You are Unregistered, please register or login to gain Full access
Recover Password: via Email | via Question
Thread Options  Search this Thread  
Post: #1
30-04-2013 22:40
EMPEROR
ALAMBRATWR


Joined: 02-04-2012
Posts: 5,138
Country: Egypt
Awards:  
Male Body is Offline now DonatedDisabled
~**بحث جميل في كلمة لا حول ولا قوة إلا بالله**~

الحمد لله رب العالمين، به سبحانه نستهدي، وإياه نستكفي، ولا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم، وهو المستعان، وهو حسبنا ونعم الوكيل.أما بعد:

فإن للأذكار الشرعية مكانة عالية في الدين، ومنزلة رفيعة في نفوس المؤمنين، وهي من أجلّ القربات، وأفضل الطاعات، ولها من الثمار اليانعة والفضائل المتنوعة والخيرات المتوالية في الدنيا والآخرة ما لا يحصيه ويحيط به إلا الله عز وجل. والكتاب والسنة مليئان بالشواهد العديدة والأدلة المتنوعة على فضل الذكر ورفيع قدره وعلو مكانته وكثرة عوائده وفوائده على أهله الملازمين له والمحافظين عليه.
قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا (41) وسبحوه بكرة وأصيلا (42) هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما (43) تحيتهم يوم يلقونه سلام وأعد لهم أجرا كريما) {الأحزاب:41-44}.
وقال تعالى: (والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما) {الأحزاب: 35}.

وقد أخرج الترمذي، وابن ماجه، والحاكم وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي، عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ألا أنبئكم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والوَرِق، وخيرٌ لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم ؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ذكر الله". {سنن الترمذي (3377)}.

وروى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: "سبق المفردون". قالوا: وما المفرِّدون يا رسول الله؟ قال: الذّاكرون الله كثيرًا. {صحيح مسلم 2776}.

وروى البخاري عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مثلُ الذي يذكر ربَّه والذي لا يذكر ربَّه مثل الحيّ والميت". {صحيح البخاري (6407)}.

والأحاديث في هذا الباب كثيرة.
ثم إنَّ هذه الأذكار الشرعية إضافة إلى دلالة النصوص على عظم فضلها وكثرة خيراتها وعوائدها، فإنها تمتاز بكمال معناها وجمال ألفاظها وتنوع دلالاتها وقوة تأثيرها وشمولها لحقائق الإيمان وأبواب الخير، فهي من جوامع كلم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ومن محاسن هذا الدّين العظيم، مع الأمن الكامل فيها من الشطط والانحراف في المعاني والدلالات أو التكلف والتقعر في الألفاظ والعبارات.
بل جاءت ألفاظ جزلة وكلمات ومختصرة ودلالات عميقة، فهي يسيرٌ لفظها ونطقها، عظيم معناها ومقصودها، كثير أجرها وثوابها، واسعة خيراتها ومنافعها، متعددة فوائدها وثمراتها.

وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك وأرشد إليه بقوله عليه الصلاة والسلام في وصف أحد هذه الأذكار: "كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم". {رواه البخاري 7563}.
وهذا شأن جميع الأذكار الشرعية خفيفةٌ على اللسان، ثقيلةٌ في الميزان، حبيبةٌ إلى الرحمن، مع التفاضل بينها والتمايز حسبما دلت عليه النصوص الشرعية.
ومع ما في الأذكار الشرعية من الكمال والجمال في معانيها ومبانيها إلاّ أنك ترى في كثير من عوام المسلمين من يعدل عنها وينصرف إلى أذكار مخترعة وأدعية مبتدعة ليست في الكتاب ولا في السنة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "ومن أشدّ الناس عيبًا من يتخذ حزبًا ليس بمأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وإن كان حزبًا لبعض المشايخ، ويدع الأحزاب النبوية التي كان يقولها سيّد بني آدم وحجة الله على عباده". {مجموع الفتاوى 12-525}.
يضاف إلى ذلك ما لدى كثير من المسلمين من الجهل وعدم العلم بمعاني الأذكار الشرعية العظيمة ودلالاتها النافعة القويمة، مما يستوجب مضاعفة العناية بالأذكار النبوية علمًا وتعليمًا، وشرحًا وبيانًا، وتوضيحًا وتذكيرًا، لتعلم مراميها، وتفهم مقاصدها، وتتضح دلالتها، لتؤدّي بذلك ثمراتها النافعة، وفوائدها الحميدة وخيرها المستمر.
قال ابن القيم رحمه الله: "وأفضل الذكر وأنفعه ما واطأ القلب فيه اللسان، وكان من الأذكار النبوية، وشهد الذاكر معانيه ومقاصده". {الفوائد ص247}.

