منذ أكثر من 14 سنة، في مدينة دريسدن الألمانية، كشفت آ .لانغه أوند سونه عن أول مجموعة ساعات يد تحمل اسمها، في عصرها الجديد.
المجموعة شملت خمس ساعات، هي: «دي لانغه 1»، و«أركايد» و«ساكسونيا»، و«1815»، و«بور لو ميريته».
ولا حاجة للقول إن المجموعة أثارت ضجة كبيرة وكثيرا من الفضول والإعجاب في أوساط الذواقة والمهتمين بالساعات الفاخرة.
فقد جاءت تختزل كل جماليات الثقافة الألمانية ومبادئها من جهة، وتتميز بخطوط واضحة ومحددة من جهة ثانية، هذا عدا أنها جاءت في وقت اعتقد الجميع أن هذه الماركة أصبحت خبرا من الماضي.
كانت هذه في الواقع بداية النهضة الجديدة للشركة، التي أطلق شرارتها رجل الأعمال الراحل غونثر بلوملاين، وسيحمل مشعلها كل من سيأتي من بعده.
وفي عام 2004، دخلها فارس شاب هو فابيان كرونه، أصبح حارس مفاتيحها وخبير أسرارها، بعد تعيينه الرئيس التنفيذي للشركة.
فابيان الذي ولد في عام 1963، دخلها مسلحا بتجارب لا يستهان بها في مجالات عدة، منها مجال السيارات، حيث عمل في شركة ألفا روميو.
والكل يعرف أن هناك تقاطعات كثيرة بين الصناعتين (السيارات، والساعات)، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر أن الاثنتين عشق الرجل الأبدي.
في معرض جنيف للساعات الفاخرة، الذي أقيم في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي، كانت آ لانغه أوند سونه، الماركة الألمانية الوحيدة في مجموعة ريشمون فينانسيير، وبرزت كواحدة من أهم المشاركين وأهم الماركات التي لا تقبل المنافسة، حتى تكاد تشعر بأنها تتنافس مع نفسها فقط.
فهي، بعد 14 سنة من بداية نهضتها الجديدة، لا تزال تتمسك بتقاليدها والثقافة التي أسست عليها عام 1845، حسبما قاله فابيان كرونه.
والحقيقة أن دقائق معدودات في حضرة هذا الرجل، تفسر لماذا تتبوأ الشركة الألمانية هذه المكانة المتميزة في عالم الساعات الفاخرة، ولماذا تم اختياره هو بالذات لهذه المهمة. فشخصيته لا تختلف كثيرا عن شخصية الساعات التي يمثلها؛ رصينة وقوية، قوتها تكمن في هدوئها وواقعيتها.
يأتيك صوته واضحا وآراؤه صادقة، وأكبر دليل على هذا أنه من القليلين الذين لم يحاولوا إنكار أن الأزمة الاقتصادية ستؤثر على مجال الساعات الفاخرة، بل كان رأيه صريحا.
وهو أن «هناك أزمة، وبلا شك ستؤثر على الكل، لأن الناس الذين يتمتعون بثروات عالية سيصرفون أقل مما كانوا يصرفونه في السابق، على الأقل من قبيل التضامن مع الذين تضرروا أكثر من الأزمة، وفقدوا وظائفهم مثلا».
لكن هذا لا يعني أنه كان متشائما، بل العكس، لأنه يضيف موضحا أن هؤلاء «قد يعزفون عن شراء الصرعات والتصميمات المبهرجة، إلا أنهم سيقبلون على الساعات التي تحمل تاريخا وغير مبالغ فيها مثل لانغه، التي يمكن القول إنها لمدى الحياة ولا تفقد قيمتها».
ويضيف: «صحيح أنه لا يمكن القول إنها تحف فنية، لكن هناك حالات رأينا سعرها يتضاعف ثلاثة أضعاف أو أكثر من السابق .. ومع ذلك، فأنا لا أقول إننا نصنع ساعاتنا لكي تباع في المزادات .. فهذه ليست الفكرة منها أبدا».
مما لا شك فيه أن هذه الماركة النخبوية التي تتميز بتصميمها المميز وجودتها العالية ومظهرها الذي يستوحي قوته من بساطة ووضوح خطوطها، نجحت منذ نهضتها الأخيرة، في مواكبة العصر والاستفادة من تطور تقنياته، لكنها لم تنس احترام الأسس التي أرساها كل من فرديناند أدولف لانغه وجوليوس آسمان، وبعدهما موريتز غروسمان ويوهانس دورشتاين وغيرهم.
وباعتراف فابيان فإن «أي تغيير تخضع له يكون نتيجة دراسات كثيرة للتأكد من عدم تعارضه مع هذا الإرث والهوية». والهوية التي يشير لها هنا هي التصميم الهادئ البعيد عن البهرجة والاستعراض، الذي أصبح ماركة مسجلة للانغه.
