نحن الان مع الجزء الثانى فى حياة رشدى اباظة
بعد قيامه ببطولة فيلمه الأول ( المليونيرة الصغيرة ) كفتى أول ، كان الحقل السينمائي مزدحماً بالنجوم وفنيان الشاشة الأوائل اللامعين في الأربعينات ، أمثال أنور وجدي وعماد حمدي وحسين صدقي ومحمود ذو الفقار ومحسن سركان وأحمد سالم ، ونجوم الجيل الثاني والذي يعد هو منهم ، أمثال كمال الشناوي وشكري سرحان ، ومن بعدهم في الخمسينات أحمد مظهر وعمر الشريف وصلاح ذو الفقار وأحمد رمزي ، إضافة الى نجوم الغناء طبعاً.
ولهذا السبب لم يجد رشدي أباظة له مكاناً بين كل هؤلاء ، فإضطر لترك مكانه في الصف الأول وتوارى في الصفوف الخلفية بين الكومبارس وممثلي الأدوار الثانوية في أكثر من عشرين فيلماً . الى أن أعاد إكتشافه من جديد المخرج الكبير عز الدين ذو الفقار في فيلمي ( إمرأة في الطريق ) و ( الرجل الثاني ) . ولكن في الفترة التي سبقت هذين الفيلمين ، إشترك رشدي أباظة ـ بإعتباره يجيد اللغة الإيطالية ـ في فيلم ( الصقر ) ، وهو إنتاج إيطالي/مصري قام بإخراجه صلاح أبو سيف . كما أنه قام بدور البديل للممثل العالمي روبرت تايلور في فيلم ( وادي الملوك ) الذي صورت مشاهده بين آثار مصر القديمة ، وكان ذلك عام 1953 . وبعد هذا الفيلم مباشرة ، منحه المخرج كمال الشيخ فرصة أخرى في فيلم (مؤامرة).
أما بالنسبة لحياته الخاصة ، فقد تعرف رشدي أباظة على الفنانة تحية كاريوكا التي كانت ذات شخصية قوية وراقصة لامعة ، وهي التى إستطاعت أن تنتشله من حزنه على موت حبيبته كاميليا ، إلا أنه آثر الإبتعاد عنها ، في فترة كان فيها عاطلاً عن العمل . وفي هذه الأثناء تعرف أيضاً على آني برييه المغنية الفرنسية التي كانت عشيقة للملك فاروق ، إلا أنه لم يأبه بذلك . وقد أثار هذا غضب الملك ، إلا أنه لم يستطع أن يفعل له شيئاً ، بسبب أن رشدي ينحدر من أسرة تتوزع بين الأحزاب ، ولا يجوز إغضاب هذه الأحزاب ومناصبتها العداء في معركة خاسرة.
بعد مجموعة من الأدوار الثانوية في السينما المصرية ، قرر رشدي أباظة أن يجرب حظه في السينما الإيطالية ، فقام برحلة الى إيطاليا في ربيع عام 1950 إستغرقت سبعة شهور ، عاد منها بعد أن لاحقه الفشل هناك . والغريب من أننا لم نسمع عن أية مغامرات غرامية للدون جوان في تلك الرحلة . ربما أن المغامرات الغرامية لا تعتبر مغامرات في المجتمع الأوروبي.
لقد كان رشدي أباظة ، بسبب المرأة ، يعيش في خطر . فقد تحدى الملك في إنشاء علاقات غرامية مع إثنتين من عشيقاته (كاميليا ـ آني) دون أن يعبأ بالخطر . بل إنه تعرض ، بسبب إحدى مغامراته الغرامية ، الى التهديد بتشويه وجهه بماء النار وهو في التاسعة عشرة . كما أنه تعرض الى أخطر مغامرة كادت تودي بحياته ، وذلك عندما قفز من شرفة بيت الى الشرفة المجاورة في الطابق التاسع من إحدى العمارات ، من أجل مغامرة غرامية أيضاً.
عموماً .. فقد شهدت أشجار الأرز في لبنان قصة غرام المغنية الفرنسية والدون جوان الشاب . وبعد عودتهما الى القاهرة ، صدرت أوامر ملكية بترحيل آني فوراً دون أن يراها أحد . وكان إبعاد آني مقدمة لدخول رشدي الى قلب تحية كاريوكا . كان رشدي قد إلتقى بتحية مرتين من قبل ، إلا أنه كان مشغولاً بحبه لكاميليا وآني . ثم أنه لم يرد أن يكون عالة على راقصة . وكان قد قرر بعد عودته الى مصر الإتجاه الى الأعمال الحرة ، فإفتتح مطعماً ومحلاً لقطع غيار السيارات وإشترى سيارات أجرة تعمل لحسابه ، وبالتالي أصبح الممثل السينمائي المبتدىء رجل أعمال . لذا كان لقائه الثالث بتحية مواتياً هذه المرة . فما كان منه إلا أن طلب من تحية كاريوكا أن يتزوجها . فكان ما أراد ، وسافر الزوجين في رحلة شهر العسل الى بيروت . وإستمر هذا الزواج عامين فقط ، تخللته بعض الخلافات ، كان رشدي سبباً في أغلبها ، وذلك بسبب مغامراته الغرامية ، خصوصاً بعد لقائه بـ آني مرة أخرى في بيروت.