هذا، وإنَّ من الأذكار النبوية العظيمة التي كان يحافظ عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويكثر من قولها، ويحثّ على الإكثار منها والعناية بها "الحوقلة"، وهي: "لا حول ولا قوة إلا بالله"، فإن هذه الكلمة العظيمة لها من الفضائل والفوائد والثمار ما لا يحصيه إلا الله، وفيها من المعاني العميقة والدلالات المفيدة ما يثبت الإيمان، ويقوي اليقين، ويزيد صلة العبد بربّ العالمين.

ولما كان الأمر بهذه المثابة وعلى هذا القدر من الأهمية رأيت إفرادَ هذه الكلمة بهذا البحث الذي جعلته بعنوان "الحوقلة: مفهومها، وفضائلها، ودلالاتها العقدية".
ورغم أهمية هذا الموضوع وشدّة الحاجة إليه، إلاّ أني لم أر من أفرده بالتأليف سوى رسالتين:
إحداهما: لجلال الدين السيوطي، سمّاها "شرح الحوقلة والحيعلة"، وهي من أول تأليفه سنة 886ه، كما في كشف الظنون للحاج خليفة، ولم أقف عليها.
الثانية: لجمال الدين يوسف بن عبد الهادي، أسماها: "فضل لا حول ولا قوة إلا بالله"، وقد خصها بذكر ما يتعلق بفضل هذه الكلمة. وقد رأيت أن يكون طرقي لهذا الموضوع من خلال المباحث التالية:

المبحث الأول: مفهوم الحوقلة.
المبحث الثاني: فضائلها.
المبحث الثالث: دلالاتها العقدية.
المبحث الرابع: في التنبيه على بعض المفاهيم الخاطئة فيها.
ومن الله تبارك وتعالى أستمد العون واستمنح التوفيق، فلا حول ولا قوة إلا به، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

المبحث الأول: مفهوم الحوقلة

أولاً: المراد بالحوقلة
******************
الحوقلة كلمةٌ منحوتة من "لا حول ولا قوة إلا بالله"، وهذا الباب سماعي، وهو من الفعل الرباعي المجرد كما هو مقرر في كتب الصرف.
والنحت "هو أن ينحت من كلمتين أو أكثر كلمة واحدة تدل على معنى الكلام الكثير، وذلك على النحو التالي":

أ- النحت من كلمتين مركبتين تركيبًا إضافيًا مثلما نحتوا من عبد قيس: عبقسي.

ب- النحت من جملة مثل: بسمل أي: قال بسم الله، حوقل، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله.
ويقال لها أيضًا: "الحولقة"، قال النووي رحمه الله: "قال أهل اللغة: ويعبر عن هذه الكلمة بالحوقلة والحولقة". {شرح النووي 17-27}.
وقال في موضع آخر: "ويقال في التعبير عن قولهم: لا حول ولا قوة إلاّ بالله الحوقلة، هكذا قاله الأزهري والأكثرون، وقال الجوهري الحولقة، فعلى الأول وهو المشهور الحاء والواو من الحول، والقاف من القوة، واللام من اسم الله تعالى، وعلى الثاني الحاء واللام من الحول، والقاف من القوة، والأول أولى لئلا يفصل بين الحروف". {شرح النووي 4-87}.

ويلاحظ على هذا أمران:
1- أنَّ الذي ذكره الأزهري في تهذيب اللغة ونقله عن بعض أهل اللغة كالفراء وابن السكيت "الحولقة" وليس "الحوقلة".

2
- تعليل أولوية لفظ "حوقل" على لفظ "حولق" بحجة عدم الفصل بين الحروف غير واضح؛ لأنَّ "حولق" ليس فيها فصل بين الحروف.