والمثير للانتباه أن فابيان يقول إنها، وبفضل هذه المواصفات بالذات، بدأت تعرف إقبالا كبيرا في السوق العربي، «ربما كان الأمر مختلفا منذ ست سنوات أو أكثر، حيث كانت الساعات المرصعة بالمجوهرات هي المرغوبة والأكثر مبيعا.
أما الآن فإن هناك ذواقة كثيرين في الشرق الأوسط، أصبحت لهم دراية عالية بالساعات وتقنياتها، مما جعل الأمر يتحول الآن إلى الساعات الرفيعة والمصممة بطريقة ليس فيها تكلف أو بهرجة.
كما يلاحظ أن هناك اهتماما كبيرا بالأسس التي تبنى عليها الساعة ككل، إلى جانب تقدير كبير لأخلاقياتها وتقنياتها ومبادئها».
ويتابع: «لدينا سوق كبير في لبنان، كما أن مبيعاتنا في دبي لا بأس بها، وبدأنا أخيرا نوجد في الرياض وجدة ونأمل افتتاح محلات أخرى هذا العام في السعودية، لكن بالتدريج، حيث سنأخذ وقتنا في تحقيق هذا الهدف، بسبب الأزمة المالية الحالية».
ومما يستحق الذكر أن لانغه في سياق حرصها الشديد على أرقى مستويات الإنتاج، حافظت على التزامها باعتماد منظومات الحركات الميكانيكية، وهي لا تستعين بالكوارتز مطلقا، إلا في تشكيلات تذكارية عابرة.
أيضا كل علب ساعات لانغه تقريبا مصنوعة من المعادن النفيسة وتحديدا بالذهب والبلاتين ولا يستخدم فيها الفولاذ أبدا، وليس هناك تفكير في إدخاله في المستقبل القريب على الأقل.
وحسب ما يؤكده فابيان، فهي ماركة لا تتنازل عن شخصيتها الألمانية القوية، ولا عن ما تجسده من مبادئ وأخلاقيات، فهي مثلا لن تحذو حذو كثير من الشركات التي خصت أسواقا معينة بتصميمات خاصة.
تستوحي بعضا من ملامحها من معالم ثقافية أو طبيعية للمنطقة التي توجه إليها، لأن هذا حسب رأيه: «لا يتوافق مع شخصية لانغه أوند سونه الألمانية المبنية على مبادئ واضحة لا يمكن الإخلال بها أو التنازل عنها من جهة، كما أنها برأيي الخاص، تشي بعدم ذوق أو احترام.
فحين نأخذ سمات حضارية تخص منطقة معينة، ونضعها في ساعاتنا فقط للتسويق وزيادة الربح، فهذا ما يتنافى ايضا مع فلسفة الدار التي تقوم على احترام ثقافتها وثقافة الغير».
من أهم منجزات لانغه الحديثة على الصعيد التقني تطويرها الكرونوغراف المنفصل المزدوج الذي يتيح لصاحبها توقيت حدثين لمدة ثلاثين دقيقة.
وفي العام الماضي كشفت النقاب عن أول ساعة ميكانيكية بطاقة تشغيل احتياطية لمدة 31 يوما، أي أنها ليست بحاجة إلى التعبئة أو الشحن إلا مرة واحدة كل شهر.
أما أشهر طرازات لانغه فطراز «لانغه 1» الشهير بمينائه الثنائي العدادات، أحدهما الخاص بتحديد الساعات أكبر من الثاني الذي تختلف وظيفته من نسخة إلى أخرى، وطراز «لانغه 31» بعقارب كلاسيكية محورية من نقطة مركز الميناء، والـ«سكسونيا»، والـ«ريتشارد لانغه»، والـ«لانغه ماتيك»، والـ«داتوغراف»، والـ«كاباريه» والـ«اركاد»، مع العلم أن بعض أثمن ساعات لانغه مثل الـ«توربوغراف بور لو ميريته» الكرنوغرافي مع توربيون يصل إلى 460 ألف دولار.
في معرض بازل ورلد، أكبر معرض دولي لصناعة الســاعات والمجوهرات، الأخير، حصلت «آ لانغه أون سونة» على المركز الأول في مجال الساعات الفخمة والثمينة.
وحسب استفتاء أجرته كل من صحيفة «جيرمان صنداي» ومجلة الساعات المتخصصة «امباندورين»، اختيرت «كاباريت توربيلون» (Cabaret Tourbillon) كأفضل ساعة لعام 2009 في فئة الساعات الرجالية.
وقد جاءت ساعة «كاباريت توربيلون» مجهزة بتقنية إيقاف الثواني التي تطبق لأول مرة في ساعة من عيار توربيون، لتكتب الشركة الألمانية فصلا جديدا في تاريخ الحركة اللولبية التي لا تعد حركة معقدة جمالية ذكية فحسب، بل أيضا ابتكارا مفيدا يتلاءم مع تراث «لانغه» العريق في صناعة الساعات.