أكثر العلوم تأثيراً في الحياة اليومية، هي الهم الحقيقي لمعظم المخابر المنتشرة بكافة جامعات الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانية ومصر وألمانيا وأهمها هو الطب والفيزيولوجيا، الذي تجري له مختبرات خاصة في معظم الدول الغربية وبعض دول شرق آسيا التي وضعت قدمها على طريق الأبحاث المتقدمة، وعلى رأسها اليابان والصين والهند. ولزيادة الاهتمام بهذا الاتجاه استطاعت الأبحاث العلمية تخليص البشرية من عدد هائل من الأمراض السارية، بالاستفادة من ترجمة كتب ابن سينا والرازي، وصولاً إلى لويس باستور الفرنسي، ومورغان الأمريكي وانتهاءً بالدكتور البريطاني سيدني بيرنر.
وساعدت الجهود الهائلة التي بذلت في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر لصناعة الآلات من تقدم الصناعة ابتداءً من جيمس واط، مروراً بهنري فورد، وصولاً إلى الياباني مازاتوشي كاشيبا، ويلاحظ من يراقب تاريخ الحضارة الإنسانية كيف تناوبت مصادر الطاقة في الطبيعة على تشغيل الآلة التي صنعها الإنسان لخدمته، من الهواء إلى الماء للطواحين، ثمّ الفحم الحجري، والنفط، للقاطرة البخارية، والغاز والهدروجين المعالج والطاقة النووية، والشمس، والنفايات الصناعية، والضوء الصناعي (الطاقة الكهروطيسية). ونشط علم الأحياء الدقيقة لتحسين الإنتاج الزراعي، والمبيدات والأسمدة، وفي المضمار فإن أغلب دول العالم لا تستقبل أي نوع من الخضار أو الفواكه المستوردة. إذا كانت معرضة لأي نوع من المبيدات، وهذا تحدٍ كبير للجهود الذي تبذله المختبرات الزراعية من أجل تحسين الإنتاج والسيطرة على الآفات بالطرق الطبيعية، لأنّ الطبيعة التي تصدر الآفة، تستطيع بتدابير طبيعية إنهاءها أما المبيدات فإنّها قد تسبب طفرات بيولوجية أو تنشؤات "سرطان" لا يمكن مكافحتها، لأنّها تحول خلوي بنيوي ووظيفي، وأكثر ما يستطاع اليوم هو إيقاف تمددها بالأشعة أو الأمصال.
باكتشاف الليزر وهو بالتعريف: تضخيم الضوء بالإصدار المحثوث للأشعة الحروف الأولى للكلمات. Light Amplification by Stimulated Emisson of Radiation.
وصل الطب إلى حلول كثيرة في الجراحة، وباستخدام تقنيات هذه الأشعة يستطيع الجراح كتابة اسمه المؤلف من مقطعين على خلية مريضة بالوصول إلى طاقة الضوء، وإنجازات علماء الفيزياء العظام، يكون العلم من منظور الفلسفة الموضوعية يقدم تفسيراً جديداً للكون.
تلتقي عظمة الفيزياء بالفلسفة في تفسير الوجود من الحدود اللانهائية؛ ولابدّ من الاعتراف بأنّ العقل البشري هو أجمل مخلوق أو موجود على الإطلاق، واليوم تسعى الولايات المتحدة لإطلاق مسار في الكون لتفسير نظريات أينشتاين، فمن الطبيعي أن تستفيد جميع مراكز البحث المختصة بنتائج هذا الاختبار، لأنّ العلم ليس له جنسية، ولا حكومة فيدرالية. فما الغرض من هذه التجربة، وما هو تأثيرها على مسيرة التقدم التقني؟ بدأت المغامرة من البحث عن شجاع يستطيع تحطيم نظرية السير اسحق نيوتن في الإصدار، بإطلاق الجدل عبر السؤال: هل الضوء أمواج أم جسيمات؟ وبسب سلطة نيوتن البريطاني وقوة قوانينه العلمية بقيت نظريته في الضوء صامدة أكثر من مئتي سنة إلى أن أعلن الاسكتلندي جيمس كلارك مكسويل النظرية الكهرومغناطيسية سنة 1876، ففتح الطريق لكشف الزواج الأبدي بين الحقل الكهربائي والحقل المغناطيسي.