وفي عام 1955 ، بدأ رشدي أباظة مرحلة الأدوار الثانية بدلاً من الأدوار الثاوية . فقدم أفلام بحر الغرام ـ تمر حنة ـ دليلة ـ تجار الموت ـ طريق الأمل ـ جميلة ـ نساء في حياتي ـ رد قلبي ـ أحبك يا حسن . وكانت هذه المرحلة بالنسبة لرشدي هي مرحلة البحث عن الذات ، وقد غلب على أدواره فيها طابع العنف . فقد إستغل المخرجون ضخامة جسمه ومظهر القوة الذي يتميز به ، فإختارو له ثياباً تبرز شعر صدره وأساور من الجلد حول رسغيه تبرز عضلات ذراعيه ، يرفع البراميل والأثقال بيديه القويتين ، وبدى في هذه الأفلام يضرب أكثر مما يمثل . ولكنها كانت مرحلة ضرورية من أجل الإنتشار وكسب الشعبية اللازمة للنجم السينمائي .
أما المخرج عز الدين ذو الفقار ، فقد أثبت للجميع بأن رشدي أباظة يمتلك قدرات هائلة في الأداء ، وذلك من خلال دوره في فيلم ( إمرأة في الطريق ) . فبدا رشدي أباظة نداً لشكري سرحان وهدى سلطان ، وإستطاع أن يقف في ثبات أمام العملاق زكي رستم . وقد فاز رشدي أباظة عن دوره هذا بجائزة الممثل الثاني من الدولة وقدرها 500 جنيه ، وكانت أول وآخر جائزة سينمائية لرشدي أباظة.
وقد نجح فيلم ( إمرأة في الطريق ) نجاحاً كبيراً ، وحقق لرشدي إباظة قفزة جعلته أحد الوجوه الرئيسية في السينما المصرية . وسيطالعنا في العديد من الأفلام التالية بملامح قريبة من دوره في هذا الفيلم .. فهو الرجل القوي ـ جسمانياً ونفسياً ـ المتفجر بالحيوية الممتلىء بالحياة فاتن النساء . وكأمثلة نتذكر أدواره في صراع في النيل ـ بهية ـ خلخال حبيبي ـ صراع في الجبل ـ صراع المحترفين.
وفي العام التالي لفيلم ( إمرأة في الطريق ) ، أسند المخرج عز الدين ذو الفقار بطولة ( الرجل الثاني ) لرشدي أباظة ، حيث منحه الملامح الجديدة المميزة للشخصية الشريرة . في هذا الفيلم تغيرت الصورة التقليدية للرجل الشرير ، فلم تعد غلظة الملامح والسلوك وتشوهات الوجه من شروط المجرم ، بل من الممكن أن يخفي الوجه الملائكي الشفاف والسلوك المهذب أخطر أنواع الشر والميل للعدوان . ففي فيلم ( الرجل الثاني ) جسد رشدي فيه صورة الشر الهاديء والمستتر والذي يعتمد على الذكاء وإستخدان العقل أكثر من إعتماده على القوة.
لقد أدى رشدي أباظة دوره في فيلم ( الرجل الثاني ) ببراعة وإتقان .. كل شيء محسوب بدقة .. البسمة ، اللفتة ، الهمسة ، نظرة العين . لذلك فتح هذا الدور لرشدي باب النجومية على مصراعيه ، وحوله الى دور البطل الأول في الكثير من الأفلام ... خلخال حبيبي ـ ملاك وشيطان ـ لقاء عند الغروب ـ المراهقات ـ صراع في الجبل . وقدم أيضاً أفلاماً كوميدية ناجحة ... الزوجة رقم 13 ـ آه من حواء ـ عروس النيل ـ حلوة وكذابة ـ المجانين في نعيم . كما أنه قدم أفلاماً وطنية في أفلام في بيتنا رجل ـ لا وقت للحب ـ غروب وشروق.
خلال هذه الفترة ، وصل رشدي أباظة الى القمة ، وتربع عليها . بل أنه أصبح فتى الشاشة العربية الأول دون منازع ، بالمقياس الشعبي والفني ، فكانت أفلامه تحقق أعلى الإيرادات . فقد جاء ترتيبه الأول على كل النجوم العرب ، في إستفتاء فني أجرته مجلة الشبكة اللبنانية عام 1969، بينما كان ترتيب الفنان عبد الحليم حافظ الثاني من بعده .
الى اللقاء فى الجزء الثالث و الاخير