ثانيًا: معنى "لا حول ولا قوة إلا بالله"
الحول: هو التحرك، يقال: حال الرجل في متن فرسه يحول حولاً وحوُولاً إذا وثب عليه، وحال الشخص إذا تحرك، وكذلك كلُّ متحول عن حاله.
والقوة: هي الشدّة وخلاف الضعف، يقال: قوي الرجل، كرضي، فهو قويٌّ وتقوَّى واقتوى أي: صار ذا شدّة، وقوّاه الله، أي: أعطاه القوة وهي الشدّة وعدم الضعف.

فمعنى لا حول ولا قوة إلاَّ بالله أي: لا تحول من حال إلى حال، ولا حصول قوة للعبد على القيام بأيِّ أمر من الأمور، إلاّ بالله، أي: إلاّ بعونه وتوفيقه وتسديده، وقد ورد في بيان معنى هذه الكلمة وتوضيح المراد بها عن السلف وأهل العلم نقول عديدة من ذلك:

1- قول عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في "لا حول ولا قوة إلا بالله" أي: "لا حول بنا على العمل بالطاعة إلا باللَّه، ولا قوة لنا على ترك المعصية إلاَّ بالله". رواه ابن أبي حاتم.

2- وروي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال في معناها أي "لا حول عن معصية الله إلا بعصمته، ولا قوة على طاعته إلا بمعونته".

3- وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في معناها أي: "أنا لا نملك مع الله شيئًا، ولا نملك من دونه، ولا نملك إلاّ ما ملكنا مما هو أملك منا".

4- وسُئل زهير بن محمد عن تفسير: "لا حول ولا قوة إلا بالله" فقال: "لا تأخذ ما تحبّ إلا بالله، ولا تمتنع مما تكره إلاّ بعون الله". رواه ابن أبي حاتم.

5- وسُئل الهيثم الرازي (ت276ه) وهو إمام في اللغة عن تفسير "لا حول ولا قوة إلا بالله"، فقال: "الحول: الحركة، يقال: حال الشخص إذا تحرك، فكأنّ القائل إذا قال: لا حول ولا قوة، يقول: لا حركة ولا استطاعة إلا بمشيئة الله".

6- وقيل معناها: "لا حول في دفع شر، ولا قوة في تحصيل خير إلاَّ بالله".
وجميع هذه الأقوال متقاربة في الدلالة على المعنى المراد بهذه الكلمة العظيمة، ولهذا قال النووي رحمه الله بعد أن أورد بعض الأقوال: "وكلُّه متقاربٌ".

ثالثًا: إعراب "لا حول ولا قوة إلا بالله"
"لا": نافية للجنس.
"حول": اسم لا، مبني على الفتح في محل نصب، وخبرها محذوف، وتقديره كائن أو موجود.
"ولا": الواو عاطفة، ولا نافية للجنس أيضًا.
"قوة": اسم لا، وخبرها محذوف، وتقديره كائنة أو موجودة.
"إلاَّ": أداة استثناء.
"بالله": جار ومجرور، ومتعلق بالخبر المحذوف.

وقد ذكر أهل اللغة أنه يجوز في إعراب "لا حول ولا قوة إلا بالله" خمسة أوجه، بيانها كما يلي:
1

- "لا حولَ ولا قوةَ إلا بالله" بفتحهما بلا تنوين.
2- "لا حولَ ولا قوةً إلاّ بالله" بفتح الأول ونصب الثاني منونًا.

3- "لا حولٌ ولا قوةٌ إلا بالله" برفعهما منونين.
4- "لا حولَ ولا قوةٌ إلا بالله" بفتح الأول ورفع الثاني منونًا.
5- "لا حولٌ ولا قوةَ إلا بالله" برفع الأول منونًا وفتح الثاني.
وإلى هذه الوجوه الخمسة يشير ابن مالك رحمه الله في ألفيته حيث يقول:
عمل إن اجعل للا في نكرة
مفردةً جاءتك أو مكررة
فانصب بها مضافًا أو مضارعه
وبعد ذاك الخبر اذكر رافعه
وركّب المفرد فاتحًا كلا
حول ولا قوة والثان اجعلا
مرفوعًا أو منصوبًا أو مركبًا
وإن رفعتَ أولاً لا تنصبا
ثم إن في هذه الكلمة صيغةً من صيغ الحصر وهي "إلاّ"، بل عدّها السكاكي من أهم صيغ الحصر. قال الأخضري في أرجوزته مشيرًا إلى صيغ الحصر: وأدوات القصر إلاّ إنما عطفٌ وتقديم كما تقدّما

