بسم الله الرحمن الرحيم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حيّا الله الأفاضل
هل يمسح على الخف والجورب المخرق ؟قال شيخ الإِسلام -رحمه الله-: ومعلومٌ أنَّ الخفاف في العادة لا يخلو كثير منها عن فتقٍ أو خرقٍ، لا سيما مع تقادُم عهدها، وكان كثير من الصحابة فقراء، لم يكن يمكنهم تجديد ذلك.ولما سُئِل النّبيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الصَّلاة في الثَّوب الواحد، فقال: "أوَ لكلِّكم ثوبان" ؟! وهذا كما أنَّ ثيابهم كان يكثر فيها الفتق والخرق حتى يحتاج لترقيع؛ فكذلك الخفاف.
وقال شيخ الإِسلام -رحمه الله-: وكان مقتضى لفْظه أنَّ كلَّ خفٍّ يلبسه النَّاس ويمشون فيه؛ فلهم أن يمسحوا عليه، وإن كان مفتوحاً أو مخروقاً؛ من غير تحديد لمقدار ذلك؛ فإِنَّ التحديد لا بدَّ له من دليل.
وقال -رحمه الله- أيضاً: وأيضاً؛ فأصحاب النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الذين بلَّغوا سنَّته وعملوا بها؛ لم يُنْقَل عن أحدٍ منهم تقييد الخفِّ بشيء من القيود، بل أطلقوا المسح على الخفّين، مع علمهم بالخفاف وأحوالها، فعُلم أنَّهم كانوا قد فهموا عن نبيِّهم جواز المسح على الخفّين مطلقاً. وأيضاً؛ فكثير من خفاف النّاس لا يخلو من فتق أو خرق يظهر منه بعض القدم، فلو لم يجز المسح عليها؛ بطل مقصود الرخصة، لا سيِّما والذين يحتاجون إِلى لُبس ذلك هم المحتاجون.
وقال (ص183):وإنْ قالوا بأنَّ المسح إِنَّما يكون على مستور أو مغطَّى ونحو ذلك؛ كانت هذه كلّها عبارات عن معنى واحد، وهو دعوى رأس المسألة بلا حُجَّة أصلاً، والشارع أمرَنا بالمسح على الخفّين مطلقاً، ولم يقيِّدْه، والقياس يقتضي أنَّه لا يقيَّد".
وقال (ص212 و213): ... ولفظ الخفِّ يتناول ما فيه من الخرق وما لا خرق فيه، لا سيَّما والصحابة كان فيهم فقراء كثيرون، وكانوا يسافرون، وإذا كان كذلك؛ فلا بدَّ أن يكون في بعض خفافهم خروق، والمسافرون قد يتخرَّق خفُّ أحدهم، ولا يمكنه إِصلاحه في السَّفر، فإِن لم يجز المسح عليه؛ لم يحصل مقصود الرخصة" اهـ.
ولو كان هناك استثناء أو منع؛ -لبيَّنه الشرع؛ كما هو شأن الأضحية-، فلمَّا لم يبلُغْنا شيء من هذا؛ دلَّ على أنَّ المسح يظلُّ على إِطلاقه، والمخرَّق جزء من هذا المطلق.مجموع الفتاوى(21)
السؤال: حدثونا بالتفصيل عن المسح على الجوارب؟ .
الجواب:الصواب أنه لا حرج في المسح على الجوارب، كالخفين من الجلد، وقد مسح عليها النبي صلى الله عليه وسلم في النعلين، ومسح عليها جماعة من الصحابة، فلا بأس بذلك، والجورب ما يلبس في الرجل من القطن، أو الصوف، أو الشعر، أو غيرهما غير الجلود إذا كان ساترا للقدم يمسح عليه يوما وليلة للمقيم، وثلاثة أيام بلياليها للمسافر بعد الحدث، يعني: يبتدئ المسح من مسح بعد الحدث، فيمسح يوما وليلة بعد الحدث في حق المقيم، ويمسح ثلاثة أيام بلياليها بعد الحدث في حق المسافر على الجورب، وعلى الخف من الجلد كله واحد، هذا هو الصواب، والشقوق اليسيرة يعفى عنها في أصح قولي العلماء، الشقوق اليسيرة عرفا يسمح عنها؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «يسروا ولا تعسروا» والله يقول سبحانه: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} ؛ ولأن الناس قد لا تسلم خفافهم من الشقوق أو الفتوق، لكن إذا تحرز واعتنى بالخف وبالجورب، حتى لا يكون فيه شيء يكون هذا أسلم لدينه وفيه خروج من خلاف العلماء القائلين بأنه لا يسمح بالخروق ولو يسيرة.
فتاوى نور على الدرب لابن باز رحمه الله(5/155)