تجمع أطباق المائدة في مخيلة الألماني ألبرت أينشتاين، قبل سفره إلى الولايات المتحدة ومتابعة أبحاثه فيها، حيث قدم نيلز بور نموذج الذرة لديه، ورسم هنرخ هرتز خريطة الأمواج الراديوية فما كان من أينشتاين إلا أن نشر عام 1926 مقالاً في التحريض الكهرطيسي وعندما لوّح تشاوديك بوجود جسيم آخر يقيم في النواة إلى جانب البروتون هذا المقيم ثقيل الظل، ليس له شحنة، ولكنه سبب الانشطار النووي التلقائي، وهكذا ظهر النترون على خشبة المسرح الفيزيائي في مرحلة كانت الدول الأوروبية تلتقط أنفاسها بين الحربين العالميتين، عام 1934، وتسعى جميع الأمم لتحقيق قفزات علمية في الطاقة لاستخدامها في المجالات العسكرية والصناعية. لذلك فإنّ الكثير من الأبحاث العلمية كانت سبباً في وفاة الملايين من البشر، وهذا ما سبب نقمة كبيرة على العلماء الذين كشفوا المنحى التدميري لاكتشافاتهم واختراعاتهم.
ظهرت النظرية النسبوية العامة التي تعتبر نظرياتها الجزئية ومعادلاتها الرياضية التفسير الدقيق للمفاعل النووي، الذي يستطيع بثلاثة كيلوغرامات من اليورانيوم إضاءة مدينة مثل موسكو أكثر من عشرين عاماً.
وتعتمد النسبوية "وهي الترجمة الأكثر صحة من النسبية". على مبدأين أساسيين: أوّلهما أنّه لا يمكن الكشف عن الحركة المتجانسة المطلقة، والثاني هو أن سرعة الضوء لا تتعلق بالمسار الذي تسلكه.
وقد أضافت هذه النظرية حدّاً جديداً إلى الحدود الكونية التي يعرف منها أنّه لا يمكن تجاوز سرعة الضوء، لأنّ الجسم الذي يبلغها يتحول إلى طاقة، والقيد الثاني هو أنّه لا يمكن خفض درجة حرارة أي غاز أو سائل إلى أقل من 273 درجة مئوية تحت الصفر، فتدعى هذه الدرجة بالصفر المطلق.
إنّ اتساع الكون بشكل هائل جدّاً يعيد الفرصة للعلماء بالأمل الكبير، وهو أنّ الحقيقة المطلقة عصية على العقول، بعيدة المنال، تتوقد الأذهان على الأرض ولكنها سرعان ما تذوي عند بوابة المجرة، فكيف يمكن دراسة هذا العظيم الشاسع الفسيح، ولماذا كل هذا الاتساع، وإلى أين ينتهي، ثمّ يتساءل الإنسان، ماذا لو انتهت البشرية لسبب من الأسباب، ومات جميع الناس، فما الجدوى من هذا الكون العظيم؟
ساعدت النسبوية الخاصة في الإجابة عن هذه التساؤلات، ولكن ببعض الخجل، ولكنّها قدّمت طريقاً للتفكير وفتحت الأبواب للعقول المتنورة في البحث عن الإجابة التي لا تتعارض مع الإيمان بالله الواحد، بل وجد في النظرية الخاصة أن مسار الضوء في المسافات البعيدة جدّاً، قد لا يكون مستقيماً، مثل الحديث عن خطوط الشاقول، وأشعة تسارع الجاذبية الأرضية، فهي متوازية عن قرب، ولكن المستقيمات التي تحملها تلتقي في مركز الأرض، وهكذا توقع بعض العلماء أن يكون الكون محدباً، فقد يلجأ الذين سيكتبون تاريخ العلم خارج الأرض إلى هندسة ريمن أو هندسة لوباتشوفسكي التي تخالف وتناقض هندسة اقليدس في الفراغ، وعليها يمكن أن تحسب المسافات التي تبنى عليها المدن المتوقعة خارج الأرض، والتي لا تبدو مستحيلة في العقود القادمة.
تبذل الحكومات والدول جهوداً كبيرة للبحث العلمي، ويستهلك في بعض البلدان نسبة عالية من الدخل القومي، مثل اليابان وألمانيا وكوريا الجنوبية، وبعض الدول تتخذ الدراسات الجامعية فيها اتجاهاتها البحثية، وتطبق مبدأ ربط الجامعة بالمجتمع تطبيقاً دقيقاً، فمنذ نحو ثلاثين عاماً تتصدر الجامعات بمخابرها المتطورة في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية معظم المؤسسات العلمية في العالم بجهودها في تطوير الدراسات التقنية والبيولوجية والفيزيائية وبالإجمال في المجالات الصحية والبيئية فإنّ الكليات والأكاديميات المختصة المتصلة بمؤسسات حكومية تتبنى هذه المهمة.