الحوقلة مفهومها،وفضائلها ودلالتها العقدية
فضائل "لا حول ولا قوة إلا بالله"

لقد وردت نصوص كثيرة في السنة في بيان فضل هذه الكلمة وعظم شأنها، وقد تنوعت هذه النصوص في الدلالة على تشريف هذه الكلمة وتعظيمها، مما يدل بجلاء على عظم فضل هذه الكلمة ورفعة مكانتها، وأنها كلمة عظيمة ينبغي لكل مسلم أن يعني بها ويكثر من قولها؛ لكثرة ثوابها عند الله، ولما يترتب عليها من خيرات متنوعة وفضائل متعددة في الدنيا والآخرة، ومما يدل على فضل هذه الكلمة العظيمة ما يلي:

1

- أنها وردت في عدة أحاديث مضمومة إلى الكلمات الأربع الموصوفة بأنها أحبّ الكلام إلى الله.
فقد ثبت في المسند وسنن الترمذي والحاكم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ما على الأرض رجلٌ يقول: لا إله إلا الله، والله أكبر، وسبحان الله، والحمد لله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، إلا كُفّرت عنه ذنوبه ولو كانت أكثر من زبد البحر". {صحيح الجامع (5636)}.

وثبت في سنن أبي داود والنسائي والدارقطني وغيرهم عن ابن أبي أوفى رضي الله عنهما قال: جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني لا أستطيع أن أتعلم القرآن فعلّمني شيئًا يجزيني، قال: "تقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله". فقال الأعرابي هكذا وقبض يده، فقال: هذا لله، فما لي؟ قال: "تقول: اللهم اغفر لي وارحمني وعافني وارزقني واهدني". فأخذها الأعرابي وقبض كفيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : قال : "أمَّا هذا فقد ملأ يديه بالخير". {صحيح أبي داود (1-157)}.

2- ورودها معدودةً في الباقيات الصالحات التي قال الله عنها: (والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا)

{الكهف: 46}.

فقد روي من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : "استكثروا من الباقيات الصالحات". قيل: وما هي يا رسول الله؟ قال: "التكبير والتهليل والتسبيح والحمد ولا حول ولا قوة إلا بالله". رواه أحمد وابن حبان والحاكم وغيرهم، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، ولكن في إسناده أبو السمح دراج بن سمعان صدوق، في حديثه عن أبي الهيثم ضعف، وهذا منها.

لكن جاء عدُّ "لا حول ولا قوة إلا بالله" في جملة "الباقيات الصالحات" عن غير واحد من الصحابة والتابعين، فقد روى الإمام أحمد في مسنده أنَّ أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه سُئل عن "الباقيات الصالحات" ما هي؟ فقال: "هي لا إله إلا الله، وسبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله". {المسند (1-71)}.

وروى ابن جرير عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه سئل عن "الباقيات الصالحات"؟ فقال: لا إله إلا الله، والله أكبر، وسبحان الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله. {تفسير الطبري (15-255)}.

وعن سعيد بن المسيب قال: "الباقيات الصالحات: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله". وروى ابن جرير الطبري عن عمارة بن صياد قال: "سألني سعيد بن المسيب عن "الباقيات الصالحات"، فقلت: الصلاة والصيام، قال: لم تصب، فقلت: الزكاة والحج. فقال: لم تصب، ولكنَّهنَّ الكلمات الخمس: لا إله إلا الله، والله أكبر، وسبحان الله، والحمد لله، ولا حول ولا قوة إلا بالله".وأثر ابن المسيب هذا يوهم أن "الباقيات الصالحات" محصورة في هؤلاء الكلمات الخمس، والذي عليه المحققون من أهل العلم أنَّ "الباقيات الصالحات" هنَّ جميع أعمال الخير، كما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: (والباقيات الصالحات) قال: "هي ذكر الله، قول: لا إله إلاَّ الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وأستغفر الله، وصلى الله على رسول الله، والصيام والصلاة والحج والصدقة والعتق والجهاد والصلة وجميع أعمال الحسنات وهن الباقيات الصالحات، التي تبقى لأهلها في الجنة مادامت السماوات والأرض".

3- إخبار النبي صلى الله عليه وسلم أنها كنزٌ من كنوز الجنة.
فقد روى البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فكنا إذا علونا كبّرنا. وفي رواية: فجعلنا لا نصعد شرفًا ولا نعلو شرفًا ولا نهبط في واد إلاّ رفعنا أصواتنا بالتكبير، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "أيها الناس، اربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصمَّ ولا غائبًا، ولكن تدعون سميعًا بصيرًا". ثم أتى عليّ وأنا أقول في نفسي: لا حول ولا قوة إلا بالله. فقال: "يا عبد الله بن قيس، قل: لا حول ولا قوة إلا بالله فإنها كنزٌ من كنوز الجنة". أو قال: "ألا أدلك على كلمة هي كنزٌ من كنوز الجنة؟ لا حول ولا قوة إلا بالله". {صحيح البخاري (4205، 6384)، وصحيح مسلم (2704)}.

قال بعض أهل العلم في التعليق على هذا الحديث: "كان عليه الصلاة والسلام معلِّمًا لأمته فلا يراهم على حالة من الخير إلاَّ أحبّ لهم الزيادة، فأحب للذين رفعوا أصواتهم بكلمة الإخلاص والتكبير أن يضيفوا إليها التبري من الحول والقوة فيجمعوا بين التوحيد والإيمان بالقدر". {فتح الباري (11-501)}. وقد جاء في الحديث: "إذا قال العبد: لا حول ولا قوة إلاّ بالله، قال الله: أسلم واستسلم". رواه الحاكم بإسناد قال عنه الحافظ ابن حجر: "قوي". {فتح الباري (11-501)}.

وفي رواية: "ألا أدلك على كلمة من تحت العرش من كنز الجنة؟ تقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، فيقول الله عز وجل: أسلم عبدي واستسلم". رواه الحاكم، وقال: "صحيح ولا يحفظ له علة" ووافقه الذهبي.
قال النووي رحمه الله: "ومعنى الكنز هنا أنَّه ثواب مدخرٌ في الجنة، وهو ثوابٌ نفيسٌ كما أن الكنز أنفس أموالكم".
وقال ابن حجر رحمه الله: "كنز من كنوز الجنة من حيث إنه يدخر لصاحبها من الثواب ما يقع له في الجنة موقع الكنز في الدنيا؛ لأنَّ من شأن الكانز أن يَعُد كنزه لخلاصه مما ينوبه والتمتع به فيما يلائمه".

4- ورود الأمر بالإكثار منها والإخبار أنها من غراس الجنة.
روى الإمام أحمد وابن حبان عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أُسري به مرَّ على إبراهيم، على نبينا وعليه الصلاة والسلام، فقال: "يا محمد، مُرْ أُمتك أن يكثروا من غراس الجنة، قال: وما غراس الجنة؟ قال: لا حول ولا قوة إلا بالله" {صحيح ابن حبان}.

5

- إخبار النبي صلى الله عليه وسلم أنها بابٌ من أبواب الجنة.
روى الإمام أحمد والحاكم عن قيس بن سعد بن عبادة أنَّ أباه دفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم يخدمه، قال: فمرّ بي النبي صلى الله عليه وسلم وقد صليت فضربني برجله وقال: "ألا أدلك على باب من أبواب الجنة؟" قلت: بلى، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله.

{السلسلة الصحيحة 4-35}.

6- تصديق الله لمن قالها.
روى الترمذي، وابن ماجه، وابن حبان، والحاكم، وغيرهم عن أبي إسحاق عن الأغر أبي مسلم، أنه شهد على أبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما أنهما شهدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا قال العبد: لا إله إلا الله والله أكبر، قال: يقول الله تبارك وتعالى: صدق عبدي لا إله إلا أنا وأنا أكبر، وإذا قال: لا إله إلا الله وحده، قال: صدق عبدي لا إله إلا أنا وحدي، وإذا قال: لا إله إلا الله لا شريك له، قال: صدق عبدي لا إله إلا أنا لا شريك لي، وإذا قال: لا إله إلا الله له الملك وله الحمد، قال: صدق عبدي، لا إله إلاَّ أنا لي الملك ولي الحمد، وإذا قال: لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، قال: صدق عبدي لا إله إلاَّ أنا ولا حول ولا قوة إلا بي".ثم قال الأغر شيئًا لم أفهمه، قلتُ لأبي جعفر: ما قال؟ قال: "من رُزِقهنّ عند موته لم تمسّه النار".وقال الترمذي: حديث حسن، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وقال الشيخ الألباني رحمه الله: وهو حديث صحيح. {السلسلة الصحيحة 1390}.

قال ابن القيم رحمه الله: "الذكر سبب لتصديق الرب عز وجل عبده، فإن الذاكر يخبر عن الله تعالى بأوصاف كماله ونعوت جلاله، فإذا أخبر بها العبد صدَّقه ربُّه، ومن صدَّقه الله تعالى لم يحشر مع الكاذبين، ورجي له أن يحشر مع الصادقين". {الوابل الصيب ص160}.
فهذه بعض الفضائل الدالة على عظم مكانة هذه الكلمة، ورفعة شأنها، وكثرة عوائدها وفوائدها، وعظم ما يترتب عليها من أجور عظيمة وخيرات جليلة وفوائد متنوعة في الدنيا والآخرة.

"الحوقلة " مفهومها، وفضائلها ودلالتها العقدية

مفاهيم خاطئة حول "لا حول ولا قوة إلا بالله"سواء في لفظها أو في معناها:

1- فمن ذلك أنَّ من الناس من يخطئ في استعمال هذه الكلمة فيجعلها كلمة استرجاع ولا يفهم منها معنى الاستعانة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وذلك أنّ هذه الكلمة أي: لا حول ولا قوة إلا بالله هي كلمة استعانة لا كلمة استرجاع، وكثيرٌ من الناس يقولها عند المصائب بمنزلة الاسترجاع، ويقولها جزعًا لا صبرًا".

2- ومن ذلك ما حكاه بعض أهل اللغة أنه يقال فيها: "لا حيل ولا قوة إلا بالله".قال النووي رحمه الله: "وحكى الجوهري لغةً غريبة ضعيفة أنه يقال لا حيل ولا قوة إلا بالله؛ بالياء، وقال: الحيل والحول بمعنى".

3- ومن ذلك اختصار بعض العوام لها عند نطقها بقولهم: "لا حول الله"، وهذا من الاختصار المخلّ، مع ما فيه من الغفلة عن كمال الأذكار الشرعية في مبانيها ومعانيها.وقد سُئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله عن ذلك فقال: "إنهم يريدون "لا حول ولا قوة إلا بالله" فيكون الخطأ فيها في التعبير، والواجب أن تعدل على الوجه الذي يراد بها، فيقال: لا حول ولا قوة إلا بالله".

4
- ومن ذلك تحريف معناها عن غير وجهه وصرف دلالاتها عن مقصودها بالتأويلات البعيدة والتحريفات الباطلة، كقول يحيى بن ربيع الأشعري: "فإنها- أي كلمة لا حول ولا قوة إلا بالله- توقف على كلِّ جهة ما يليق بها، وتجعل للعبد قدرة كسبية حالية، وتجعل الإسناد للرب سبحانه وتعالى عن كلِّ شريك في ذاته وصفاته وأفعاله، وتثبت الاقتدار من العبد، وتثبت أحوالاً بلا واسطة وقدرة في جبر، وهذا من الحُكْم العجيب جاءهم ليوافق قوله لا حول ولا قوة إلا بالله على نصّها من غير تأويل". {الفتوحات الربانية 1-242}
قلت: بل هو عين التأويل الباطل، حيث جعل هذه الكلمة دالة على قول الأشاعرة بأنَّ العبد له قدرة غير مؤثرة يسمونها الكسب، ومحصل ذلك تقرير قول الجبرية القائلين بنفي القدرة عن العبد؛ إذ لا فرق بين من يثبت للعبد قدرة غير مؤثرة، وبين من ينفي قدرته أصلا، ولهذا صرح هنا بأنها "قدرة في جبر" لأنها قدرة غير مؤثرة، وغاية ذلك أن العبد مجبور على فعل نفسه كقول الجهمية سواء. والله أعلم.

والحمد لله رب العالمين.



Bookmarks
Digg del.icio.us StumbleUpon Google

Quick Reply
Decrease Size
Increase Size
Insert bold text Insert italic text Insert underlined text Align text to the left Align text to the centerr Align text to the right Justify text Insert quoted text Code Insert formatted PHP code Insert formatted SQL code
Colors
Insert hyperlink Insert image Insert email address
Smilies
Insert hidden text



Forum Jump: