بستان الواعظين ورياض السامعين
المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
47 - هيأة أَرض الْحساب
أَحدهمَا أَن الأَرْض الَّتِي يُحَاسب الْعباد عَلَيْهَا هِيَ أَرض من فضَّة بَيْضَاء لَا جبل فِيهَا وَلَا بِنَاء وَلَا بحار وَلَا أَنهَار وَلَا أَشجَار مَا سفك عَلَيْهَا دم وَلَا عصى الله تَعَالَى عَلَيْهَا يَأْتِي بهَا من غامض علمه وَيَقُول لَهَا كوني فَتكون وَقد أضرم تحتهَا النيرَان وَتَكون هَذِه الأَرْض فِي عظم تِلْكَ الأَرْض مثل الشعرة الْبَيْضَاء فِي الثور الْأسود
وَقد قيل إِن تَبْدِيل الأَرْض هدم مبانيها وغور مياهها وَانْقِطَاع أشجارها وتسجير بحارها وتسيير جبالها وتبديل السَّمَاء وتكوير شمسها وقمرها وانكدار نجومها وتعطيل أفلاكها وتشققها
فَهَذِهِ تَبْدِيل الأَرْض وَالسَّمَاوَات وَالله أعلم بِحَقِيقَة ذَلِك
48 - كَيفَ يقف النَّاس فِي الْمَحْشَر
فَإِذا قطع إسْرَافيل عَلَيْهِ السَّلَام النداء وقف الْخَلَائق كل وَاحِد مِنْهُم ينظر إِلَى السَّمَاء وَلَا يرْتَد إِلَيْهِ طرفه وَلَا يدْرِي أحد من يقف بجواره لَا رجل وَلَا امْرَأَة وَلَا يدْرِي الْأَخ بأَخيه وَلَا الْوَالِد بولده وَلَا الْأُم بابنها
كل إِنْسَان مِنْهُم مَشْغُول بِمَا هُوَ فِيهِ من عَظِيم الْأَهْوَال وكل وَاحِد مِنْهُم يفكر فِيمَا قد جَاءَ بِهِ من الْعِصْيَان وفرط فِيهِ من الطَّاعَة وَالنِّسْيَان فَالْكل ينظر إِلَى مَا ينزل بِهِ الْأَمر من السَّمَاء من شقاوة أَو سَعَادَة
49 - مِقْدَار زمن الْحَشْر
وَيُقَال وَالله أعلم إِن الْوُقُوف يكون مِقْدَار ثَلَاثمِائَة سنة من سِنِين الدُّنْيَا لَا خبر يتنزل وَلَا خبر يصعد
قد كثر الزحام فَلَا تسمع إِلَّا هَمس الْأَقْدَام حيارى نادمون فِيمَا فرطوا فِيهِ من استزلال الْقدَم يَوْمئِذٍ لَا ينفع الْبكاء وَلَا النَّدَم
(لَيْسَ فِي الدُّنْيَا لمن آمن ... بِالْبَعْثِ سرُور)
(إِنَّمَا يفرح بالدنيا ... جهول أَو كفور) إِنَّمَا يفرح بالدنيا ... جهول أَو كفور)
(فَتذكر هول يَوْم ... السما فِيهِ تمور)