أمّا العلوم الحيوية فقد انفصلت بعض الشركات التي تختص بالأحياء الدقيقة والبكتريا بنشر أبحاثها ونتائجها مخابرها مستفيدة من توظيف هذه النتائج في المراكز البيئية والصحية عن طريق شراء منتجاتها من قبل هذه المراكز وهذا ما يتطلب تأمين مبالغ مالية هائلة لإنجاز هذه التراكيب والمواد فمثلاً يصرف في الولايات المتحدة مبلغ يصل إلى 450 مليون دولار في مخابر الجامعات فقط للأبحاث الفيزيائية (الضوء والحرارة والميكانيك والكهرباء..).
وهذا الرقم أقل بكثير مما ينفقه القطاع الخاص على البحوث بكافة مجالاتها.
وفي فترة ولايته اقترحت الإدارة الأمريكية على الرئيس كلينتون إعلان الخارطة الوراثية للكائن البشري، لأعراض التساترجية أكثر منها علمية، وقد انتهت بالتعاون مع مخابر أوروبية – الجهود الكيمائية إلى حصر جميع احتمالات توضع الأحماض النووية المصطفة على شريط الحمض التجريبي النووي المنقوص الأكسجين (DNA) والتي تحمل نشرة التعليمات الكاملة بالصفات الفيزيولوجية والفومولوجية للكائن البشري، إذ يسجل هذا الحمض الثابت الصيغة في الإنسان الواحد هذه التعليمات في الساعات الأولى لإلقاح، أي بمجرد إتمام التزاوج الصبغي في البيضة الملقحة، والتي لا يمكن الكشف عليها بهذه الحالة إلا إذا سمح بموتها، وهذا ما كان يمنع من معرفة الكثير من استعصاءات استمرار الحمل. ومن المتوقع السيطرة على معظم الأمراض الوراثية بمعرفة مواقع ومنازل المورثات ووظائفها في القرية الوراثية، ومع أنّ هذه الحقيقة تسبب اليأس للباحث لأنها تثبط الهمم بوقف المتابعة. إلا أنها تدفع للتفاؤل بعد اكتشاف تعدد الوظائف لمورثة واحدة، أو ترتيب الجينات واختلافه له دور في تحقيق صفات خلوية أخرى، والقضية الأكثر مدعاة للاستغراب والتفاؤل " بالنسبة للعالم المخبري" هي نظرية العبث في هذه الجينات أي إحجامها أحياناً عن القيام بدورها، وأحياناً تسببها بطفرة وراثية، مع أنّ المتوقع أن يكون دورها طبيعياً، ومبدأ الشك الذي يتعلق بالمدة الزمنية للانقسام الخلوي والتي تؤثر على نسب صحة ودقة الروابط الهدروجينية بين النيوكليوتيدات المكونة للسلم السحري للحمض النووي الذي يجتمع كخيوط دقيقة متجاورة ومتحلزنة في الكروموزم (الصبغي) الذي يسبح في فضاء نواة الخلية الحيوية.
وهكذا فقد خطا الغرب، والعديد من دول العالم التي تعتبر التطور والتقدم العلمي ديدنها وهمها الأوّل، خطًا واسعة مديدة سبقتنا، ويا ليتنا نستطيع استنهاض حكوماتنا للإشراف بجدية على البحث العلمي، وعدم الاستهزاء بأي جهد، لأنّ البداية دائماً لتكون ناجحة ومتكاملة يجب أن تكون صفرية، واعتماد الصفر في البحث العلمي يعني أنّ البداية تبدأ من شيء نعرف عنه كل شيء. ونستطيع إيجاده في أي وقت، والاستفادة من وجوده دائماً، ثمّ الانطلاق إلى الأمام بصبر ودقة وشفافية للوصول إلى النقطة التي تجري حولها الأبحاث مهما استغرق هذا الأمر من زمن.
إنّ تشجيع البحث العلمي واجب حكومي، والإنفاق المدروس عليه إلزامي أيضاً على الجهات الرسمية، لأنّه جزء من تطور المجتمعات، وخطوة تبرهن تفاهم الإنسان العربي مع روح العصر.