح كاهتمامها بالإعداد البدني والعضلي، فالمؤسسات الرياضية يجب أن تقوم بدورها التربوي لا سيما وأن لها شعبية كبيرة في فئة الشباب والمراهقين وتأثيرها عليهم كبير جداً وسريع.
كما أن هناك مجموعة من الاستراتيجيات التي من الممكن أن تساهم في تقليل التعصب ومواجهته وتوجيهه للجانب الإيجابي ومنها:
1- الفهم السليم للتعاليم الدينية وتدبر النصوص القرآنية، وعدم ربط الأفعال العدوانية للمتعصبين بالدين.
2- التعايش السلمي وتقبل الحوار بين الثقافات والفئات المختلفة.
3- تقبل النقد من الآخرين والاعتراف بالخطأ، وتنمية مفاهيم تقويم الذات.
4- مقاومة الفتن والإعلام المضلل بكل وسيلة ممكنة.
5- التعاون مع الآخرين والاستفادة مما عندهم من معارف وخبرات ومميزات.
6- تنشئة الأسرة على احترام الآخرين وعدم استخدام الفرد لألفاظ الذم والشتم، وكظم الغيظ والصبر في كل الأحوال.
7- ضرورة تقديم المصالح العامة على المصالح الخاصة، مع عدم إهمال وتهميش الأخيرة، وعدم استخدام الصالح العام ذريعة لضرب المصالح الخاصة.
 منقــــــــــــــــول 
الحاج بكار
المشاركات: 4679

مشرف الشريعة الإسلامية
مشرف السنة النبوية وأعلام الأمة 
مُحرر و مُدقق لغوي بمجلة الاسلام ديننا 

خطورة التعصب وأضراره   

[/b]


   


 


 


    الشيخ د. : صالح بن عبد الله بن حميد ( بتصرف بسيط )



داء عضال، وخطر داهم يقضي على معاني الإنسانية، داء يصيب الفرد والأمة والمجتمع حينما يستفحل ويتفشَّى فإنه يفتك في الناس فَتْكًا، داء إذا ذَرَّ قرنُه فإنه لا يفرِّق بين متعلم وغير متعلم، ومتحضر وغير متحضر، ومتدين وغير متدين، هو أحد مصادر الغرور، ومنابع الظلم، وأسباب الكراهية، وطرق الفساد والإفساد؛ ذلك يا عباد الله هو التعصب والعصبية، وكل ذلك دعوى الجاهلية وحمية الجاهلية.التعصب غلو وتطرف وكراهية وفُرْقَة وضلال وشحناء، انقياد عاطفي مقيت لتصورات ومفاهيم ومسالك تتعارض مع الحق والعدل والموضوعية، التعصب حماس أعمى ومشاعر جارفة وأحكام مسبَقَة واستهانة بالآخرين، التعصب خضوع مطلق وسير من غير بصيرة مع الجماعة أو الفئة أو الحزب، أو القبيلة أو الطائفة أو العِرْق، التعصب غلو في التعلق بالأشخاص، والتمسك بالأفكار والإصرار على المبادئ، لا يدع مكانًا للتسامح، ولا مجالا للتفاهم، ولا فرصةً للقبول، التعصب ينطلق من تصورات مسبَقَة في تصنيف الناس والمجتمعات إلى فئات دينية وعرقية ومذهبية وقبلية وسياسية وفكرية ومناطقية ورياضية وغيرها.  حقيقة التعصب هو: عدم قبول الحق ممن جاء به، مع ظهور دليله بسبب ما في النفس من أغراض وأهواء وانحياز، التعصب دفاع بالباطل حينما يرى المتعصبُ أنه هو الذي على الحق دائما بلا حجة وبلا برهان، وغيره هو المخطئ دائما، وهو الذي على الباطل دائما، ولو كان معه الحجة والبرهان، والعناد والانغلاق والتحجر وعدم التوافق ورفض التعايش كلها أنواع من التعصب، وكلها تمد صاحبها بأسباب الكراهية والشحناء وتفوت فرص الاجتماع والتآلف وحل المشكلات والبناء والتعاون، والتعصب لا يجتمع مع التسامح والانفتاح وقبول الآخر. التعصب والعصبية داء فتاك يقود إلى اللجاجة والتقليد الأعمى ويولد حجابا غليظا يصد عن قبول الحق وقبول الجديد المفيد ويجعل القبيح حسنا ويقلب الحسن قبيحا، وقد قال بعض الحكماء: "التعصب عدو مستتر لم يدرك كثيرٌ من الناس خطورتَه الماحقةَ وآثاره المدمرة"العصبية نعرة مهلكة تنمو في النفس البشرية في البيئة التي تحتضنها، يتربى عليها الصغير، ويهرم فيها الكبير، رجالا ونساء، تمزق العلاقات الاجتماعية وتسلب روح الوحدة والألفة وتنشر بذور النفاق والفرقة وتبدد الطاقات وتضعف القوى وتهدم البناء، وهل رأيت أعظم من متعصب يرى شرار قومه خيرا من خيار الآخرين؟التعصب يورث التمييز والانحياز والتصنيف ويبني حجابا كثيفا على العقل والبصر، ويمنع من إدراك الحق وابتغائه والتمييز بين المصلحة والمفسدة.وللتعصب مظاهر؛ منها: احتقار الآخرين وتنقُّصهم وعدم الاعتراف بأحقيتهم وحقوقهم، وَمِنْ أظهرِ مظاهرِ التعصبِ تقديمُ الولاءات على الكفاءات، وقد يظهر التعصب في سوء القول والتعبير، وقد يترقَّى إلى تجنُّب التعامل مع من يتعصب ضده ثم يترقى هذا المتعصب إلى أن يمنع جماعته وفئته من التعامل مع هذا المخالف، وقد يترقى إلى الاعتداء عليه، وقد يصل إلى قتله والتخلص منه عياذا بالله. وكم أثارت النعرات العصبية من حزازات سياسية بشعارات عقائدية وتترست بنداءات دينية فأنبتت فرقة وتحزبا وتشرذما، وكم أدى التعصب في درجات شديدة إلى التمييز والتصنيف والعدوان والقتل، وقد يصل إلى الإبادة الجماعية عياذًا بالله، كما يؤدي إلى التشريد والتهجير والنفي، التعصب يقود التشويه وإساءة التفسير وتجاهل الحقائق والوقائع. إن أضرار التعصب وخسائره ومساوئه قد سوَّدت صحائف التاريخ، وكم وَاجَهَ الأنبياءُ -عليهم السلام- والمصلحون من عوائق في طريق هداية الناس، وإصلاح البشرية، وقائدُ ذلك ورائدُه التعصبُ، وقد قال إمامهم ورائدهم إلى النار: (مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ) [غَافِرٍ: 29]، بسبب التعصب سُفكت الدماءُ، وضاعت الحقوق، وفشى الظلم، في التعصبِ هدرٌ لطاقات الأمة عجيبٌ، بل هو من أعظم معوقات التنمية؛ فإذا دخلت العصبية خطط التنمية فَقُلْ: على أهلها السلام، وسواء في ذلك الاقتصادية أو السياسية أو التعليمية أو الإدارية أو الثقافية أو الدينية أو غيرها.  وقد يسلك بعضُ الناس مسلكَ التعصب لإشباع غروره ولستر نقص في نفسه أو خبراته أو قدراته أو تسويغ فشله، وقد يوظِّفه ليجعل له مكانة أو مركزا في الدين أو السياسة أو الثقافة سواء أكان ذلك في كتابات أو مؤلفات أو تكوين أحزاب وجماعات وطوائف ومؤسسات تقوم على الأساس العرقي أو المذهبي أو المناطقي أو القبلي أو الانتماء الفكري. إن تشخيص الداء والكشف عن المرض هو السبيل الأقوم والطريق الأنجع للعلاج ومحاصرة آثار المرض السلبية في المجتمع وفي الحياة؛ ومن أجل هذا -عباد الله- فلا بد من النظر في أسباب ظهور التعصب ومثيرات العصبية، يأتي في مقدمة هذه الأسباب -حفظكم الله- التربية والنشأة الاجتماعية، فمن نشأ في بيئة تغذي العصبية فإنها تنتج متعصبين؛ مما ينتج عنه الظلمُ والتطاولُ والفجورُ في الخصومة والإقصاء؛ فالإنسان لا يولد متعصبا، الإنسان لا يولد متعصبا، ولكنه يأخذ ذلك بالتقليد والتلقي والتربية.ومن أسباب ظهور التعصب: غياب القيم والأخلاق من العدل والإنصاف والتجرد والمساواة؛ مما يولد العدوانية والكراهية والانكفاء إلى الفئات والانحياز إلى الجماعات، ومن ذلك الغلو في الأشخاص من العلماء والمشايخ والكبراء ورؤساء المجتمع، ومن أعظم الأسباب وأكبرها: إثارة الخلافات المذهبية والنعرات القبلية والتمايزات المناطقية والإقليمية؛ ومن ثم تثار معها مشاعر الأحقاد والكراهية وبخاصة حينما يجترُّون أحداثا تاريخية سالفة عفا عليها الزمن لم تكن في وقتها مما يُحمد أو يشرِّف، فكيف وقد دفنها الزمنُ ويريد هؤلاء غير الحكماء أو المغرضون المفسدون يريدون إحياءها وإثارتها، ويريدون إسقاط الحاضر على ذلك الماضي غير المجيد ولا الشريف، وهذا المسلك المنحرف يستنزف القوى ويهدر الطاقات ويفرق الأمة ويشتت الأهداف ولا ينتج إلا عصبية مقيتة وتوجهات متطرفة ومسالك موغلة في الغلو ويحرمون المجتمع من أن يجتمع على مودة ورحمة وأخوة؛ ومن هنا تذهب ريح الأمة وتستباح بيضتها، وتفتح الأبواب مشرعة للأعداء يدخلون عليها من كل باب، طعنا في الدين وَغَمْطًا للمكان ونهبا للخيرات وتقطيعا للأوصال.ومما يلفت النظر مع الأسف أن بعض القنوات الفضائية وأدوات التواصل الاجتماعي تتبنَّى مثلَ هذا بقصد أو بغير قصد في أطروحات وتغريدات ومن خلالها تثور الخلافات المذهبية والعصبية القبلية والتمايزات المناطقية والفتن الحزبية وهؤلاء جميعا مع الأسف لا ينقصهم إرث تاريخي يؤجج مثل هذا، بل إن الإعلام المشبوه هذه هي بضاعته، وهؤلاء هم جنوده. أعظم وسائل العلاج تربية الأجيال في مناهج التربية على التسامح وحفظ حقوق جميع الناس واحترامهم، ومن أهم وسائل العلاج: سَنّ الأنظمة التي تَحُول دون التعصب، ووضع سياسات واضحة لمحاربة مختلف أشكال التمييز والتصنيف وتحقيق العدل وحفظ الحقوق مع التنبيه لعظم دور الأسرة والمدرسة والمسجد والإعلام بكل أدواته، ووضع الخطط في ذلك.ومن أكبر وسائل العلاج: تحري الحق والتسليم له والسعي إليه وقبوله ممن جاء به.وبعدُ  فمتى كان اختلاف البشر في ألوانهم يعطيهم فضلا على بعض؟ ومتى كان الميلاد فوق أرض يجعل أرضا أرقى من أرض؟ وهل يكون جَنِين في بطن معيَّن يخلق نسبًا أشرفَ من نسب؟ وقد قال نبينا محمد -صلى الله عليه وآله وسلم-: "مَنْ أَبْطَأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ"، ويقول عليه الصلاة والسلام: "لَا يَأْتِينِي النَّاسُ بِأَعْمَالِهِمْ وَتَأْتُونَنِي بِأَنْسَابِكُمْ” (متفق عليه)، ويقول لابنته فاطمة وهي بُضْعَة منه وسيدة نساء العالمين -رضي الله عنها- وأرضاها: "يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ، لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا” (متفق عليه).وقد قال الله لنوح -عليه السلام- في ابنه: (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ) [هُودٍ: 46]، فالعصبيات -عباد الله- ما هي إلا غلبة أوهام يستكثر بها الصغار أمجادا موهومة، إنها أمجاد لا تكلف ثمنا، ولا تستغرق جهدا ولا تُنتج ثمرا، فالإنسان مسئول بنفسه عن نفسه، يقدمه ما اكتسب من خير، ويؤخره ما اكتسب من شر، ويرفعه لباس التقوى؛ ذلك خير.وفي الحديث عنه -صلى الله عليه وسلم-: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ دَعَا إِلَى عَصَبِيَّةٍ، وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ قَاتَلَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ، وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ مَاتَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ” (رواه أبو داود)، وفي الحديث الآخر: "مَنْ قُتِلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِعَصَبِيَّتِهَ، وَيَنْصُرُ عَصَبِيَّةً، وَيَدْعُو إِلَى عَصَبِيَّةٍ فَقُتِلَ فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ” (رواه مسلم).أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى * وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى * أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى * وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى * وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى) [النَّجْمِ: 36-42].                                                                                                                                                                           

The following user says thank you to ahmeddodo for this useful post:



Bookmarks
Digg del.icio.us StumbleUpon Google

Quick Reply
Decrease Size
Increase Size
Insert bold text Insert italic text Insert underlined text Align text to the left Align text to the centerr Align text to the right Justify text Insert quoted text Code Insert formatted PHP code Insert formatted SQL code
Colors
Insert hyperlink Insert image Insert email address
Smilies
Insert hidden text



Forum Jump: